إعلان

العنصرية ضد السود: لماذا تحمل التماثيل كل هذه القوة الرمزية؟

02:23 م السبت 27 يونيو 2020

خلع المتظاهرون تمثالا لإدوارد كولستون وألقوه في مر

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

لندن- (بي بي سي):

مع ما لحق بعض المعالم مؤخرا من دمار في بريطانيا والولايات المتحدة - من إسقاط تمثال برونزي لتاجر الرقيق البريطاني إدوارد كولستون في مدينة بريستول بإنجلترا، إلى تشويه تماثيل في بوسطن وميامي وفيرجينيا لكريستوفر كولومبوس وقادة ولايات الكونفدرالية إبان الحرب الأهلية الأمريكية، ظهرت أسئلة مهمة حول الهدف من إقامة النصب التذكارية في الأماكن العامة كتماثيل تخلد ذكرى بعض الشخصيات.

جاء تشويه بعض التماثيل في الولايات المتحدة وخلع تمثال كولستون وسحله في شوارع المدينة على أيدي مؤيدين لحركة "حياة السود مهمة" قبل رميه في المرفأ، في أعقاب قتل أمريكي من أصول أفريقية هو جورج فلويد الشهر الماضي في مينيابوليس بولاية مينيسوتا على يد شرطي أبيض ركع بثقل جسده على عنقه. أثار فيديو أحد المارة لتعرض فلويد للاختناق ببطء على مدى ثماني دقائق احتجاجات غاضبة في أنحاء العالم وأضاف زخما للحملات المطالبة بإزالة التماثيل التي تمجد شخصيات قامت سمعتها (وثرواتها) على سحق الشعوب الملونة وخنق الثقافات الأصلية.

في السنين الأخيرة جرى خلع ونقل عدة نصب تخلد ذكرى زعماء عسكريين وسياسيين لتحالف الولايات الكونفدرالية الجنوبية التي حاربت خلال ستينيات القرن التاسع عشر للإبقاء على الرق في الولايات المتحدة، وإزاحتها من المشهد العام. وجاء سقوط كولستون في بريطانيا جزءا من موجة جديدة من الإزالة السريعة في الغرب. ففي وقت سابق هذا الأسبوع قطع رأس تمثال كولومبوس في بوسطن وأسقط بالحبال في مينيابوليس بولاية مينيسوتا وريتشموند بولاية فيرجينيا وفيها تم سحل تمثال المستكشف الذي يعود تاريخه للقرن الخامس عشر حتى بركة قريبة تم إغراقه فيها بالطريقة التي استقر بها المقام بكولستون. وتم وضع شاهد قبر مؤقت على شط البركة كتب عليه "ذهبت العنصرية غير مأسوف عليها".

وخوفا من تسارع حركة التطهير في المملكة المتحدة، هرول زعماء من مختلف الطيف السياسي لشجب تدمير تمثال كولستون والتحذير من إسقاط أي تماثيل أخرى. وفي مثال نادر لتوافق الرسائل اتفقت وزيرة الداخلية المحافظة بريتي باتل وزعيم المعارضة العمالي سير كير ستارمر على ضرورة التنديد بتلك الهجمات بينما تجمع الآلاف في أوكسفورد مطالبين بإزالة تمثال حجري لسيسيل رودز من كلية أورييل والتمثال لشخصية بريطانية تؤمن بالتفوق أثرت نفسها عبر استغلال الشعب الأفريقي وموارده. وحتى وقت كتابة هذا المقال، مازال مصير تمثال رودز في الميزان وهو يحملق عبر شبكة لحمايته كأنه وحش بقفص - ليفكر العالم في المصير المناسب لبقايا النهب الإمبريالي.

وللرد على هذا السؤال، ينبغي التفكير في السبب في نصب التماثيل في المقام الأول وسبب تعلقنا بها. اكتشف في غابة بمنطقة سوابيا الألمانية عام 2008 تمثال صغير لأول تصوير مجسم معروف لكائن بشري، والتمثال لجسد أنثوي ويمكن أن نستقي منه بعض المعرفة عما يدفعنا للتصوير. لا يتجاوز ارتفاع التمثال ستة سنتيمترات وقد نحت من سن حيوان الماموث القديم الأشبه بالفيل قبل 40 ألف عام ويطلق على التمثال اسم فينوس هول فيلز ويبرز بشكل مبالغ فيه خصائص جسد أنثوي كرمز للخصوبة.

والأهم في شكل التمثال، الذي لابد أنه استغرق مئات الساعات من النحت المتأن، ليس ما أبرزه، بل ما أخفاه، فالحرفي القديم الذي أبدع ببطء هذا العاج اتخذ قرارا جماليا فريدا بإغفال الرأس، وبدلا من مكان العنق هناك ثنية صغيرة يمكن منها تمرير شريط من الجلد. وحين يرتدى التمثال تصبح رأسه هي رأس من يرتديه ليستكمل الخيال العمل الفني بدمجه بالمرتدي. فمن البداية كان المقصود من التماثيل أن تعكس فكرة وليس مادة، وأن تبرز نظرتنا نحن لأنفسنا أكثر من الشخص الذي تصوره.

ويستحيل قياس عمق هذه النزعة لإسباغ شيء منا على صورة آخر. ومن ثم تفسر الصعوبة الجمة لتحمل وجود نصب تقدس شخوص الماضي التي جسدت الكثير من الألم، فهي ثقل خانق، والحنق الذي يشعر به كثيرون لتقاسمهم الشوارع مع تلك الأشباح الثقيلة للقمع وهو شعور حقيقي وعميق بالسخط الساحق. ولتناول المسألة الشائكة المتمثلة في كيفية التعامل مع نصب يجدها قسم يعتد به من المجتمع ذات أثر سام بدأت بلدان اتخاذ مجموعة من استراتيجيات شتى.

وفي لندن أعلن عمدة المدينة صادق خان انعقاد لجنة خاصة لبحث إزالة تماثيل بالمدينة (ونصب تماثيل). وفي الولايات المتحدة الأربعاء دعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لسرعة إزالة 11 تمثالا لزعماء للكونفدرالية على أمل إجهاض عملية اقتحام عنيف تستهدف كابيتول هيل حيث مقر الكونغرس.

وجاء في بيان لبيلوسي، المنتمية للحزب الديمقراطي من كاليفورنيا: "يجب أن تجسد تماثيل كابيتول هيل أرفع ما لدينا من مثل كأمريكيين، لتعبر عن طبيعتنا وما نصبو إليه كأمة". وأضافت في البيان: "معالم الرجال الذين نادوا بالقسوة والوحشية لتحقيق غاية عنصرية لا مراء فيها ليست إلا وصمة على جبين تلك المثل، فتماثيلهم تكرم الكراهية لا التراث ولابد من إزالتها".

هل البتر هو العلاج الأمثل للمرض؟ تكمن المشكلة طبعا في إخفاء ذكريات الماضي الأليم وإغراقها في الماء فالأمور الأليمة لابد ستطل من جديد من المياه العكرة. وقد اقترح فنان رسوم الشارع البريطاني بانكسي، الذي كثيرا ما يستحضر فنه صور التعصب في المجتمع ويضطرنا لمواجهة الرياء وعدم المساواة، حلا عبقريا للمعضلة التي يقع فيها المجتمع الآن. وتساءل بانكسي على منشور بموقعه على إنستغرام: "ما الذي ينبغي أن نفعله بالمنصة الخالية بوسط بريستول؟ إليك فكرة تخدم الذين يفتقدون تمثال كولستون والذين لا يفتقدونه. دعونا نسحبه من الماء ونضعه مجددا على المنصة ونربط حبلا حول رقبته ونكلف فنانين بنحت تماثيل برونزية بالحجم الطبيعي للمحتجين وهم يسقطونه. وليسعد الجميع بيوم مأثور نحيي ذكراه".

ويتخيل رسم بانكسي المرفق بذكاء وضع كولستون على شفا السقوط باستمرار، ولكن مازال من الصعب الموازنة بدقة بين رغبات جميع من يجثم ثقل التمثال عليهم في المجتمع.

وفي ألمانيا حيث تعين منذ دهر اتخاذ قرارات حول كيفية التصرف في حفريات الحقبة النازية بالذاكرة الملموسة بشوارع الأمة وساحاتها، اتفق على أن مسح الماضي ليس مطروحا. وبدلا من تلويث هواء المدن بنصب مقترفي الألم بذلت مساع للإبقاء على النصب التي تحتفي بصبر وجلد ضحايا هتلر. ربما وجب أن نفكر في التماثيل كما نفكر في الأشجار، فحين تتشوه إحداها بمرض علينا أن نقرر غرس شجرة جديدة تنظف الهواء ولا تخنق أنفاسنا.

هذا المحتوى من

الثانويه العامه وأخبار التعليم

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان