لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الهولوكوست: "لماذا أنا أسعد رجل على وجه الأرض؟"

04:08 م الأربعاء 27 يناير 2021

رسالة إدي جاكو للشباب هي لا تكرهوا أحداً وكونوا سع

(بي بي سي):

يقول إدي جاكو لبي بي سي: "أنا أسعد رجل على وجه الأرض لأنني نجوت من الموت المؤكد".

وُلد "إدي" في ألمانيا عام 1920، وكان اسمه عند الولادة أبراهام جاكوبوفيتش وديانته اليهودية.

تقام حول العالم في 27 يناير/كانون الثاني من كل عام مراسم إحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست (المحرقة اليهودية).

ورغم أن تفشي وباء كورونا أوقف التجمعات والنشاطات الاجتماعية، إلا أن إدي أراد إيصال رسالة مهمة إلى الجيل الجديد. فبعد أن نجا من الهولوكوست، الذي راح ضحيته ملايين اليهود حول العالم، تعهد إدي بالاستمتاع بكل لحظة ويوم في حياته وحث الآخرين على فعل الشيء ذاته.

لقد وضع لنفسه هدفاً وهو أن يعيش 100 عاماً، وأن يصبح ألطف وأنشط و"أفضل عجوز" على وجه الأرض.

ربما نجح في تحقيق هدفه، فاليوم هو زوج سعيد وأبٌ وجدٌّ، وجدُّ جد.

يروي إدي لبي بي سي كيف تمكن من البقاء متفائلاً رغم مسيرة حياته الصعبة والأهوال التي مرّ بها في حياته.

رسالة إلى الشباب

لقد دوّن إدي مذكراته ليس من باب إبراز شخصيته حسب قوله بل من أجل منح الأمل للأجيال القادمة.

"أراد النازيون تدميرنا وجعلنا بؤساء ولمواجهة ذلك عملت العكس".

يصعب تصديق أن إدي لا يكنُّ كراهية لأولئك الذين قتلوا عائلته وأصدقاءه. لكنه يوضح قائلاً: "أراد النازيون زرع الكراهية في، لكنني لم أفعل ذلك... لقد كرهونا، لكنني لا أكره أحداً وأريد أن أقول للشباب: إياكم أن تستخدموا هذه الكلمة، إنه لأمر خطير أن تكن كراهية لأحد، فالكراهية مرض، قد تساعدك في تدمير عدوك، لكنها ستدمرك أيضاً ".

ومع وضع تلك الفكرة نصب عينيه، عمل الرجل بجدٍ كل يوم في معسكرات الاعتقال، لإبعاد الكراهية عن ذهنه وإيجاد بصيص من الأمل في أي بقعة يمكنه ذلك". قد تكون مجرد ابتسامة في وجه أحدهم أو قطعة خبز تشاركها مع آخرين أو أي عمل لطيف تقوم به، لئلا يفقد روحه أو تجف حسب تعبيره.

"كيف أنجو بحياتي في الوقت الذي يموت فيه كثيرون؟"

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1938، كان إدي في 18 من عمره عندما قام النازيون بتدمير واجهات المحال التجارية التي كان يملكها اليهود، وهو الحدث الذي بات يعرف بليلة الكريستال بسبب كميات الزجاج المحطم التي غطت الشوارع.

تعرض وقتذاك الآلاف من اليهود الألمان، بمن فيهم إدي، للإعتداء في موجة عنف جماعية معادية للسامية.

وبدأت الحرب العالمية الثانية بعد عام من ذلك؛ في سبتمبر/أيلول 1939. لكن بالنسبة لإدي وغيره من اليهود الألمان، تغير كل شيء إلى الأبد .

وفي السنوات السبع التي تلت تلك الليلة، واجه إدي أهوالًا لا يتصورها عقل بشري، بدءاً من معسكرات الاعتقال في بوخنفالد (1938) وأوشفيتز (1944)، وانتهاءً بمسيرة الموت النازية في عام 1945، قبل أشهر فقط من نهاية الحرب.

"ما زلت أستغرب كيف تمكنت من النجاة في الوقت الذي كان يموت الكثيرون من حولي".

عندما شارفت الحرب على النهاية، كان إدي قد فقد جميع أفراد أسرته وأصدقائه ووطنه.

"الدولة الأكثر تحضراً في أوروبا"

ويتذكر إدي ليلة مداهمة منزله قائلاً: "في ليلة الكريستال، ركل عشرة نازيين باب منزلنا واقتحموه، أوسعوني ضرباً، ظننت أنني سأموت في تلك الليلة، لقد فقدت كرامتي وإيماني بالإنسانية، فقدت كل ما كنت أؤمن به".

ويتابع مستذكراً تلك الليلة: "حاول كلبي إنقاذي، ومنعهم من ضربي، فصوبوا بنادقهم إليه؛ قتلوه وهم يصرخون.. كلبٌ يهودي".

وكان يتساءل في قرارة نفسه "كيف يمكن أن يصبح أصدقاؤه وجيرانه قتلة بهذا الشكل!".

"كنت فخوراً بإنتمائي لألمانياً، كنت أظن أنني أعيش في أكثر دول أوروبا تحضراً وثقافة وعلماً".

"يستحيل أن أنجو"

بعد تلك الليلة الرهيبة، نُقل إدي إلى معسكر اعتقاله الأول في بوخنفالد، وبعد بضع سنوات نقل إلى معسكر أوشفيتز. وكان أول شيء يتم في المعسكرات لدى وصول المعتقلين اليهود هو ترقيمهم.

يقول إدي: "عندما وشموا على ذراعي الأيسر رقما، تحولت إلى مجرد رقم، لم أتوقع أن أنجو من ذلك النظام البربري الرهيب".

كنت أقول لنفسي وقتها: "لقد خسرت كل حياتك ولا يمكنك تعويض ذلك".

لكنه بذل قصارى جهده للبقاء على قيد الحياة وعدم الإحساس بالبؤس والمرارة.

"لا تحارب عدوك إذا كنت أسيراً لديهم"

ويوضح إدي سبب بقائه على قيد الحياة قائلاً: "يعود 50% إلى الحظ، أما 50% الباقية، فهي أنني كنت أعرف متى أتحدث ومتى أصمت". وربما ساعدته معرفة ذلك حسبما يقول النجاة بحياته.

"لا تتشاجر مع عدوك عندما تكون أسيراً لديهم، فهم الحكام وأنت خادمهم".

"لكن لا يستطيع الجميع تحمل الظروف غير الإنسانية التي عاشها إدي، فقد استسلم الكثيرون وفقدوا الأمل، واتجه العديد منهم نحو السياج الكهربائي المحيط بالمعسكر لينتحروا ويموتوا صعقاً بالكهرباء".

"أردت الخروج من هناك، كنت أشعر بالغضب بسبب ما جرى لهم وقلت لنفسي يجب أن يظل أحد ما على قيد الحياة".

نهاية الكابوس

في يناير/ كانون الثاني 1945، وقبل أشهر فقط من نهاية الحرب، أُجبر إدي مع حوالي 60 ألف سجين يهودي آخر، على المشاركة فيما بات يُعرف بـ "مسيرة الموت" للخروج من أوشفيتز.

ولكن عندما اقتربت القوات السوفيتية من معسكر الاعتقال، تراجع الجيش النازي وانسحب إلى عمق الأراضي التي كانت لا تزال تحت سيطرة الألمان مصطحباً معه آلاف السجناء الذين أضعفهم الجوع قاطعين كل تلك المسافات سيراً على الأقدام.

وبعد المشي لمئات الكيلومترات والمرور بمعسكر ببوخينفالد مرة أخرى، تمكن إدي من الهرب.

كان إدي قبل أحداث ليلة الكريستال، شاباً قوي البنية يتمتع بصحة جيدة، ولكن بحلول نهاية الحرب، لم يعد يشبه نفسه، و عندما عثر عليه الأمريكيون في الطريق، كان مريضاً ضعيفاً وهزيلاً، لا يزن أكثر من 28 كيلوغراما، حيث ظل مختبئاً في كهف لا يأكل سوى القواقع والرخويات.

وبمجرد وصوله إلى المستشفى، قطع وعداً على نفسه بأن يصبح أسعد رجل على وجه الأرض إذا امتثل للشفاء وتمكن من اجتياز محنته.

"سأكون مفيداً ولطيفاً وسأفعل كل ما لم يفعله الألمان بي... بالنسبة لي هذا هو الانتصار".

"لا أشعر بالمرارة لكني لست أحمقاً أيضاً"

كان إدي مصراً على سرد ما جرى في المعسكرات لأنه كما يقول "بإمكان أي شخص زيارة أوشفيتز عشرات المرات، ولكن دون أن يدركوا تماماً ما الذي حدث هناك، وكيف كان ذلك ممكناً؟".

حتى بالنسبة للأشخاص الذين كانوا هناك، يصعب عليهم فهم واستيعاب الفظائع التي جرت في المعسكرات.

وكتب إدي في الكتاب الذي ألفه، أنه وغيره من المعتقلين وقتذاك، كانوا يدركون حجم وفظاعة الوحشية التي يتعرضون لها في تلك المعسكرات، لكن لم يعرفوا قط ما كان يجري في القسم الطبي في أوشفيتز".

واستغرق الأمر حتى نهاية الحرب العالمية، حتى باتت التجارب الطبية القاسية والمجنونة التي أجراها مينغلة وأطباؤه على الرجال والنساء والأطفال خلف الأبواب المغلقة معروفة للعالم بحسب ما يقول.

صحيح إنه لا يشعر بالمرارة، لكنه لا يكذب على نفسه أيضاً ويعلم بأن "الكثيرين من المجرمين والقتلة النازيين لم يواجهوا العدالة".

"أستطيع أن أقول لكم، لم يُعاقب النازيون بل لا يزالون يهنأون بالعيش الرغيد بأموالنا في أمريكا الجنوبية".

حياة جديدة في أستراليا

لم يعد يشعر إدي أنه يعيش في وطنه في أوروبا بعد انتهاء الحرب، وكتب في مذكراته "كان من الصعب علينا تجاهل أننا كنا محاطون بأناس وقفوا مكتوفي الأيدي حيال ما تعرضنا له من تمييز ولم يفعلوا شيئاً لمنع اضطهاد وتهجير وقتل شعبي".

التقى إدي بفلور وتزوجها، وفي عام 1950 قررا الانتقال إلى أستراليا برفقة أسرته الصغيرة وبدء حياة جديد.

ومضى الآن على زواجهما 74 عاماً، وأصبح لديهما أحفاداً وأحفاد الأحفاد، الذين احتفلوا بعيد ميلاده الـ 100 في أوائل العام الماضي.

يقول إدي، إنه طُلب منه مراراً كتابة تجربته وحياته في كتاب، لكنه كان منشغلاُ مع أسرته وصداقاته، ولم يأتِ الوقت المناسب للقيام بذلك.

وعندما تدهورت صحة زوجته فلور واضطرت للذهاب للعيش في دار الرعاية، قرر إدي الانتقال والعيش معها، وعندها فقط توفر الوقت لتدوين مذكراته في كتاب.

ويقول ضاحكاً: "أخيراً، ألفتُ كتاباً في سن التقاعد!" مضيفاً: "نعيش الآن وسط تفشي الوباء، ماذا كنت سأفعل غير ذلك!"

لا يروق لإدي سماع شكوى الناس من الإغلاق والحجر الصحي الذي شبهه أحدهم بمعسكر الاعتقال.

ويقول: "لديك سرير وطعام وكل ما تحتاجه! لا تقارن الإغلاق بمعسكر الاعتقال أبداً".

وعلى الرغم من بلوغه سن المئة، إلا أنه يهتم بالمستقبل وبالجيل القادم، وأراد أن ينصح الناس بالتمسك والحرص على ثلاثة أشياء في حياتهم: "الأمل والصحة والسعادة".

ويقول: "السعادة هي الشيء الوحيد الذي يكبر ويتضاعف حجمه إذا تقاسمتها مع الآخرين".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان