لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كورونا..آخر سفينة سياحية على الأرض" تعود إلى موطنها

10:32 ص الثلاثاء 21 أبريل 2020

كان من المقرّر أن تجول سفينة "ماغنيفيكا" حول العال

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

(بي بي سي):

رست السفن السياحية الثلاث العالقة بركابها في عرض البحر، أخيراً، أمس الاثنين. رحلة إحداها كانت أشبه بملحمة أوديسة.

غادرت سفينة "ماغنيفيكا" السياحية التابعة لشركة "أم أس سي" أوروبا في يناير الماضي. كانت في الجهة الأخرى من العالم حين بدأ اغلاق الموانئ بوجه السفن بفعل تفشي فيروس كورونا.

ومع عدم وجود مكان ترسو به، بدأت السفينة السويسرية رحلة عودتها الطويلة إلى الوطن.

اعتاد ركاب السفينة أن يحطّوا في ميناء جديد كلّ بضعة أيام، وكلن، كانت آخر مرة وطأت أقدامهم فيها الأرض قبل ست أسابيع، حين رست الباخرة في ويلنغتون، عاصمة نيوزليندا.

أخيراً، رست السفينة في ميناء مدينة مارسيليا الفرنسية، بعد رحلة تخللتها عواصف سياسية ومناشدات رئاسية، وحالة وفاة واحدة، ورغم كل شيء، لم تخلُ من المرح.

عندما غادرت "ماغنيفيكا" ميناء مدينة جنوا الإيطالية، في الخامس من يناير ، كان العالم مختلفاً تماماً.

لم يكن لذلك "الالتهاب الرئوي غير المعروف"، كما كان يطلق عليه، أي اسم بعد. وقالت "منظمة الصحة العالمية" في حينه، إنّ أحداً لم يمت به، وإنّ 59 شخصاً أصيبوا فقط، جميعهم في مدينة ووهان الصينية.

ونستطيع القول، إن معظم ركاب السفينة البالغ عددهم 1760 - أغلبهم من الإيطاليين والفرنسيين والألمان - لم يكونوا قد سمعوا بالفيروس بعد. هكذا، عندما كانوا يستمتعون بمشاهدة غروب الشمس من البار على متن السفينة، أو يتناولون الغداء في مطعمها، كانت معنوياتهم عالية جداً.

قاد دفّة السفينة القبطان روبرتو ليوتا، من قرية ريبوستو في صقلية. عمل ليوتا قبطاناً لمدة 32 عاماً، بعد عمله ثلاث سنوات في الناقلات النفطية، وعاماً في البحرية الإيطالية.

وكان جدُّ ليوتا ووالده بحّارَين أيضاً، كالعديد من سكان ريبوستو، أو كما قال لبي بي سي، "إن الإبحار أصبح في دمي".

توقّفت السفينة توقفت في الرأس الأخضر، قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، بعد مغادرتها أوروبا، ثمّ أبحرت في المحيط الأطلسي. وحين رست في البرازيل في 19 يناير ، كان الفيروس قد غادر الصين، وكان القبطان ليوتا قد بدأ بملاحظة ذلك.

ويقول: "كنا على اتصال دائم بجميع السلطات المحلية، لكن الوضع لم يصبح مقلقاً إلا بعد أمريكا الجنوبية".

غادرت السفينة تشيلي في 21 فبراي ، ووصلت بعد ثلاثة أيام إلى جزر بيتكيرن، جنوب المحيط الهادئ. في ذلك الوقت، كانت السفن السياحية قد صارت عنواناً في نشرات الأخبار.

كانت الموانئ تغلق أبوابها، والركاب على متن السفن الخاضعة للحجر الصحي يفارقون الحياة، حين بدأ القلق يسيطر على جزيرة ايتوتاكي في المحيط الهادئ، والتي يبلغ عدد سكانها ألفي نسمة.

وكان من المتوقع أن ترسو ماغنيفيكا في ايتوتاكي، المعروفة ببحيراتها الفيروزية ورمالها البيضاء، في الثاني من مارس. ولكن، ما أن بدأ فيروس كورونا يتسلّل مقترباً، ازدادت المخاوف المحلية.

يقوم اقتصاد الجزيرة على أموال الرحلات السياحية، لكنهم طلبوا من حكومة جزر كوك - تقع بين نيوزيلندا وهاواي - حظر كلّ الرحلات. سمح للسفينة التي كانت خالية من الفيروس، بأن ترسو في جزيرة راروتانغا، أكبر جزر مجموعة كوك، ولكن ليس في ايتوتاكي.

ولأول مرة، يغير مرض كوفيد -19، خطط ركاب سفينة "إم إس سي ماغنيفيكا".

كانت هذه الرحلة بالنسبة للراكب السويسري آندي جيربر، 69 عاماً، الرحلة البحرية العشرين في حياته.

وفي أوكلاند، المحطة التالية بعد جزر كوك، استمتع آندي بالبيرة في الشمس. وفي نابير، أعجب بالفن المعماري، وفي ولينغتون، ركب التلفريك. لكن الحدث المنتظر كان وصوله إلى سيدني، بعد أسبوع من محطتهم في ويلنتغون، حيث كان سيحتفل بعيد ميلاده السبعين.

وقال لبي بي سي: "كنت قد حجزت طاولة في مطعم يقدم اللحوم منذ فترة طويلة، للاحتفال مع مجموعة من الأصدقاء".

قبل وصلوها إلى استراليا، كان خط سير رحلة السفينة نعمة. في يناير ، ومع تفشي فيروس كورونا في القارة الآسيوية، كانت الرجلة قد صارت بعيدة جداً عن أمريكا الجنوبية، حيث تسجل أي إصابة بالفيروس حتى أواخر فبراير.

وعندما رست في نيوزيلندا، تأكّد وجود خمس إصابات، جميعهم من المسافرين أو أحد أقاربهم.

ولكن مع اقتراب السفينة من تسمانيا في 14 مارس، أحكم الفيروس قبضته على السفينة. كان هناك ست إصابات في الجزيرة، وكانت الأمور تزداد سوءاً.

حصلت السفينة على إذنٍ للرسو في هوبارت عاصمة ولاية تسمانيا الأسترالية. لكن القبطان ليوتا، كان يعلم أن الركاب سيبتاعون الكثير من الهدايا التذكارية. يقول: "قررنا أنه من الأفضل لركابنا أن يبقوا على متن السفينة حفاظاً على سلامتهم".

بدا العالم فجأة صغيراً جداً بعد أن كان كبيراً جداً عندما انطلقت السفينة من جينوا في يناير.

ويقول ليوتا: "كان واضحاً أنه لا مكان يمكننا اللجوء إليه".

وفي سيدني أكد القبطان الأخبار: "الرحلة السياحية انتهت"، وعلى السفينة العودة إلى البيت. هكذا أصبحت رحلة العمر حول العالم، نصف رحلة.

وبدلاً من مطعم تقديم اللحوم في سيدني، احتفل آندي جيربر بعيد ميلاده السبعين الذي انتظره بفارغ الصبر، على متن السفينة، بينما كانت سيدني تبدو من بعيد. ما الذي شعر به؟

يقول: "في البداية كان شعوراً رهيباً! لكن بعد الصدمة، شعرنا بالامتنان لتصرف القبطان الذي لم يسمح لنا بالذهاب إلى الشاطئ، فذلك كان يعني خلونا بنسبة 99.99 في المئة من الفيروس".

وعندما ألغيت الرحلة، سمح للركاب الذين قرروا العودة إلى بلدانهم على نفقتهم الخاصة، بمغادرة السفينة، في سيدني وملبورن، وفقاً لشروط صارمة. اختار المئات منهم المغادرة، لكنّ معظمهم ظلوا على متن السفينة لإكمال الرحلة التي استمرّت لخمسة أسابيع، وعبرت 19 ألف كيلو متر.

وكان من المفترض أن تتجه السفينة شمالاً نحو كاليدونيا الجديدة جنوب المحيط الهادئ. لكنها اتجهت جنوباً، لتجد نفسها في قلب عاصفة سياسية.

حين ترغب سفينة سياحية أن ترسو في بلد ما، يتعين عليها تزويد الميناء بالسجلات الطبية للكشف عن عدم وجود أمراض معدية على متنها.

ومع اقتراب "ماغنيفيكا" من فريمانتل في غرب أستراليا، كشفت السجلات أن حوالي 250 شخصاً قد زاروا العيادة الطبية على متن السفينة خلال الأسبوعين الماضيين. كانت معظمها زيارات روتينية من أجل الحصول على مسكنات ألم أو ضمادات، وقطعاً لم تكن هناك أي علامة على انتشار الفيروس بين ركاب السفينة.

أرادت السفينة التزود بالوقود والامدادات في فريمانتل، من دون نيّة لنزول الركاب. لذلك، وبينما كان القبطان يبحر بموازاة الشاطىء، فوجئ بسماع أخبار عقد مؤتمر صحفي لرئيس السلطة التنفيذية في أستراليا الغربية مارك ماكغوان.

وقال ماكغوان: "تبلغنا إصابة أكثر من 250 راكباً على متن هذه السفينة بأمراض "الجهاز التنفسي العلوي". وأضاف: "اتصلت برئيس الوزراء هذا الصباح، لن أسمح بحدوث ما حدث في سيدني هنا أيضاً. لن نسمح للركاب أو الطاقم بالتجول في الشوارع بحرية، وهذا الأمر غير قابل للنقاش".

بطريقة ما، كان في جعبة ماكغوان معلومات خاطئة. كانت أخبار السفينة تغطي العناوين الإخبارية حول العالم على أن ركابها أصحاء، ولا يرغبون بالنزول منها أصلاً.

أصرت الشركة على عدم وجود أمراض تنفسية أو أعراض إنفلونزا على متن السفينة. لكن أستراليا الغربية اتهمت شركة "إم إس سي" بإصدار معلومات متضاربة، وهو أمر نفته الشركة.

وفي كلتا الحالتين، عندما وصلت السفينة إلى فريمانتل، استقبلت السفينة من قبل الشرطة وقوة الحدود، للتأكد من عدم مغادرة أحد السفينة، مع حفنة من المتظاهرين.

ويقول القبطان ليوتا: "لنقل إن ذلك لم يكن لطيفاًً، بل مخيباً للآمال، لأنه مبني على أخبار زائفة. كان ذلك خطأً. يمكنك أن تتخيل كيف انتشر الخبر في جميع أنحاء العالم على الفور".

ورغم الخلاف، سُمح للسفينة بالتزود بالوقود في فريمانتل، قبل متابعة رحلتها. لكن أخبارها ستعود لتتصدر الصحف ووسائل الإعلام مرة أخرى.

في الوقت الذي كانت الطواقم التلفزيونية تصوّر السفينة في فريمانتل، والسياسيون يعقدون مؤتمراتهم الصحفية، كان الطباخ أنورا هيراث، ويعمل بجد كالمعتاد، تحت سطح السفينة، بعيداً عن الأنظار.

أن تكون طباخاً على متن سفينة سياحية عمل صعب، ويصير أصعب حين يتوقّف الركاب عن النزول من السفينة لتناول الطعام. لكن أنورا، من مدينة كاندي بسريلانكا، اعتاد على العمل الشاق.

يعمل أنورا، البالغ من العمر 31 عاماً، طاهياً منذ أن تخرج من معهد فندقي في سريلانكا قبل سبع سنوات. عمل في فنادق أبو ظبي ودبي، بعد عمله في وطنه، وانضمّ إلى العاملين في سفينة "إم إس سي" في أغسطس 2017.

ويقول: "في دبي، الراتب كان كافياً، لكنني لم أستطع ادخار الكثير. لذلك قررت العمل في خطوط الرحلات البحرية، لتوفير بعض المال من جهة والسفر حول العالم من جهة أخرى".

بعد أستراليا، كان من المخطّط أن تبحر "ماغنيفيكا" باتجاه دبي، لتفقد حالة السفينة التقنية. لكن بات ذلك مستحيلاً، لذلك قرروا التوجه إلى كولومبو، عاصمة سريلانكا.

عندما وصل إلى بلاده، لم يرغب أنورا بمتابعة الرحلة إلى أوروبا. هل سيوضع في الحجر الصحي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فإلى متى؟ وكيف سيعود لبلده؟ اقترح على مدراءه أن يبقى في كولومبو.

وعلى الرغم من أن اقتراحه بدا منطقياً، إلا أن سريلانكا لم تكن ستسمح لأي شخص بالنزول. كان سيلمح وطنه يظهر ويختفي من أمام عينه، خلف متن السفينة.

لذلك، في الرابع من أبريل - وقبل يومين من الوصول إلى كولومبو، نشر أنورا مقطعاً مصوراً بلباس الطاهي الرسمي، مدته 94 ثانية موجهاً رسالة إلى الرئيس السريلانكي ورئيس الوزراء، وقال باللغة السنهالية: "أنا السريلانكي الوحيد على متن السفينة. سيكون من الصعب للغاية العودة من إيطاليا".

شارك أنورا رسالته مع صديق صحفي في سريلانكا، لكنه لم يتوقع أي استجابة، وعاد إلى عمله كالمعتاد.

وبعد عودته إلى مقصورته، لم يستطع لأن ينام. اتصلت به عائلته وطلبت منه إلقاء نظرة على فيسبوك، وتفاجأ برؤية رسالته منتشرة بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وحظي الفيديو على نصف مليون مشاهدة على الموقع السريلانكي الذي نشره، وأرادت كلّ وسائل الإعلام التحدث إلى الطاهي أنورا.

يقول: "اتصل بي السياسيون والقوات البحرية والجيش والكثير من الناس... لقد كان ذلك أشبه بحلم. حدث كل ذلك بشكل سريع جداً".

وقرر الرئيس السريلانكي تسهيل القيود بعض الشيء، وما أن وصلت السفينة إلى كولومبو للتزود بالوقود، أعادت البحرية أنورا إلى البر.

ويقول: "لقد صليت من أجل ذلك، لكنني لم أكن أظنّ أن يستجاب دعائي، لقد ساعدني الجميع، جميع السريلانكيين".

أما القبطان ليوتا، الذي كان له الكلمة الأخيرة، فقد قال: "كنا فخورين به، لقد فعل المستحيل للنزول من السفينة".

وكما اتضح، لم يكن أنورا الوحيد الذي نزل في كولومبو، بل نُقلت امرأة ألمانية تبلغ من العمر 75 عاماً، إلى الشاطئ، كانت بحاجة إلى إسعاف طارئ (لا علاقة لها بفيروس كورونا)، لكنها ماتت في وقت لاحق.

أما أنورا، فلا يزال في الحجر الصحي في المركز البحري في بوسا، لكنه يأمل أن يرى والدته في كاندي قريباً.

ومع وصول "ماغنيفيكا" إلى مرسيليا يوم الاثنين، كانت السفينة واحدة من الرحلات البحرية الثلاثة التي واصلت الإبحار مع الركاب، بحسب الاتحاد الدولي لخطوط الرحلات البحرية.

ورست السفينتان الأخريان "أميرة المحيط الهادئ" في لوس أنجلوس، و"كوستا ديليزيوسا" في برشلونة (والتي ستكمل وجهتها لاحقاً إلى جنوا من أجل نقل الركاب الإيطاليين).

وبالنسبة إلى آندي جيربر، الذي بلغ السبعين عاماً في ميناء سيدني، كانت الحياة على متن "آخر سفينة سياحية على الأرض" ممتعة، رغم عدم وجود زيارات إلى الشواطئ.

ويقول: "كان هناك الكثير للقيام به إذا أردت ذلك.... نوادي رياضية، ألعاب وعروض ودروس رقص وما إلى ذلك. كان هناك حوضان للسباحة، وطقس مثالي والكثير من الطعام والشراب، وكسبنا الكثير من الأصدقاء، خاصة خلال الأيام التي قضيناها في عرض البحر".

على أحد منتديات فيسبوك الخاصة بالرحلة، يسود التفاؤل، لأن كوفيد -19 لم يتسلل إلى "ماغنيفيكا"، ولم تظهر حتى أي آثار للحمى. لكن هناك بعض الشكاوى حول بعض الركاب الآخرين، وصورة لعرض مسرحي في 10 أبريل، كتب فوقها: "قد يكون هذا المسرح الوحيد في العالم الذي لا يزال مفتوحاً".

ورغم كل الصعوبات التي واجهها، فلدى الرجل الذي تولى قيادة هذه الرحلة ذكريات سعيدة عن جولته المبتورة.

ويقول القبطان ليوتا: "وجدنا أنفسنا (عالميًا) في وضع يعزل فيه كورونا الناس، ويبعدهم عن بعضهم البعض، أما على متن السفينة، كانت الآية معكوسة، إذ أصبحنا مثل عائلة، طاقم السفينة والركاب معاً.كانت معنوياتهم عالية".

ولكن ماذا عن الشركات العاملة في مجال الرحلات البحرية؟ هل يمكن أن تتعافى من الأخبار السيئة، والحجوزات الملغاة وجميع المشاكل الأخرى التي جلبها وباء كورونا؟

يقول ليوتا: سنعود للابحار، وسنعود بشكل أفضل من ذي قبل مع مزيد من الخبرة. تعلمنا الكثير، وسنكون أقوى من أي وقت مضى".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: