"قمع وتزوير"..صحفي بريطاني ينقل تفاصيل الاحتجاجات في بيلاروسيا
كتبت- رنا أسامة وهدى الشيمي:
بعد أسبوع من الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات الرئاسية البيلاروسية في 9 أغسطس، بدأ البيلاروسيون يعتقدون أن الحظ لن يُحالف الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في نهاية المطاف. زعم لوكاشينكو أنه فاز على منافسته، سفيتلانا تيخانوفسكايا، وهي معلمة وزوجة مُرشح رئاسي سابق، في تصويت عدّه بيلاروسيون كُثر- إلى جانب دول العالم الديمقراطي- "مزورًا".
والأحد، تجمّع عشرات آلاف المتظاهرين وسط العاصمة البيلاروسية، مينسك، مُطالبين لوكاشينكو بالتنحّي. في المقابل، خرجت مسيرة قليلة الحضور لتأييد الرئيس الذي وصفه الصحفي البريطاني ديفيد باتريكاراكوس، في تحليل بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، بـ"اليائس على نحو متزايد".
وخلال المسيرة، خاطب لوكاشينكو مؤيديه: "هل تريدون الحرية؟" فأجاب حشد من عدة مئات: "لا"، فعاد ليسألهم: "هل تريدون التغيير؟"، ليردّوا بالنفي: "لا!"، ثم سألهم: "هل تريدون إصلاحات؟"، فأجابوا بالنفي مُجددًا: "لا!".
"نهاية وشيكة"
وقال باتريكاراكوس إن الأنظمة الديكتاتورية المُشابهة لبيلاروسيا غالبًا ما تكون سخيفة، لكنها عادة ما تثير مخاوف أيضًا. وحينما تسيطر العبثية على المشهد، فهذا دليل على أن نهايتها باتت وشيكة، مُشيرة إلى أنه ورُغم أن الديكتاتوريين يتزوّدوا بمشاعر الكراهية، لكنهم يذبلون مع الوقت بفِعل الانتقادات والسخرية.
صباح أمس الاثنين، لم يقوَ لوكاشينكو على شيء سوى العبوس والتزام الصمت لمواجهة صيحات استهجان من قِبل العمال الذين كان يخاطبهم في مصنع للجرّارات بمينسك. وحتى وقت قريب، قبض سيطرته على بيلاورسيا المعروف بـ"آخر ديكتاتورية في أوروبا" بشكل كامل. فماذا حدث؟
قبل عامين، روى الصحفي البريطاني أنه زار مينسك للقاء مُنشقين يحاربون الدولة. وفي وسط المدينة بالقرب من الطريق الرئيسي، شارع الاستقلال، قال إنه التقاهم في أحد المقاهي وناقشوا احتمالية التغيير. كان المعارضون متفائلين بحذر. وقيل له إن "لوكاشينكو يفرض سيطرته على كل شيء. سيكون الأمر صعبًا".
التاريخ يمر سريعًا. في 9 أغسطس، توجّه البيلاروسيون إلى صناديق الاقتراع للمرة الخامسة منذ وصول لوكاشينكو إلى سُدة الحكم في عام 1994. وانتهت الانتخابات السابقة في صالح لوكاشينكو دون عناء. لكن تيخانوفسكايا وعدت بشيء مختلف حقًا، والأهم من ذلك، أنه وبعد 26 عامًا، فاض كيل البيلاروسيين ببساطة.
في الأسابيع التي سبقت التصويت، بدا أنه لا يُمكن إيقاف تيخانوفسكايا. لكن بعد فترة وجيزة من إغلاق باب التصويت، أعلن استطلاع للرأي فوز لوكاشينكو بأكثر من 80 بالمائة من الأصوات. فيما يبدو أن منافسته حصلت على ما يزيد قليلًا عن 10 بالمائة.
"شفافية الاحتيال"
وفي هذا الصدد، رأى الصحفي البريطاني أن فوز لوكاشينكو بولاية ثانية جاء مدفوعًا بما أسماه "شفافية الاحتيال". إذا ادّعى فوزه بنسبة من 55 إلى 45 بالمائة، فيمكن حينها النظر إلى الأمر بشكل مختلف. بيد أن لوكاشينكو لم يكن لديه سوى دائرة انتخابية واحدة: أجهزته الأمنية. وهم يحترمون شيئًا واحدًا فقط: القوة. لم يتمكّن من السماح لنظامه الديكتاتوري بالتصدّع، حتى ولو قليلًا.
وحينما تحدّث الصحفي البريطاني إلى إينا، مديرة تنفيذية تبلغ من العمر 35 عامًا، عبر تطبيق "واتساب" يوم السبت: قالت: "لقد كان الأمر خدعة، والجميع يعرف ذلك". عُيّنت إينا، التي كشفت عن اسمها الأول فقط لدواعٍ أمنية، بالأساس كمراقبة مستقلة للانتخابات. وكان من المُفترض السماح لها بالدخول إلى إحدى المدارس المحلية، حيث كانت تجري عملية التصويت للإشراف على عملية الفرز، لكن السلطات لم تسمح لها بالدخول.
وأضافت إينا في حديثها مع الصحفي البريطاني: "كان الأمر محبطًا، لكن كان بإمكاننا الانتظار بالخارج وإحصاء الأشخاص الذين دخلوا للتصويت. وأخبرنا الكثير من الناخبين أنهم سيُصوّتون لصالح تيخانوفسكايا".
وتابعت: "وفق إحصاءاتنا، فإن هناك ما لا يقل عن 45 بالمائة من الناخبين صوّتوا لصالح تيخانوفسكايا- وربما أكثر من ذلك ممن لم يُفصِحوا صراحة عن نواياهم خلال التصويت. النتيجة المُعلنة جاءت 70 بالمائة لصالح لوكاشينكو. من الواضح أن هذا خطأ - لقد رأيته بنفسي".
وأكملت: "كان من الواضح أنه (لوكاشينكو) خسر. لقد تكرّر السيناريو الذي رويته في كل مكان. وهناك عشرات الشهود على ذلك مثلي".
"تعاضد لا مثيل له"
مع نزول البيلاروسيين إلى الشوارع، قال باتريكاراكوس إن المواطنين اتحدوا معًا ضد الحكومة بشكل لم يسبق لم مثيل، وقاومتهم الحكومة وبدأ العنف.
وصف نيكيتا، بيلاروسي 24 عامًا، للصحفي البريطاني خلال محادثة عبر تطبيق فايبر، نفسه بالشخص العادي الذي يعمل ستة أيام في الأسبوع لتغطية نفقاته وتلبية احتياجاته اليومية العادية.
مثل أي شخص آخر تحدث معه الصحفي البريطاني مع بدء الاحتجاجات، قال نيكيتا إنه لم يكن ناشطًا سياسيًا حتى إجراء الانتخابات، لفتت تيخانوفسكايا انتباهه، فهي شابة وذكية وذات شخصية جذابة، علاوة على ذلك أظهرت نية قوية في إحداث تغيير في بلادها.
رأي نيكيتا مثل الكثير من البيلاروسيين فرصة لإحداث تغيير في البلاد. قال الصحفي البريطاني إن ملايين البيلاروسيين خرجوا للتصويت والمشاركة في عملية الاقتراع أملاً في التغيير، حبسوا أنفسهم أثناء إعلان النتيجة التي صدمتهم.
"المعتقلون الأبطال"
كانت نتائج الانتخابات "مشينة" على حد تعبير نيكيتا، لذا انضم إلى الآلاف من مواطنيه ليلة 9 أغسطس للقيام بالاحتجاجات، والتي قابلتها الحكومة بالقنابل اليدوية والرصاص المطاطي لليلتين على التوالي.
قال نيكيتا للصحفي البريطاني: "كانوا يحاولون إخماد الاحتجاجات، لقد كان عدوانًا صريحًا ضد المجتمع المدني، لقد أرادوا القضاء علينا".
حاول النظام في بيلاروسيا قمع الاحتجاجات بكافة السبل، واستخدمت قوات الأمن العنف المُفرط مع المتظاهرين. يتذكر نيكيتا إنه في الليلة الثالثة للاحتجاجات، 11 أغسطس، بينما كان يسير باتجاه محطة كونتسفسكايا وسط مينسك، استوقف مجموعة من ضباط الشرطة، المعروفين بوحشتيهم وعنفهم، وقاموا بوضعه في إحدى الشاحنات الضخمة، وضربوه حتى وصلوا إلى مركز الاحتجاز في شارع أوكريستينا.
بمجرد دخوله قسم الشرطة أجبر الضباط نيكيتا و60 شخصًا آخر على الركوع، قبل ضربهم بالهراوات لمدة 30 دقيقة.
حُكم على نيكيتا بالسجن لمدة 12 ليلة، ولكنه أطلق سراحه بعد يوم واحد فقط، وعلى باب المبنى رأى حشود من المتطوعين الذين تجمعوا خارج مراكز الاعتقال حاملين طعام، شراب بطانيات لكل المعتقلين، وعندما رأوا الأشخاص المُفرج عنهم صفقوا لهم وتعاملوا معهم كالأبطال.
في هذه اللحظة شعر نيكيتا بأنه انتقل من "النار إلى الجنة" على حد قوله، هذا التضامن بين البيلاروسيين جعله يشعر بأنهم سينتصرون وبأنه لا يوجد حدود لما يمكنهم تحقيقه.
ومع مرور أكثر من أسبوع على الاحتجاجات، سادت روح إيجابية بين البيلاروسيين، يشعر الجميع حسب الصحفي البريطاني بأن النصر قريب.
"بيلاروسيا ليست أوكرانيا"
لكن الحذر مطلوب أيضًا. منذ مايقرب من ست سنوات غطى الصحفي البريطاني تداعيات الثورة في أوكرانيا، التي تدخلت فيها روسيا بشكل مباشر وأرسلت إليها قواتها، وظل الكرملين يراقب ما يحدث هناك.
لكن بيلاروسيا ليست أوكرانيا، أوضح باتريكاراكوس أن موسكو أسست رابطة مكونة من أحزاب بالوكالة، مسؤولين، والأوليغارشية ووسائل الإعلام، عندما استولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شبه جزيرة القرم وتوغل في شرق أوكرانيا، كان لدي روسيا شبكة مؤيدة اعتمد عليها، وكذلك استغل الانقسامات العرقية في أوكرانيا والتي لا وجود لها في بيلاروسيا.
قال فراناك فياكوركا ، المعارض البيلاروسي البارز، إن أي محاولة للغزو الروسي ستكون مشكلة كبيرة. وتابع: "سيكون هناك مقاومة كبيرة، لا يوجد هنا من يدعم موسكو، يعي لوكاشينكو هذا، ويثق بأننا لا نريد الروس".
يبقى الوضع محفوفًا بالمخاطر، هددت قوات لوكاشينكو تيخانوفسكايا التي لاذت بالفرار إلى ليتوانيا المجاورة، ولا تزال تدير الثورة. تتمتع حركة تيخانوفسكايا بالزخم، لكنها ليست سياسية. لقد تعهدت المعارضة البيلاروسية بالعمل كقائدة مؤقتة للإشراف على انتخابات جديدة ونزيهة لكنها لا تزال في الخارج.
يعتقد فياكوركا أنه إذ أوشك لوكاشينكو على السقوط، سيكون هناك فراغ في السلطة. ويعتقد المعارض البيلاروسي البارز أنه إذا لم يتمكن أحد من ملء هذا الفراغ، فإن روسيا قد تحاول التسلل من خلاله، ما يعني وصول قوى راديكالية إلى الحكم.
مع خفوت نجم لوكاشينكو لا تزال تيخانوفسكايا غير قوية بما يكفي للسيطرة على الأوضاع في مينسك، حسب الصحفي البريطاني، ما خلق ركودًا سياسيًا خطيرًا لن يتم حله بدون إجراء انتخابات جديدة أو أن تتدخل روسيا.
فيديو قد يعجبك: