تسميم آبار واغتيالات.. كتاب يوثّق التاريخ الأسود للموساد في مصر
كتب – محمد صفوت
سلط كتاب جديد صدر في إسرائيل، جاء تحت عنوان "جواسيس ليسوا الأمثل – تاريخ المخابرات الإسرائيلية" لمؤلفيه يوسي ميلمان ودان رفيف، الأضواء على سلسلة من العمليات الاستخباراتية الإسرائيلية في مصر خلال الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وكشف الكتاب، أن سلسلة العمليات الإرهابية التي نفذتها المخابرات الإسرائيلية في مصر في هذه الفترة شملت تنفيذ عمليات اغتيال وتسميم آبار مياه وتزييف أوراق نقدية بهدف المسّ بالاقتصاد المصري وأنماط متعددة من الحرب النفسية، إلى جانب التخطيط لتنفيذ عملية تفجير ضخمة.
ويكشف الكتاب الإسرائيلي، عن اهتزاز الأمن الإسرائيلي لأكثر من عقد من الزمان، بعدما ألقت مصر القبض على شبكة جاسوسية في 1954، كانت تهدف لارتكاب أعمال تخريبية وتجسس في مصر، وعرفت بعد ذلك بفضيحة لافون.
ويرى الكاتب، أن الأساليب التقليدية للاستخبارات الإسرائيلية آنذاك كانت سببًا في تلك الفضيحة المدوية، التي أسفرت عن استقالات كبرى في الحكومة الإسرائيلية أبرزها استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي ديفيد جوريون.
تأسيس الموساد
أشار الكتاب الذي نشر بعد معركة قانونية طويلة في إسرائيل، إلى أن قادة جهاز الموساد تأثروا بشدة في بداية تأسيسه بعمليات التجسس الأمريكية والبريطانية خلال الحرب العالمية الثانية، حتى أنهم تأثروا بأفلام الجاسوسية، الحقيقي منها والخيالي.
تأسس الموساد في 13 ديسمبر 1948، بعد عام واحد على إعلان دولة الكيان الإسرائيلي، وكلف بالتنسيق مع جميع الأجهزة الاستخباراتية في الدولة، حيث كان هناك جهاز مخابرات في كل من جهاز الأمن (شاباك) وإدارة للمخابرات تابعة للجيش، والدائرة الدبلوماسية في الخارجية.
ويكشف الكتاب عن الصراع الذي نشب في إسرائيل بين قادة الأجهزة المختلفة لتوسيع سلطتهم في البلاد رافعين شعار "انتزع ما تستطيع".
عملات مزيفة وطوابع مناهضة لعبدالناصر
أشار الكتاب، إلى أن مصر كانت تمثل العدو الأكبر لإسرائيل آنذاك، ما دعا القادة للتفكير في تقويض الاقتصاد المصري، عن طريق إغراق السوق المصري بعملات مزيفة، مستلهمين الفكرة من ألمانيا النازية وبريطانيا، آبان الحرب العالمية الثانية.
هدفت الخطة، إلى إغراق مصر بالعملات المزيفة وصناعة تضخم يتسبب في انهيار الاقتصاد.
وكشف الكتاب النقاب، عن فكرة أخرى سعى إليها الموساد، وهي صياغة طوابع مصرية لتشويه الزعيم الراحل عبدالناصر، وتصويره كزعيم مصاب بجنون العظمة، يسعى للسيطرة على المنطقة كجزء من قوميته وأيديولوجيته العربية.
كان لدى الجواسيس في القسم الدبلوماسي بوزارة الخارجية خيال نشط ، مليء بالأفكار المغامرة - بعضها أعمال مجنونة وخطرة، لكن تلك الأفكار لم يقم بهم الموساد بعد مناقشات طويلة بين قادته.
جواسيس ليسوا الأمثل
أسس المؤساد فرع للعمليات في أوروبا، بهدف إنشاء غطاء دبلوماسي للبعثات الإسرائيلية في جميع أنحاء أوروبا، لجمع المعلومات عن الدول العربية بحرية، وتجنيد عملاء وزرعهم في البلدان المستهدفة.
ونجح في تجنيد ثيودور جروس، وهو مجري الجنسية، وحارب في صفوف الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية، كما غنى بالأوبرا الإيطالية والمكسيكية، ثم تطوع في جيش الاحتلال عام 1948، ونجح في جذب أنظار الموساد إليه لطلاقته في تحدث الإنجليزية والألمانية والإيطالية والإسبانية والفرنسية، وسرعان ما تغير اسمه ليصبح ديفيد ماجن.
وبحسب الكتاب، الذي نشرت صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، مقتطفات منه، فإن ماجن، كان بالكاد جاسوس مثالي في تلك الفترة التي خلت من العملاء الموثوق بهم والمحترفون، حيث تاجر في المخدرات لتمويل ملذاته متناسيًا مكانته الجديدة.
العملية نايلون
كلف ماجن، في يوليو 1948، بعمليات اغتيال لشخصيات مهمة في مصر وسوريا، عن طريق تجنيد عددًا من اليهود في البلدين، وأطلق عليها اسم "العملية نايلون"، نجح ماجن، في تجنيد اليهود المكلفين بعمليات الاغتيال، ووعدهم بجوازات سفر مزورة لبدء حياة جديدة بعد نجاح العملية.
في ساعة الصفر، أعلن ماجن إلغاء العملية وسافر فجأة إلى إسرائيل، دون أي تفسير، وفقًا لمقال للكاتب جيل ميلتزر، نشر في صحيفة "يديعوت آحرونوت" الإسرائيلية في مارس 2006.
ولفت الكتاب، إلى أن العملية ألغيت لضعف التمويل، ما دفع الموساد لتجنيد مصرى يخدم بالجيش البريطانى بمصر، لتهريب شحنة من مخدر الحشيش إلى القاهرة، صادرها الجيش الإسرائيلى من مجموعة من المهربين.
بعد سنوات من فشل العملية، حتى بعد تجنيد المصري بالجيش البريطاني في مصر، تبين أن ماجن باع المخدرات لحسابه في إيطاليا.
على مدار عقود تحدثت تقارير صحيفة إسرائيلية وأجنبية، عن تلطخ يد الموساد بصفقات الاتجار بالمخدرات، خاصة وحدة "الاستخبارات العسكرية 504"، وبحسب تصريحات قدامى المحاربين في الوحدة، فإنهم لم يترددوا في تجنيد وإدارة أكبر تجار للمخدرات في سيناء ولبنان.
قُبض على بعض التجار، إلى جانب الضباط الإسرائيليين وقضوا فترة سجن في إسرائيل نتيجة لتهريب المخدرات إلى داخل البلاد.
مصر ترد الصفعة
في عام 1952، وخلال عمل ماجن في مهام استخباراتية إسرائيلية، في إيطاليا لتجنيد عملاء جدد، كشفت خيانته لإسرائيل، حيث كان عميلاً مزدوجًا، نجحت أجهزة الأمن المصرية فى تجنيده للعمل لحسابها، منذ وصوله إلى القاهرة، وانتهى الأمر باعتقاله، ومحاكمته فى إسرائيل بتهمة التخابر مع دولة أجنبية، وإدانته بالتجسس لصالح مصر، وأمضى به 15 عامًا، قبل أن يحصل على عفو، ومات عام 1973.
وتبين أنه وقع في حب الأميرة المصرية أمينة نور الدين، ما أجبره على الفرار من مصر، بعد عرض خدماته على المخابرات المصرية مقابل مبلغ مالي كبير.
تسميم الآبار
سعت إسرائيل منذ سنواتها الأولى، لتخريب مصر داخليًا، وبدأ التفكير في تسميم الآبار المصرية، واستلهم القادة الفكرة من عدد من الناجين من الهولوكوست، الذين خططوا لقتل 6 ملايين ألماني بتسميم شبكة المياه في المدن الكبرى.
في مايو 1948، ألقى القبض على جاسوسين إسرائيليين، بالقرب من آبار غزة، وجهت لهم السلطات المصرية، تهم التخطيط لتسميم الآبار، بعدما وجد معهم أوعية بها سائل بكتيري من شأنه أن يسبب حمى الزحار، والتيفوس.
وفي 22 أغسطس من نفس العام، أعدما بإطلاق النار عليهما، وتخلى الموساد عن فكرة تسميم الآبار المصرية.
فضيحة لافون
في عام 1951، جند إبراهام دار، وهو ضابط في الوحدة 131 من المخابرات العسكرية، والذي يتولى العمليات خارج خطوط العدو، شبكة تخريبية لليهود المصريين، متنكرًا كرجل أعمال بريطاني يدعى جون دارلينج وجند طلاب يهود وأعضاء من حركات الشباب الصهيونية.
أرسل أعضاء الشبكة إلى إسرائيل للتدريب على الأسلحة والاتصالات والمراقبة والتشفير، وعادوا إلى مصر، وطلب منهم انتظار التعليمات، وكانت الخطة تهدف إلى تفجير الجسور والطرق ومنشآت استراتيجية، حال وقوع حرب بين مصر وإسرائيل، وفي أغسطس من نفس العام، حل الضابط أفري العاد، محل إبراهام دار.
أرسل الموساد، الضابط الجديد إلى مصر لإدارة الشبكة التخريبية، بعد تزوير هويته لمهندس ميكانيكا ألماني باسم بول فرانك، ودخل مصر في ديسمبر1953، بهدف تجديد العلاقات مع الخلايا الجاسوسية التي نشأت في مصر.
وفي 1954، تلقى أمرًا، بتنشيط الشبكة التخريبية، على عكس الخطة الأصلية التي هدفت لتنشيط الخلية حال وقوع حربًا بين البلدين.
بحسب الكتاب، فإن الأوامر صدرت من بنيامين جيبلي، رئيس المخابرات العسكرية آنذاك، أو وزير الدفاع بنحاس لافون، وكان الهدف تخريب منشآت ومواقع بريطانية وأمريكية، وتصويرها كأنها من أفعال القوميين المصريين، بهدف تقويض العلاقة بين مصر والقوى الغربية ومنع انسحاب القوات البريطانية من قناة السويس.
نفذ أعضاء الشبكة ثلاث هجمات، على مكتب البريد الرئيسي في الإسكندرية، والمكتبة الأمريكية في القاهرة والمكتبة الأمريكية في الإسكندرية، في يوليو 1954، لكنها فشلت ولم تؤتي ثمارها، وألقي القبض على 13 من أعضاء الشبكة الجاسوسية، أُعدم اثنان، وحُكم على الآخرين بالسجن مدد تتراوح بين سبع سنوات ومدى الحياة.
وأطلق سراحهم في 1968، في عملية تبادر أسرى بعد نكسة 1967.
فور عودة الضابط المكلف بإدارة الشبكة التخريبية، اتهم بأنه عميل مزدوج وخان أعضاء الشبكة، ولم يحكم عليه لعدم وجود أدلة قوية آنذاك، وأدين بعد ذلك بالخيانة وجرائم مرتبطة بالاتصال بضابط في المخابرات المصرية، وحكم عليه بالسجن 12 عامًا.
تعكير صفو النصر
في 1957، بعد فوز مصر على العدوان الثلاثي "بريطانيا وفرنسا وإسرائيل" أجبرت الأخيرة على الانسحاب من سيناح، واقترح الموساد وقتها قصف مبنيين في القاهرة لحرمان عبدالناصر والشعب المصري من الاحتفال بفوزه.
ويرى الكتاب، أن الموساد في سنواته الأولى وضع خططًا مغامرة في مصر، واستخدم يهود مصريين غير مدربين ولم يكن موقف في تعليماته، ما عرض المجتمع اليهودي بأكمله للخطر.
وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، في 1979، مع مصر وبالنظر إلى حقيقة أنها رصيد استراتيجي بالنسبة لإسرائيل، فإن كل تقرير عن خطط تخريبية كهذه أثار مخاوف بين مسؤولي الدفاع الإسرائيليين من أنها ستضر بالعلاقات بين البلدين.
رغم ذلك، نجا اتفاق السلام لأكثر من 40 عامًا من الحوادث الأسوأ بكثير مثل قتل الأسرى المصريين من عمليات الهواة وأمراض الطفولة في المخابرات الإسرائيلية في خمسينيات القرن الماضي.
فيديو قد يعجبك: