بعد عشر سنوات أحلام خائبة في سيدي يوزيد مهد الثورة التونسية
تونس- (أ ف ب):
في سيدي بو زيد، مهد الثورة التونسية والشرارة الأولى للربيع العربي، تعبّر خلود الرحيمي عن خيبة أملها من الوضع الاقتصادي الصعب بعد عقد من الزمن على الحركة الاحتجاجية الشعبية العارمة، وتشكو عدم وجود فرص عمل في منطقتها.
وأصبحت ولاية سيدي بوزيد (وسط) المهمشة رمزا للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بعد حكم استمر أكثر من عشرين عاما (1987-2011). وكانت مدينة سيدي بوزيد في تلك الفترة عبارة عن طرق تحتاج الى تأهيل تصطف على جانبيها دكاكين متواضعة ومبان عامة مترهلة.
إثر الثورة، حظيت المنطقة ببعض الاهتمام، فشيُد مسبح بلدي في المدينة وانتشرت فيها المقاهي التي يرتادها الشباب من الجنسين لمناقشة المواضيع السياسية والاجتماعية، بعدما أصبحت حرية التعبير مكسبا يعتبر الوحيد في تونس التي لا تزال تعيش انتقالا ديموقراطيا متعثرا.
جلب التغيير الحاصل في البلاد معه نفحات الحرية ووضع البلاد على سكة المسار الديمقراطي، لكن ظلت شعارات مثل "الشغل" و"الكرامة" التي رفعها المحتجون في 2011، حبرا على ورق، ولم تتحقق على أرض الواقع، وفقا لغالبية سكان المنطقة.
وتفوق نسب البطالة في الولايات الداخلية المعدل الوطني المقدر بحوالى 18 في المئة لا سيما لدى الشباب الحاصل على شهادات علمية.
وكان هذا السبب بالذات بالإضافة الى المضايقات الأمنية، ما دفع بالشاب محمد البوعزيزي الى إضرام النار في جسده للاحتجاج على ظروفه المزرية، في 17 ديسمبر 2010 بالقرب من مقر ولاية سيدي بوزيد.
وتقول الرحيمي (25 عاما) بينما تحتسي القهوة مع رفيقات لها "أعرف العديد من الذين حاولوا الهجرة بطريقة غير قانونية ومنهم من مات غرقا... لأنه لا يوجد عمل في سيدي بوزيد، وآخرون أضرموا النار في أجسادهم لأنهم لا يملكون مالا للعيش".
وتحمل خلود الرحيمي شهادة في المعلوماتية منذ العام 2015، ولم تنتظر مساعدة الدولة في ولاية يتقاضى البعض فيها راتبا شهريا لا يتجاوز 50 يورو. تمكنت خلال أربع سنوات من ادخار المال لإطلاق مشروعها المتمثل في مطعم صغير.
وعندما احتاجت الى مبلغ صغير لاستكمال مشروعها، طلبت قرضا من المصارف لكن طلبها رفض.
وبقيت غالبية المناطق الصناعية في الولاية من دون مؤسسات للاستثمار ولم تتجاوز نسبة العمل فيها ثلاثة في المئة، وفقا للمحافظ أنيس ضيف الله.
صراع بين الأحزاب
وينتقد رشيد الفتيني، وهو صاحب مصنع للخياطة، نقصا في الاستراتيجيات الحكومية لمكافحة انعدام المساواة بين المناطق والزبائنية.
ويقف رشيد الفتيني وراء آلات الخياطة المتوقفة عن العمل في مصنعه الذي كان يشغل قرابة 500 عامل قبل ثورة 2011. ويقول "هرب كل زبائني من سيدي بوزيد بعد الثورة" التي كان هو من أنصارها، منتقدا التناول الإعلامي للمنطقة التي تقدم وكأنها تشهد إضرابات متواصلة، "وهذا غير صحيح إطلاقا".
ويتابع "هناك صراع بين الأحزاب السياسية، وبالتالي لا يتمكن المسؤولون المحليون من اتخاذ القرارات. لا يتجرأ أحد على التوقيع على ملف دون ضمان حماية سياسية".
وأثرت جائحة كوفيد-19 سلبا أيضا على مشروعه كما على سائر الاقتصاد التونسي.
ويؤكد الفتيني أن العديد من المشاريع الاقتصادية تتعرقل بسبب شروط المصارف المجحفة لتمويل الشركات، وكذلك "لأن بعض المجموعات لا تريد لبعض الأنشطة أن تتطور" خوفا من المنافسة.
وتمثل شركة "سومابروك" مثالا على ذلك. ويقع مقر الشركة في أحد أطراف مدينة سيدي بوزيد، وكان من المفترض أن تسهل عمل المزارعين في النفاذ الى أسواق جديدة، وهي المشكلة الكبرى في المنطقة.
وكان يفترض أن تتولى الشركة إدارة سوق كبيرة للخضروات والغلال ومسلخ ومركز أبحاث في منطقة تربط كل الولايات الفلاحية في وسط البلاد، لكنها اليوم مجرد قطعة أرض قاحلة.
كذلك، كان من المفترض أن يساهم المشروع في تشغيل 1200 شخص وأن يحسّن أوضاع 130 ألفا آخرين. وتم جمع تمويل بملايين اليوروهات من مؤسسات أجنبية، ودعم الرئيس قيس سعيّد المشروع.
لكن المشروع لم يقلع. ويعللّ المدير لطفي الحمدي ذلك بالعراقيل "القانونية والإدارية" والتنسيق بين ثماني مؤسسات حكومية.
دور أكبر للشباب
في المقابل، وبالرغم من أن المطالب الاجتماعية لم تتحقّق بمعظمها، وضعف الأمل، أصبح للشباب دور سياسي أكبر.
وتقول المسؤولة المحلية عن جمعية تهتم بالعاطلين عن العمل حياة عمامي (38 عاما)، "أصبح اليوم لك الحرية في النشاط الحزبي والاجتماعي والنقابي".
كذلك، تؤكد الناشطة في منظمة لمكافحة العنف ضد المرأة فادية الخصخوصي (36 عاما) "طوّرت كثيرا في قدراتي الاتصالية، والطريقة التي أعبّر بها"، و"قدمت الكثير في نطاق عملي وأنا فخورة بذلك".
لكن خلود متمسكة بأن "الثورة لم تجلب لي شيئا".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: