الصراع في تيجراي: هل تلجأ جبهة تحرير تيجراي إلى حرب العصابات؟
ميكيلي- (بي بي سي):
بعد أن ظلت في السلطة في إقليم تيجراي الإثيوبي الشمالي لما يقرب من ثلاثة عقود، قد تستعد جبهة تحرير شعب تيجراي (تي بي إل إف) للعودة إلى الجبال لشن حرب عصابات ضد الحكومة الفيدرالية.
لكن الجيش الإثيوبي يعتقد أنه بإمكانه منع حدوث ذلك من خلال الهجوم الذي يشنه منذ 4 نوفمبر الجاري للإطاحة بالجبهة واعتقال أكثر من 70 من قادتها وضباطها العسكريين.
ومن بين هؤلاء قدامى المحاربين في حرب العصابات التي استمرت 17 عاما والتي أدت إلى استيلاء جبهة تحرير شعب تيجراي على السلطة في العاصمة الفيدرالية أديس أبابا في عام 1991 ، والذين سيطروا بعد ذلك على الجيش وأجهزة المخابرات في البلاد حتى قام رئيس الوزراء أبي أحمد بتطهيرهم عندما تولى منصبه في عام 2018 واتهمهم بالقمع والفساد، وهي الاتهامات التي ينفونها.
وبعد أن انسحبوا إلى معاقلهم في تيجراي فيما فرض أبي سيطرته على بقية إثيوبيا، قاموا في وقت سابق من هذا الشهر بالسيطرة على قاعدة عسكرية فيدرالية رئيسية، وهي جزء من القيادة الشمالية، تقع بالقرب من ميكيلي عاصمة تيجراي دون مقاومة تذكر على ما يبدو.
"مستعدون للموت"
وصفت مجموعة الأزمات الدولية (آي سي جي)، وهي منظمة غير حكومية تركز على منع الصراعات تلك القاعدة بأنها كانت أكبر قيادة عسكرية إقليمية للجيش الفيدرالي.
واستولت جبهة تحرير شعب تيجراي على مجموعة من الأسلحة بما في ذلك الصواريخ، ومع ذلك فإن الجيش الإثيوبي لا يزال يتمتع بقوة جوية كبيرة بما في ذلك الطائرات المقاتلة والمروحيات الحربية.
وجاءت تلك العملية بعد أن قررت حكومة أبي إعادة توجيه التمويل بعيدا عن قيادة تيجراي، متهمة إياها بإجراء انتخابات "غير قانونية" للهيئة التشريعية الإقليمية في سبتمبر الماضي، بدلا من الالتزام بقرار اتحادي بتأجيل جميع الانتخابات بسبب فيروس كورونا.
ويقول مسؤولو جبهة تحرير شعب تيجراي إنهم استولوا على أجزاء من القيادة الشمالية لأنهم كانوا على قناعة أن التدخل الفيدرالي كان وشيكا. ورد أبي باتهام الجبهة بتجاوز "الخط الأحمر النهائي"، وأمر بشن ضربات جوية ونشر قوات في تيجراي.
وبعد 22 يوما من المواجهات العسكرية، يقول أبي إن الجيش يطلق الآن "المرحلة الأخيرة" من عمليته في تيجراي للسيطرة على ميكيلي والتي ستنتهي في "الأيام المقبلة".
لكن دبرصيون جبرميكائيل زعيم جبهة تحرير شعب تيجراي يبدو غير مستعد للتنازل لآبي أحمد، وقال لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) في وقت سابق من الأسبوع: "نحن أصحاب مبادئ ومستعدون للموت دفاعا عن حقنا في إدارة منطقتنا".
أي جانب لديه عدد أكبر من المقاتلين؟
يقول ويليام دافيسون، محلل شؤون إثيوبيا في مجموعة الأزمات الدولية، إن جبهة تحرير شعب تيجراي قد تكون قادرة على حشد أكثر من 200 ألف مقاتل من الميليشيات في القرى إلى القوات الخاصة في الحكومة الإقليمية.
وأضاف قائلا لبي بي سي: "بسبب الديناميات السياسية المتغيرة على مدى العامين الماضيين كان هناك تجنيد وتدريب كبير في تيجراي".
ولا تقدم مجموعة الأزمات الدولية تقديرا لقوة الجيش الإثيوبي، لكن تنقل وكالة رويترز للأنباء عن مجموعة جينيس للبيانات الأمنية قولها إن لدى إثيوبيا نحو 140 ألف عنصر نشط معظمهم في الجيش.
وإذا كانت هذه التقديرات صحيحة فقد يكون للجيش الإثيوبي عدد أقل من الجنود من جيش تحرير شعب تيجراي، ولكن يمكنه تعزيز أعداده بالاعتماد على القوات الخاصة للحكومات الإقليمية الأخرى حيث يسمح القانون الإثيوبي لكل من تلك الحكومات الإقليمية بالحصول على هذه الوحدات شبه العسكرية لتوفير الأمن داخل مناطقها.
وكانت القوات الخاصة من حكومة إقليم أمهرة الذي لديه نزاع طويل على الأرض مع تيجراي، قد ساعدت بشكل ملحوظ القوات الفيدرالية على تأمين الأراضي في غرب تيجراي عندما بدأ الصراع.
وقال دافيسون: "في الغرب، قد تكون السيطرة المشتركة من القوات الفيدرالية وقوات أمهرة أكثر رسوخا لأن هذه القوات تفوقت على قوات التيجراي المحلية وتغلبت عليها".
وأضاف قائلا: "هناك أيضا المزيد من المناطق السهلية في الغرب مما يمنح الجيش التقليدي ميزة أكبر"، مشيرا إلى أن ذلك لا يشبه التضاريس في "قلب" تيجراي حول مدن في الشرق مثل ميكيلي حيث التضاريس وعرة وجبلية مما يجعلها أكثر ملاءمة لحرب العصابات.
"حصار" تيجراي
وقال أرهي همدناكا، الذي شارك في حروب العصابات ضد الحكومات الإثيوبية السابقة وأصبح نائبا في البرلمان السويدي، إن الهجوم في الغرب كان يهدف أيضا إلى تأمين الحدود مع السودان.
وقال إن ذلك أمر حيوي لمنع جبهة تحرير شعب تيجراي من إقامة قواعد هناك كما فعلت عندما قاتلت النظام الماركسي التابع لمنغيستو هيلا مريام قبل 29 عاما، فالسبيل الوحيد لهروب الجبهة والحصول على إمدادات جديدة هو عبر السودان".
وعلاوة على ذلك، لا يوجد منفذ إلى البحر الأحمر عبر إريتريا كما كان الحال في الثمانينيات عندما كانت القوات الإريترية متحالفة مع جبهة تحرير شعب تيجراي ضد منغيستو.
فقد أصبح رئيس الوزراء آبي حليفا قويا للرئيس الإريتري أسياس أفورقي، الذي خاض حربا حدودية مريرة مع إثيوبيا عندما كانت تحت سيطرة جبهة تحرير شعب تيجراي.
وقال صموئيل جبريهوت رئيس تحرير بي بي سي تيغرينيا: "لقد تغير الزمن، طرق إمداد جبهة تحرير شعب تيجراي لا تتدفق، وإلى الشمال توجد إريتريا برئاسة أسياس أفورقي عدوها الرئيسي".
وقالت عدة مصادر في إريتريا لبي بي سي إن القوات الإثيوبية تعبر الحدود لإعادة تجميع صفوفها ومعالجة جرحاها في المستشفيات العسكرية، على الرغم من أن الحكومتين تنفيان تورط إريتريا في نزاع تيجراي.
وقال دافيسون: "تيجراي محاصرة، لا تستطيع جبهة تحرير شعب تيجراي الاستمرار في حرب تقليدية".
لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن القوات الفيدرالية ستحقق النصر السريع الذي تأمل فيه.
ويشير آرهي إلى أن هناك أمثلة عديدة لتفوق مقاتلي حرب العصابات على خصوم مسلحين بشكل أفضل.
كن طالبان ظلت على قيد الحياة".
وأضاف قائلا:"كما نجا المتمردون الحوثيون في اليمن من تفوق السلاح الإماراتي والسعودي".
وقال دافيسون إنه بينما كانت القوات الفيدرالية تتقدم نحو ميكيلي لم يكن من الواضح عدد البلدات والمدن التي سيطرت عليها بالفعل على طول الطريق وعدد تلك التي مرت بها للتو.
من الذي سيدعمه شعب تيجراي؟
وأضاف قائلا إن العديد من مقاتلي التيجراي قد ينسحبون في نهاية المطاف إلى القرى والجبال المحيطة للاستعداد لحرب عصابات يمكن أن تحظى بدعم شعبي كبير.
وقال دافيسون: "على الرغم من أن المسؤولين الفيدراليين يدعون عكس ذلك، يبدو أن العديد من أبناء تيجراي يعارضون العملية العسكرية لحكومة أحمد لأنهم يعتقدون أنها تهدف إلى إزاحة حكومة إقليمية منتخبة بشكل شرعي".
وعلاوة على ذلك، فإنهم يدعمون بشكل عام النظام الفيدرالي الذي ساعدت جبهة تحرير شعب تيجراي على إقامته بعد توليها السلطة في أديس أبابا في عام 1991، باعتباره أفضل وسيلة لحماية حقوقهم السياسية واللغوية والثقافية.
وفي المقابل، تتهم جبهة تحرير شعب تيجراي أبي بمحاولة إنشاء نوع أكثر وحدوية من الحكومات.
ويقول صموئيل جبريهوت رئيس تحرير بي بي سي تيغرينيا إنه في حين أن تصاعد النزعة القومية في الإقليم يمكن أن يعمل لصالح جبهة تحرير شعب تيجراي، فإنه لا يمكن استبعاد احتمال أن يدعم الكثير من الناس الحكومة الفيدرالية بدلا من ذلك.
وأضاف قائلا:"خلال النضال المسلح ضد منغيستو، كان شعب تيجراي وراء المقاتلين تماما، ولكن في العقود الثلاثة التي كانت فيها جبهة تحرير شعب تيجراي في السلطة اعترض الكثيرون في تيجراي على القيادة بسبب الفساد والقمع المنهجي".
وهو يعتقد أن نتيجة معركة ميكيلي ستحدد ما إذا كان بإمكان جبهة تحرير شعب تيجراي شن حرب عصابات أم لا، ولكن حتى لو كان للجيش الإثيوبي اليد العليا فإنه لا يتصور انتهاء الصراع دون مفاوضات مناسبة بين الأطراف المختلفة.
فيديو قد يعجبك: