الإيمان والخصوبة في كنيسة مغارة الحليب في بيت لحم
لندن (بي بي سي)
عادة ما يكون الشارع الضيق المتعرج إلى جانب كنيسة المهد في بيت لحم يعج بباعة الهدايا التذكارية الذين يحيون السياح العابرين باللغات الإنجليزية والإسبانية والبولندية في محاولة لتخمين جنسيتهم.
ومع استحالة السفر إلى الخارج تقريبا اليوم بسبب الوباء فإن واجهات المتاجر مغلقة، مثل عيون أغلقت جفونها بإحكام.
كما أن كنيسة مغارة الحليب مهجورة أيضا، وربما هذا الأمر ليس مفاجئا إذ غالباً ما يتم تجاهل هذه الكنيسة الصغيرة من قبل الزوار في الرحلات السريعة في أنحاء الأرض المقدسة.
لكنني أحببت دائما هذا المكان الهادئ المخصص للأمومة الإلهية للسيدة العذراء، ولست الوحيدة في ذلك.
وتقول الأخت نعومي زيمرمان، وهي راهبة فرنسيسكانية جاءت إلى هنا في التسعينيات وذهبت للعمل في مركز قريب لتقديم الاستشارات للمجتمع: "بالنسبة لي، هذا مكان ملهم".
وتتذكر وعيناها تلمعان: "في الحقيقة إنه مكان نشط للمعجزات فهذه الكنيسة رائعة بالنسبة لي، فهنا توجد معجزات للحياة وللأطفال ولصحة المرأة، إنها حقا أحد الأماكن المفضلة لدي".
"أعظم هدية"
ويجلس تمثال للسيدة العذراء مريم ترضع طفلها بهدوء فوق مدخل الكهف. ويقال إن العائلة المقدسة لجأت إلى هنا خلال مذبحة الأبرياء على يد الملك هيرودس الأول.
كما يقال إن مريم قد سكبت قطرات من حليبها بحيث تحول الكهف من حجر ضارب إلى الحمرة إلى أبيض طباشيري.
ويسود الاعتقاد منذ فترة طويلة أن تناول مشروب يحتوي على ما يسمونه "مسحوق الحليب"، وهو مسحوق من الحجر الجيري، مع التحدث بإخلاص لمريم يمكن أن يعالج المشاكل الصحية، خاصة تلك المتعلقة بالعقم.
ولدى العديد من المسيحيين من بيت لحم قصة عن معجزات مغارة الحليب.
فبعد سنوات من محاولة الإنجاب، أنجبت امرأة أخيراً في عيد الميلاد بعد الصلاة هنا مع زوجها، وقالت لي إنها كانت "أعظم هدية".
وتقول سعاد صفير، وهي مرشدة سياحية: "حدث ذلك مرتين مع أشخاص أعرفهم جيداً فصديقتي من الولايات المتحدة أخذت بعض المسحوق لأثنين من أبناء عمومتها متزوجين منذ 25 عاما ولم يتمكنا من إنجاب الأطفال، وعندما عادت بعد عام أحضرت لي صورة لطفلهما الصغير".
وتحذر الأخت نعومي وهي تحمل كيسا: "من السهل اعتبار مسحوق الحليب بمثابة خداع، لكن الأمر يتعلق بالإيمان".
"معجزة طفل"
وهناك الكثير من ذلك معروض في مكتب صغير خارج الكنيسة. فقد وصلت مئات الرسائل المؤثرة من جميع أنحاء العالم على مر السنين تشهد على حدوث معجزات.
فقد أرفق زوجان من الهند صورة لفتاة صغيرة بدينة ومبتسمة، وكانا قد تناولا مسحوق الحليب المجفف بعد تعرضهما لإجهاضين، وقد كتبا ببساطة "نحن الآن سعداء".
وتقول امرأة فرنسية وهي تتذكر زيارتها للكنيسة للصلاة من أجل الحصول على طفل: "بكيت كثيرا وكانت دموعي هي صلاتي". وتضيف قائلة إنها حملت بعد شهرين.
وتصف امرأة من البرازيل، قيل لها بأنها عقيمة، "معجزة تسمى غابرييلا" ولدت بعد أن سمعت عن الكنيسة في برنامج تلفزيوني وطلبت المسحوق.
وأيا كانت معتقداتك فإن زيارة هذه الكنيسة تفسح المجال للتفكير الروحي، فأجزاء منها منحوتة من الحجر الخام وهي باردة وهادئة من الداخل.
وفي أبعد نقطة في الكنيسة هناك لافتة تطلب "الصمت" ويمكنك أن تنظر إلى أسفل حيث كنيسة حديثة يوجد بها راهبات يقظات باستمرار ويصلين من أجل السلام.
ولقد رأيت نساء مسلمات محليات بين اللائي يضئن الشموع، ونساء من جميع الجنسيات يجلسن بصمت أمام أيقونة مريم بالحجم الطبيعي.
وتصور اللوحة مريم وهي تحمل طفلها المسيح وترضعه. وفي الوقت الراهن، وبعد أن صار لدي طفل رضيع، لا يسعني إلا أن ألاحظ أن الإمساك بالطفل ليس بالشكل الصحيح في اللوحة.
لكن بالنسبة لي فإن هذه الصورة تنضح بالقوة الأنثوية وحب الأم.
"تجلب الأمل"
وتفتح الكنيسة لبضع ساعات فقط كل صباح بسبب قيود كوفيد 19، وسرعان ما أجد الشاب بطرس، الذي يستعد ليكون راهبا، قبل أن تغلق الكنيسة أبوابها. وكان يصلي من أجل زوجين من أمريكا الجنوبية بلا أطفال أرسلا رسالة.
وقال لي: "من الصعب جدا ألا تكون قادرا على إنجاب طفل، فالطفل يضفي نكهة خاصة على حياتك، ومريم أمنا فهي تسمع لنا وتدخل في قلوبنا".
وأضاف قائلا إنه سعيد بالعمل في هذا الموقع المقدس. ويبتسم قائلا: "في عام الوباء هناك مكان سعيد ويجلب الأمل".
وأنا أدرك أن هذا ما يعيدني إلى هذا المكان. فإذا دعت كنيسة المهد المؤمنين للاحتفال بميلاد طفل واحد في وقت عيد الميلاد، فإن كنيسة مغارة الحليب تعبر عن الفرح والأمل في المستقبل الذي يمكن أن يجلبه كل طفل.
فيديو قد يعجبك: