لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف تتجنب أكبر مدينة في أفريقيا الغرق؟

10:33 ص السبت 30 يناير 2021

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لاغوس- (بي بي سي):

المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أفريقيا تعد واحدة من أكثر المدن عرضة لمخاطر الفيضانات والغرق جراء ارتفاع مستوى سطح البحر. ولكي تتجنب المدينة مخاطر الغرق، قد تضطر لتغيير كل شيء، بدءا من التصميمات المعمارية للمباني وصولا إلى وسائل النقل.

ربما يكون التجول في شوارع لاغوس المزدحمة عسيرا في الأيام العادية، لكن عندما تهطل الأمطار تصاب شوارع المدينة بالشلل التام. فهذه المدينة، التي يتجاوز عدد سكانها 24 مليون نسمة، تعد قلب نيجيريا الاقتصادي، وأصبحت وجهة للباحثين عن فرص جديدة للاستثمار. لكن النظم البيئية وشوارع المدينة أصبحت تئن تحت وطأة النمو السكاني المتسارع.

وكثيرا ما تُغرق مياه الأمطار والسيول شوارع المدينة، وذلك بسبب عجز السلطات عن التخلص من النفايات اليومية في المدينة التي يتراوح حجمها بين 6,000 و10,000 طن. فبعد هطول الأمطار الغزيرة، تتراكم النفايات في البالوعات المفتوحة وتغمر المياه شوارع المدينة.

وتقول ستيفاني إريغا، إحدى ساكنات لاغوس: "ينتابني الخوف والقلق كلما هطلت الأمطار، وخاصة لو كانت غزيرة". وتتذكر في إحدى المرات أنها كانت تستقل سيارة أجرة، وعندما مرت السيارة في إحدى المناطق الغارقة بمياه الأمطار، فوجئت بالمياه تتدفق إلى المقعد الخلفي بجوارها.

فهل اتخذت المدينة الأكثر اكتظاظا بالسكان في أفريقيا التدابير اللازمة استعدادا للفيضانات وغرق الشوارع وارتفاع مستوى سطح البحر؟

العمارة العائمة

ثمة جزء من لاغوس اكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع ارتفاع منسوب المياه، وهو حي ماكاكو، الذي أقيم على دعامات وعواميد لرفع البيوت والأكشاك فوق سطح المياه. ويتكون حي ماكاكو الفقير، الذي يعرف باسم "فينيسيا القارة الأفريقية"، من متاهات من الطرق والبيوت التي يتجول بينها الناس بالقوارب الصغيرة.

وبالرغم من أن الحي يفتقر للكهرباء ومرافق الصرف الصحي والمياه النظيفة، إلا أنه احتضن مؤخرا ابتكارات جديدة، مثل مدرسة ماكاكو العائمة، التي أقيمت على براميل بلاستيكية فارغة معاد تدويرها. وقد صُممت المدرسة على شكل هرمي بمركز ثقل منخفض للمساعدة في استقرارها وأيضا لمواجهة الأمطار الغزيرة حتى لا تستقر على سطحها.

وعلى الرغم من أن النموذج الأولي للمدرسة لم يستمر طويلا، إذ أطاحت به عاصفة قوية في عام 2016، إلا أنه كان مثالا لنظام عائم قد يستخدمه مصممه المعماري كونلي أدييمي، مؤسس شركة "نليه" للتصميم المعماري واستشارات التنمية، في مدن ساحلية أخرى.

وعلى غرار تصميم المدرسة، يجري إنشاء مركز موسيقي عائم في مدينة مينديلو بجزيرة ساو فيسنتي بالرأس الأخضر، ويتكون هذا المركز المصنوع من الخشب من ثلاث بواخر عائمة تضم قاعة حفلات متعددة الأغراض واستديو للتسجيل يتضمن أحدث الأجهزة والمعدات ومنصة للضيوف.

ويرى أدييمي أن الخشب يعد اختيارا مثاليا للمباني العائمة فضلا عن أنه لا يؤذي البيئة. ويقول: "إذا كنت تختار ما بين حلول مختلفة للبناء على الماء قياسا بالتكلفة والمزايا، فإن الخشب سيكون في المقدمة".

ويقول أيديمي إن المركز الموسيقي العائم هو جزء من مشروع مدن المياه الأفريقية الذي دشنته شركة "نليه". ويهدف المشروع لإيجاد حلول للمجتمعات الساحلية للتأقلم مع ارتفاع مستوى سطح البحر. فبدلا من محاربة المياه، ينبغي أن نتعلم كيفية التعايش معها.

النقل المائي

بعد رحلة واحدة فقط بالعبارة، أصبحت أولاجوموك أويليز، إحدى ساكنات لاغوس، من أشد المؤيدين للنقل المائي. فقد اكتشفت أن العبّارة تقطع المسافات في وقت أقل بمراحل من السيارات في الشوارع المزدحمة.

ويقول أولوواداميلولا إيمانيويل، المدير العام بهيئة الممرات المائية بلاغوس، إن وسائل النقل المائي أصبحت تغطي مساحات واسعة من المدينة. إذ خُصص الآن أكثر من 42 طريقا للعبّارات في الممرات المائية ويوجد 30 مرسى للعبارات موزعة في ثلاث مناطق مختلفة.

ودشنت عدة شركات خاصة مشروعات للنقل المائي في المدينة. ففي عام 2019، أطلقت شركة "أوبر" خدمة قارب "أوبر بوت" للنقل الجماعي، بهدف تخفيف الازدحام المروري في شوارع المدينة. وتقول لورين أوندورو، المتحدثة باسم الشركة: "ندرك حجم ساعات العمل والإنتاجية التي تُهدر يوميا بسبب الاختناق المروري في لاغوس. وهذا دفعنا للبحث عن طرق لتوفير وسيلة نقل سهلة ورخيصة نسبيا للتنقل بين المناطق التجارية في المدينة".

وفي هذه المرحلة التجريبية التي استمرت أسبوعين، حجز الركاب مقاعد في قارب "أوبر بوت" مسبقا باستخدام تطبيق على الهاتف، ويسع القارب 35 شخصا على الأقل. ونقل القارب الركاب لوجهاتهم في طرق محددة، بحد أقصى يبلغ أربع رحلات يوميا.

لكن هل سيكون القارب أو العبارة أقل إيذاء للبيئة من السيارات؟

تشير تقديرات وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية إلى أن نصيب راكب العبارة من انبعاثات الكربون أقل من نصيب راكب الحافلة أو سيارة الأجرة منها.

لكن حتى الآن لم تتمكن وسائل النقل المائي من تخفيف الازدحام المروري، ولا سيما لأن قواعد التباعد الاجتماعي أثناء الوباء أدت إلى تخفيض سعة العبارات إلى النصف.

لكن سكان لاغوس متحمسون للتغيير ولإضافة خدمة النقل بالعبارات إلى شبكة النقل في المدينة. وتقول أويليس: "ربما نحتاج لعبارات لنقل المركبات والسلع بالإضافة إلى الركاب في المدينة".

حواجز ساحلية

أقيمت مشروعات عديدة لحماية السواحل من التآكل، كان أبرزها "سور لاغوس العظيم"، وهو حاجز ضخم مصنوع من 100 ألف كتلة خرسانية تزن كل منها خمسة أطنان. ويحمي هذا الجدار، الذي يبلغ ارتفاعه 18 مترا، شواطئ جزيرة فيكتوريا ومدينة "إيكو أتلانتك"، التي تقام على أراض مستصلحة حديثا من البحر، وتمتد على مساحة 8.4 كيلومترات.

وقد أقيم هذا الجدار لحماية المشروعات العمرانية الجديدة من الأمواج العاتية التي تسببها العواصف التي تتشكل في جنوب الأطلسي. لكن بعض النقاد أثاروا مخاوف من أن حماية سواحل بعض المناطق قد يعجل بتآكل سواحل أخرى.

وأقيم على شواطئ مدينة "إيكو أتلانتك" 18 حاجزا مضادا لانجراف التربة، وهذه الحواجز العمودية المنخفضة مصممة لحجز الرمال من المحيط. وتمتد هذه الحواجز على مساحة 7.2 كيلومترات من المدينة. وتخطط لاغوس لإقامة حواجز أمواج إضافية لحماية 60 كيلومترا من سواحل المدينة، ويقدر المسؤولون تكلفتها بنحو مليار دولار.

التنبؤ بالفيضانات

ثمة طرق أخرى غير مرئية للتخفيف من آثار الفيضانات الناجمة عن السيول والأمطار الغزيرة. فقد صممت السلطات النيجيرية تطبيقا هاتفيا للتنبؤ بالأماكن التي قد تتضرر من الفيضانات، وبذلك يتاح للمناطق الساحلية الوقت الكافي لاتخاذ الاستعدادات اللازمة لحماية المدن المزدحمة.

ويغطي هذا التطبيق مساحات أوسع مقارنة بتطبيق آخر سابق صممته وزارة الزراعة النيجيرية لحماية المزارعين في ثلاث ولايات مهددة بالفيضانات. ويحذر التطبيق المزارعين قبل أربعة أيام من الكارثة المتوقعة.

وقبل تدشين التطبيق كانت السلطات النيجيرية تعتمد على وسائل الإعلام لتحذير الناس من الفيضانات الوشيكة.

وبفضل تطبيق التنبؤ بالفيضانات، بإمكان الناس في أي منطقة في نيجيريا متابعة التحذيرات بشأن مخاطر وقوع الفيضانات يوميا. وقد أطلقت الحكومة تحذيرات لسكان بعض المناطق السكنية في لاغوس عبر التطبيق للاستعداد للفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة والسيول.

هذه التغيرات وغيرها أصبحت ضرورية في وقت يهدد فيه ارتفاع منسوب البحار بنزوح الملايين في لاغوس، وسيدفع سكان المناطق الساحلية المنخفضة، مثل ماكاكو، أبهظ الأثمان. لكن ربما يساهم إيجاد طرق جديدة للعيش على البحر وممراته المائية، وإقامة حواجز ومبان لحماية سواحل المدن من التآكل والتنبؤ بمواعيد السيول والأمطار الغزيرة، في حماية أكبر مدينة في أفريقيا من الغرق.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: