"كورونا يترنّح".. كيف احتوت الدنمارك الوباء؟
كتبت- هدى الشيمي:
ربما لا يزال فيروس كورونا المُستجد كما هو معدٍ وخطير، ولكن الحكومة الدنماركية أعلنت في مايو الماضي إنها تمكنت من السيطرة على الوباء، الذي يواصل انتشاره في القارة الأوروبية العجوز، لتصبح الدنمارك أول بلد أوروبي يفتح أبواب المدارس أمام الطلاب، ويخفف الإجراءات الاحترازية، وسط تراجع مستمر في أعداد الوفيات والحالات المصابة في المستشفيات منذ أبريل.
أعلنت رئيسة وزراء الدنمارك، ميتي فريدريكسون، في مايو الماضي، إن بلادها تمكنت من السيطرة على الفيروس التاجي، وقالت في مؤتمر صحفي إن الخطر لم ينتهِ بعد، مُشيرة إلى أن معدات الحماية أصبحت جزءاً من البنية التحتية المهمة، لذلك دعت شعبها إلى أن يكون على أهبة الاستعداد حال ضربت موجة جديدة من كورونا أو وباء جديد تماماً بلدهم.
تعتزم الدنمارك القيام بتخفيف إضافي لقيود العزل برفع العدد الأقصى للتجمعات العامة من 50 إلى 100 شخص في يوليو القادم، وإلى 200 في أغسطس، والسماح بالتجمعات التي تضم ما أقصاه 50 شخصا، بدلا من 10 أشخاص، وإعادة فتح مراكز اللياقة البدنية وأحواض السباحة العامة.
نهجين مختلفين في اسكندنافيا
اتبعت الدول الأسكندنافية نهجين مختلفين تمامًا في التعامل مع أزمة كوفيد-19، اختارت الدنمارك والنرويج النهج الذي يعتمد على الإجراءات الصارمة والإغلاق الكامل في وقت مُبكر، فيما اعتمدت السويد استراتيجية مناعة القطيع، من خلال تشجيع المواطنين على تحمل المسؤولية واحترام التدابير الاحترازية مع منحهم الحرية الكامل في الانتقال والتجمع، وأبقت المتاجر والمقاهي مفتوحة، فيما أغلقت المدارس الإعدادية والثانوية والجامعات فقط أبوابها أمام الطلاب.
أظهرت مراقبة أعداد الإصابات والوفيات في اسكندنافيا، أن الاستراتيجية التي اتبعتها كل من الدنمارك والنرويج آتت ثمارها، إذ اتفقت كل من كوبنهاجن وأوسلو على السماح للسياح بالسفر بين البلدين بدءا من منتصف يونيو.
تأرجح أعداد الإصابات
بعد الإعلان عن تسجيل أول حالة مؤكدة بكوفيد-19 في الدنمارك في 27 فبراير الماضي، ارتفع عدد الإصابات بسرعة مُقلقة، ووصل إلى 265 خلال أسبوعين فقط، فأصبحت البلد، البالغ عدد سكانها 5.8 مليون نسمة، من أوائل الدول الأوروبية التي أغلقت حدودها في 13 مارس، وفي الأسبوع نفسه أغلقت المدارس والمقاهي والمحلات التجارية، وحظرت التجمعات التي تضم أكثر من 10 أشخاص، ومنعت زيارة المرضى في المستشفى. وقتها بررت رئيسة الوزراء هذه التصرفات بأنها "الطريقة الوحيدة لتجنب السيناريوهات الأكثر مأسوية كتلك التي حدثت في إيطاليا والولايات المتحدة".
رغم انخفاض عدد الحالات ووصول عدد الإصابات الجديدة إلى 37 في اليوم، إلا أن المنحنى عاد ليرتفع من جديد ووصل إلى الذروة بعد أسبوعين من الإغلاق، حسب التقارير الإعلامية المحلية فإن إعادة فتح المدارس في 15 أبريل تسبب في زيادة أولية طفيفة في عدد الإصابات الجديدة. إلا أن منحنى الإصابات بدأ في الانخفاض مرة أخرى، لتُعلن البلاد احتوائها للفيروس في مايو الماضي، بعدما تجاوز عدد الإصابات المؤكدة في كوبنهاجن 12 ألف، فيما بلغ عدد الوفيات 593.
الاختبارات الشاملة
يُنظر إلى الدنمارك باعتبارها واحدة من أفضل الدول التي تعاملت مع أزمة كوفيد-19، لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقدرة على إجراء اختبارات شاملة وسريعة لاختبار وجود الفيروس أو الأجسام المضادة التي تظهر عدوى سابقة، والآن بات بإمكان أي شخص سواء ظهرت عليهم الأعراض أم لا الخضوع للاختبار، من خلال التوجه إلى مخيمات مراكز الاختبار في العاصمة كوبنهاجن وبلدات أخرى، لإجراء الاختبارات الشاملة.
قال وزير الصحة الدنماركي ماجنوس هيونيكي، إن العملية شديدة السهولة، فقط بإمكان المواطنين تحديد موعد لإجراء الاختبار عبر التطبيق الموجود على الهاتف الذكي، ويصل متوسط وقت الانتظار للحصول على موعد أقل من يوم واحد، حتى أن هناك مرفق مخصص للسيارات لاختبار السائقين.
وحسب هيونيكي، فإن الهدف من وراء إجراء أكبر عدد مُمكن من الاختبار هو أن يكونوا أكثر وعيًا ومعرفة بكيفية احتواء الفيروس المُستجد.
العمود الفقري لنجاح الاستراتيجية
مع بدء أزمة كوفيد-19 في الدنمارك استطاع نظام الرعاية الصحية التكيف بمنتهى السرعة مع ما يحدث، ويرجع ذلك إلى أنها بلد تتمتع بإمكانية الحصول على رعاية صحية شاملة، إذ تمول الدنمارك 85 % من تكاليف العلاج، مقارنة بـ78 % في فرنسا على سبيل المثال.
في الوقت نفسه، جرى إنشاء وحدات مُخصصة في كل المرافق الصحية، مع توفير أسّرة إضافية، وانضم طلاب كليات الطب إلى العاملين في المستشفيات والمراكز الصحية، مع استدعاء الأطباء المتقاعدين للمشاركة في العمل.
تطوير روبوتات
استطاع باحثون دنماركيون تطوير جهاز روبوت يعمل بشكل آلي تماماً، يمكنه أخذ مسحات للكشف عن كورونا، وهي خطوة تهدف إلى حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية من خطر العدوى.
ويأمل الباحثون من جامعة الدنمارك الجنوبية، وشركة "لايف لاين روبوتيكس"، أن يُستخدم نموذجهم الذي يحمل اسم "سواب روبوت" أو "روبوت المسحة" قريباً، لحماية العاملين في مجال الصحة من مهمة إجراء فحوص للأمراض التي تنطوي على خطورة محتملة.
قال البروفيسور تيوسيوس راجيث سافاريموتو المتخصص في مجال أجهزة "الروبوت" بجامعة الدنمارك الجنوبية ، إن المريض حين يظهر بطاقة تحديد الهوية، يجهّز "الروبوت" معدات أخذ العينة، ويلتقط المسحة، ثم يضع العينة في حاوية جاهزة لإجراء الفحص.
ووفقًا لمطوري الروبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويستخدم كاميرات للوصول إلى الجزء الأيمن من الحلق، الذي يأخذ منه المسحة برفق لأنه مبرمج على ذلك.
فيديو قد يعجبك: