لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كورونا يفتك بـ"القارة العجوز".. كيف ساهمت "شيخوخة أوروبا" في تفاقم الأزمة؟

01:08 ص السبت 28 مارس 2020

كورونا يفتك بـالقارة العجوز

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- أحمد شعبان:

على رأس قوائم الإحصاء التي تتابع ضحايا فيروس كورونا المستجدّ، الذي أفزع العالم وأربكه في 3 أشهر، تأتي دول أوروبا، وتحديداً إيطاليا وإسبانيا، مسجّلة قفزة في عداد الإصابات اليومية وعدد قياسي في أرقام الوفيّات، جاوز الصين نفسها، التي ظهر فيها الوباء القاتل لأول مرة، وصارت القارة العجوز "بؤرة الوباء"، على ما أعلنت منظمة الصحة العالمية، منتصف مارس الجاري.

تئنّ أوروبا تحت قبضة كورونا، وتعيش سباقاً محموماً مع الوقت لإبطاء سرعة تفشّي الفيروس المستجدّ، الذي حصد أرواح نحو 13 ألفاً في أوروبا، من بين نحو 21 ألف حالة وفاة عالمياً. زلزال غير مسبوق هزّ القرة العجوز، التي فاقم "الانكشاف الديموغرافي"، ومحدودية قدرة مجتماعاتها على استيعاب انتشار الأوبئة، من تسجيلها زيادة كبيرة في أعداد الوفيات، وفق دراسة حديثة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، بعنوان "القارة العجوز: كيف تعمّق الديموغرافيا أزمة كورونا في أوروبا".

1

يرى الباحث مصطفى ربيع، معدّ الدراسة، أن الديموغرافيا –علم السكان- يقدم تفسيرات مهمّة لأعداد الوفيات الكبيرة في أوروبا جراء "كوفيد19"، إذ تشهد القارة العجوز، اختلالاً في الهرم السكاني وانتشاراً للشيخوخة، حيث يعيش في أوروبا أكبر نسبة من المسنّين في العالم، ففي حين يبلغ عدد سكانها مليار نسمة تقريباً، فإن حوالي 191 مليون شخص منهم تتجاوز أعمارهم الستين، بنسبة 25% من سكان أوروبا، ما فرض تحديات كبيرة على القارة، حيث ترتفع احتمالات الوفاة بين كبار السن، جراء فيروس كورونا.

"تسارع خطير"

بالنظر إلى إحصاءات الإصابات بفيروس كورونا المستجد، حول العالم، ومقارنتها بعداد الإصابات في أوروبا، وجد الباحث أن الأخيرة تشهد "تسارعاً خطيراً" في عدد الإصابات، للحد الذي جعلها في 21 مارس الجاري تسجل 44.6% من إجمالي الإصابات في العالم، متجاوزة الصين نفسها، البؤرة الأولى للوباء، التي سجلت 30% من حالات الإصابة، فضلاً عن 25.4% سجلتها بقية دول العالم.

والحال كذلك في الوفيات أيضاً، حيث أضحت أوروبا صاحبة النسبة الأكبر من الوفيات حول العالم والتي تقدر بـ 52.7%، تليها الصين بنسبة 29%، وباقي مناطق العالم بنسبة 18.4%.

ووصل عدد مصابي كورونا حول العالم إلى 460 ألفاً و65 حالة، فضلاً عن وفاة 20 ألفاً و828 شخصاً، فيما وصل عدد المتعافين إلى 113 ألفاً و783، بحسب آخر إحصاء حتى مساء أمس الأربعاء.

2

ويبدو لافتاً القفزات الكبيرة التي تشهدها إيطاليا وإسبانيا، تحديداً؛ فالأولى سجّلت، أمس الأربعاء، 683 حالة وفاة، ناجمة عن تفشّي فيروس كورونا، وهو ما يعد تراجعاً في العداد اليومي مقارنة بأمس الأول، الثلاثاء، حيث توفي 743 شخصاً، فيما سجلّت يوم الإثنين 602 حالة وفاة، و650 يوم الأحد، ورقم قياسي مرتفع يوم السبت الذي بلغ عدد وفياته 793، وهو أعلى معدّل يومي للوفيّات منذ اجتاح كورونا إيطاليا، يوم 21 فبراير الماضي. هذا في وقت ارتفع فيه إجمالي عدد حالات الإصابة المؤكدة، يوم أمس الأربعاء، إلى 74 ألفاً و386، بعدما كانت قد استقرت عند 69 ألفاً و176 حتى أمس الأول الثلاثاء.

إجمالاً، سجّلت حصيلة كورونا في إيطاليا، التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة، وفاة 7 آلاف و503 حالة، فيما تعافى 9 آلاف و362 حالة، حتى آخر إحصائية أمس الأربعاء.

أما إسبانيا التي يزداد فيها رقعة انتشار الفيروس، فيصل إجمالي عدد المصابين بـ"كوفيد-19"، إلى 47 ألفاً و611 حالة، فضلاً عن 3 آلاف و434 حالة وفاة، فيما وصل عدد المتعافين إلى 5 آلاف و367 حالة. علماً بأنها سجّلت عدد وفيات قياسي خلال 24 ساعة فقط، بين يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، حيث توفى 514 شخصاً، ووقتها كانت أعداد الإصابات لا تزال تقترب من الـ40 ألفاً، لتتجاوزها بحوالي 8 آلاف حالة، في يومين تقريباً.

"شيخوخة مجتمعات أوروبا"

بحسب الدراسة التي أعدها مركز المستقبل، فإن هناك العديد من المؤشرات الإحصائية التي تكشف عن الزيادة السريعة في معدلات الشيخوخة بالدول الأوربية، ويتبين ذلك من خلال عدة أبعاد، أولها تزايد نسبة كبار السنّ، التي يعاني منها معظم أوروبا، مقارنة بدول أخرى، ففي إيطاليا، على سبيل المثال، يعيش حوالي 18 مليون شخص تجاوزوا 60 عاماً، وهو ما يمثل ما يقرب من 30% من إجمالي السكان. بينما تضم ألمانيا حوالي 24 مليون شخصاً أكبر من 60 عاماً، وهو ما يعادل 28.6% من إجمالي السكان.

أما في المملكة المتحدة فيعيش فيها أكثر من 16.5 مليون شخص تجاوزت أعمارهم 60 عاماً، ويمثلون ربع السكان، وتصل النسبة في فرنسا إلى 17.5 مليون نسمة، ما يشكل 27% من إجمالي السكان، وفي إسبانيا تصل نسبة من تجاوزا الـ60 عاماً إلى 26.3% من إجمالي عدد السكان.

3

بينما تنخفض نسبة السكان فوق 60 عاماً في بعض دول العالم النامي، ففي مصر تبلغ النسبة حوالي 8%، وفي دول أفريقيا جنوب الصحراء تبلغ حوالي 5%، وهو ما يفسّر التفاوت في تأثير "كورونا" على تلك المجتمعات، مقارنة بدول أوروبا التي تشهد اختلالاً في الهرم السكاني، حيث تنخفض نسبة الأطفال مقارنة بارتفاع نسبة كبار السن، بينما تشهد الدول النامية العكس.

تجدر الإشارة إلى دراسة أطلقها معهد ماكس بلانك للبحوث الديموغرافية في ألمانيا، عام 2009، حذرت من التراجع الكبير في عدد السكان في أوروبا، لافتةً إلى ارتفاع أعداد الشيخوخة في ميزان النمو الديموغرافي في القارة، مقارنة بمعدل الولادات، وخلصت إلى أن عدد كل جيل سيقل عن سلفه بنسبة 25%، وبحلول عام 2050 سيتناقص عدد سكان دول أوروبا بنحو 20 مليون نسمة، كما أن متوسط الأعمار فيها سيزيد 10 أعوام.

سبب الأزمة

عند الحديث عن تفسيرات تفاقم أزمة كورونا في بلدان القارة العجوز، تورد الدراسة أن المشكلة الرئيسية تكمن في ارتفاع حجم ونسبة كبار السن، فهم الفئة الأكثر حاجة للرعاية الصحية، حال إصابتهم بفيروس كورونا، فضلاً عن أنهم الفئة الأكثر عرضة للوفاة بسببه، حيث تشير التقديرات –بحسب الدراسة- إلى أن احتمالات الوفاة بسبب كورونا في إيطاليا تصل إلى 19.7%، بين الأفراد في الفئة العمرية 80- 89 سنة، وتصل إلى أقصاها في الفئة العمرية 90 سنة فأكثر، حيث تبلغ احتمالات الوفاة 22.7%، وهو ما يفسّر الوضع الذي وصفته الدراسة بالمأساوي الذي تعيشه إيطاليا، والتي تشهد ارتفاعاً في نسبة كبار السن.

أثر العامل الديموغرافي بشكل سلبي على ارتفاع الوفيات في إيطاليا، حسب التقديرات فإن أكثر من 96.5% من وفيات إيطاليا، بسبب كورونا، كانت لأشخاص أكبر من 60 عاماً، فيما تكاد تنعدم احتمالات الوفاة بين فئات العمر الصغيرة، في إيطاليا، ولا تتجاوز 0.3% بين الأفراد في الفئة العمرية 30-39 سنة.

4

كان لزيادة الضغط على المستشفيات جراء إصابة عدد كبير من كبار السن بفيروس كورونا، أثر كبير في تفاقم الأزمة في أوروبا. فمعروف أن الحاجة لتلقي الرعاية الصحية داخل المستشفيات ترتفع بشكل ملحوظ بين كبار السن، الذين تزيد أيضاً معدلات الوفاة بينهم بسبب أنهم الفئة الأكثر تعرضاً للإصابة بالأمراض المزمنة، التي تشير التقديرات إلى أن الذين يعانون من أمراض مزمنة هم أكثر عرضة للوفاة بسبب كورونا.

5

خلصت الدراسة إلى أن الأوضاع سوف تتفاقم في قارة أوروبا خلال الفترة المقبلة، وتتوقع كلية لندن أنه إذا لم يتم اتخاذ اجراءات وقائية في بريطانيا، فإن عدد المرضى سيفوق عدد الأسرّة المتوفرة في المستشفيات بأكثر من 30 ضعفاً، وهو ما بدأ يحدث بالفعل في إيطاليا، حيث لم يعد النظام الصحي قادراً على استيعاب العدد الكبير من المصابين، وفق ما جاء بالدراسة.

ورغم ذلك تشير الدراسة إلى أن العامل الديموغرافي، وإن كان من المتوقع أن يعمق أزمة كورونا في أوروبا، إلا أنه ليس العامل الوحيد في هذه الأزمة، فهناك عوامل أخرى تؤثر على قدرات الدول في مواجهة الأوبئة، ومنها كفاءة النظام الصحي، وقدرة مؤسسات الدولة على فرض الالتزام بالإجراءات الوقائية، وثقافة المجتمع ووعيه، والقدرة على استيعاب الضغوط الاقتصادية.

فيديو قد يعجبك: