خطة ترامب للشرق الأوسط تمنح نتنياهو المحاصر نصرا سريعا
واشنطن- (د ب أ):
حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى جواره في البيت الأبيض أمس أثناء إعلانه عن "صفقة القرن" للسلام الشرق الأوسط، وهي لحظة جيدة بالنسبة لزعيمين يصارعان من أجل انقاذ مستقبلهما السياسي.
الخطة الأمريكية والتي تفرض على الفلسطينيين مطالب أكثر بكثير مما تفرضه على الإسرائيليين لم تثر حماسا كبيرا، ودفعت جامعة الدول العربية إلى الدعوة لعقد اجتماع طارئ يوم السبت المقبل وأثارت انتقادات من جانب حلفاء أساسيين للولايات المتحدة ومنهم الأردن وتركيا. والمسؤولون الفلسطينيون الذين رفضوا الدخول في محادثات مع ترامب الذي نبذهم في بداية فترته الرئاسية رفضوا خطته بكل قوة.
الخطة الأمريكية تقر ضمنا بضم إسرائيل فورا للمستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة‘ مقابل شبه دولة فلسطينية مفككة يمكن الوصول إليها بعد سنوات. هذا العرض بالنسبة للفلسطينيين أسوأ مما كان معروضا عليهم في المفاوضات السابقة التي انهارت دون الوصول إلى نتيجة.
وترى وكالة بلومبرج للأنباء أن موافقة الفلسطينيين على الخطة ربما تكون هدفا ثانويا بالنسبة لكل من ترامب ونتنياهو. فكلا الرجلان يواجهان مشكلات قانونية ويخوضان معركة انتخابية، ويريدان من خلال هذه الخطة التي تقع في 80 صفحة أن يعلنا لأنصارهما أنهما يتحليان بالشجاعة والقدرة على تجاوز الحكمة القديمة في السعي نحو تحقيق السلام.
وقد جاء المؤتمر الصحفي في البيت الأبيض لإعلان صفقة القرن، في الوقت الذي ينظر فيه مجلس الشيوخ الأمريكي قضية عزل ترامب بتهمة انتهاك الدستور.
في الوقت نفسه يبحث نتنياهو عن أي تفوق على منافسه في الانتخابات المقررة في أوائل آذار/مارس المقبل، وهو يواجه اتهامات عديدة منها الرشوة والفساد في إسرائيل.
يقول بول بيلار ضابط المخابرات المركزية الأمريكية السابق والباحث غير المقيم في جامعة جورج تاون بواشنطن إن "ترامب حصل على استراحة من قضية العزل وعلى فرصة ثانية لتعزيز شعبيته بين المسيحيين الإنجيليين وغيرهم من الأمريكيين الذين يؤيدون اي شيء تريده حكومة إسرائيل... ونتنياهو حصل على فرصة أخرى لكي يظهر أنه وليس منافسه بيني جانتس الذي يستطيع الحصول على ما تريده إسرائيل من الإدارة الأمريكية".
ولم يضع نتنياهو وقتا كثيرا بعد مؤتمر البيت الأبيض حيث سارع بالإعلان عن اجتماع حكومي خلال الأيام المقبلة لإعلان ضم مساحات جديدة من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل.
كان ترامب قد ألمح خلال الأيام الماضية إلى الخطة قبل الإعلان عنها وقال "سنرى إذا كان سيتم انتهاز الفرصة أم لا. إذا تم انتهازها فسيكون أمرا عظيما، وإذا لم يحدث فإننا نستطيع التعايش مع الواقع لكنني اعتقد أنه لدينا فرصة".
ودافع الرئيس ترامب عن رؤيته غير التقليدية لتسوية ما وصفه بأنه المفاوضات الأصعب في العالم، مشيرا إلى الجهود السابقة التي فشلت في تسوية القضية الفلسطينية. وقال ترامب "تم انتخابي ليس للقيام بالأشياء الصغيرة، ولا لتجنب المشكلات الكبرى".
وقد كسر ترامب الكثير من القواعد الدولية بشأن الشرق الأوسط فنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، واعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية وقال إن المستوطنات الإسرائيلية ليست غير شرعية بالضرورة، وكلها إجراءات حظيت بتأييد نتنياهو. كما قطعت الإدارة الأمريكية أغلب مساعدات الفلسطينيين.
وخلال المؤتمر الذي حضره إمبراطور النوادي الليلية الأمريكي المؤيد لإسرائيل وأحد كبار ممولي الحزب الجمهوري شيلدون أديلسون تعهد ترامب بأن تتضمن خطة السلام فائدة للفلسطينيين أيضا، فلم يصفق أديلسون بحسب بلومبرج.
وقال ترامب أمس "اليوم إسرائيل اتخذت خطوة كبيرة نحو السلام... رؤية تقدم فرصة مفيدة للجانبين. لا يوجد شيء أصعب من ذلك، لكننا حصلنا عليه".
لكن ردود الأفعال على إعلان ترامب كشفت بوضوح عن أن خطته للسلام ولدت ميتة.
فالرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث بعد مؤتمر ترامب وقال "قلنا لا والف لا" لرؤية ترامب، وتعهد بحل السلطة الفلسطينية وخلق حالة من الفراغ السياسي في الأراضي المحتلة.
وقال نتنياهو في البيت الأبيض موجها حديثه لترامب إن الفلسطينيين قد يحتاجون إلى "وقت طويل للغاية" لكي يحصلوا على دولة مستقلة "لكن إذا التزموا بالشروط التي قدمتها في خطتك فإن إسرائيل مستعدة لذلك".
وبحسب الخريطة التي نشرها ترامب على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، فإن الأراضي التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية الموعودة، عبارة عن مساحات متناثرة من الأرض يتم الربط بينها أحيانا بنفق أو طريق، مع كلام غامض عن التنمية مثل "إقامة منطقة للصناعات التكنولوجية المتقدمة" على الحدود مع مصر، دون أي وجود لهذه المنطقة حاليا.
من ناحيته يقول الأكاديمي الفلسطيني إبراهيم فرحات إن خطة ترامب "لا تمنح الفلسطينيين مستقبلا ولا أملا وتتركهم في حالة ضعف استراتيجي ويعيشون في كانتونات دون سيادة على أراض متصلة".
أما جاريد كوشنر صهر ترامب ومهندس صفقة القرن فقال إن الخريطة تمثل إشارة شجاعة لمبادرة الرئيس.
وأضاف في مقابلة مع تلفزيون بلومبرج "هذه أول مرة في تاريخ عملية السلام تكون هناك خريطة رسمية" لكنه استخف بالقادة الفلسطينيين وقال إنهم لم يظهروا أي استعداد لحكم دولة ذات قيمة.
وقال ترامب إن خطته ستفرض على السلطة الفلسطينية الالتزام بالقوانين الأساسية لحماية حقوق الإنسان ومحاربة الفساد ووقف الأنشطة الشريرة من جانب حركة حماس والجهاد الإسلامي ووقف صرف المساعدات المالية لمن سماهم الارهابيين الفلسطينيين من ضحايا عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي ووقف التحريض ضد إسرائيل . وأضاف أن المناطق التي ستخضع للفلسطينيين ستظل بدون تنمية لمدة 4 سنوات حتى يتحقق التقدم في المحادثات مع إسرائيل.
ورفضت خطة ترامب مطلبا أساسيا للفلسطينيين وهو حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم داخل إسرائيل. وبدلا من حق العودة يعرض ترامب إما البقاء داخل الأراضي الفلسطينية أو الانتقال إلى دولة ثالثة أو الاندماج في الدول التي يعيشون فيها حاليا.
ورفض الأردن حليف واشنطن خطة ترامب وقال في بيان إن أي دولة فلسطينية يجب أن تقوم داخل حدود ما قبل حرب 1967 عبر المفاوضات.
ووجه ترامب حديثه خلال المؤتمر الصحفي أمس إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة وقال إنه أرسل إليه خطابا تعهد فيه بأن يؤدي الاقتراح الأمريكي إلى ازدهار الاقتصاد الفلسطيني، وقال مخاطبا الرئيس الفلسطيني "الرئيس عباس، أود أن أحيطكم علما بأنك إذا اخترت مسار السلام فإن أمريكا والكثير من الدول الأخرى ستكون معك... سنكون هناك لمساعدتك بطرق كثيرة مختلفة".
لكن بعض المراقبين قالوا إنهم لا يتوقعون إلا مزيدا من الصراع في المستقبل.
يقول بيلار "هذه ليست خطة للسلام، ولكنها امتداد لسياسة إدارة ترامب المنحازة تماما إلى حكومة نتنياهو... إنها لن تؤدي إلى تسوية أي قضية من القضايا الرئيسية في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
فيديو قد يعجبك: