تقرير أمريكي يكشف: كيف انهار تحالف واشنطن أنقرة في 6 أشهر؟
كتبت- رنا أسامة وهدى الشيمي:
تحدّث الدبلوماسيان الأمريكيان فيليب هـ. جوردون وأماندا سلوت عن الانهيار الذي يشهده التحالف بين الولايات المتحدة وتركيا، بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وقال الدبلوماسيان الأمريكيان والخبيران في الشؤون الخارجية، في تقرير مطوّل نُشر في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، إن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، تدهورت تدريجيًا على مدى الأعوام القليلة الماضية وباتت "صِدامية"، وذلك رغم شراكتهما كحلفاء لحِلف شمال الأطلسي (الناتو) لما يقرُب من 70 عامًا، مع تشكّك واشنطن في إمكانية اعتمادها على أنقرة، وخوف الأخيرة ألا تأخذ الولايات المتحدة مخاوفها الأمنية على محمل الجدّ، لتنهار العلاقة سريعًا خلال الستة أشهر الماضية.
شراء أسلحة روسية
واستشهد المسؤولان الأمريكيان في هذا الصدد، بإقدام تركيا على شراء أنظمة صواريخ دفاعية روسية متقدمة في يوليو الماضي رغم اعتراضات الولايات المتحدة. وفي أكتوبر، استهدفت أنقرة القوات الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة كجزء من خطتها للتوغل في شمال سوريا.
الأمر الذي قابلته واشنطن بمزيد من الاستياء والسُخط ومجموعة واسعة من الإجراءات العقابية لكسر شوكة أنقرة: رفضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسليم طائرات مقاتلة من طراز "إف- 35" المتقدمة إلى تركيا، وعاقبت كبار المسؤولين الأتراك، كما رفعت الرسوم الجمركية على صادرات الصلب التركية.
فيما قدّم الكونجرس مشروع قانون من شأنه فرض عقوبات على صناعة الدفاع التركية، داعيًا لإجراء تحقيق في الشؤون المالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وأصدر بأغلبية ساحقة قرارًا -لأول مرة في مجلسي النواب والشيوخ- يعترف بمذبحة الأرمن التي وقعت عام 1915 خلال الإمبراطورية العثمانية باعتبارها "إبادة جماعية". كما يُشكك البعض في واشنطن الآن في استمرار عضوية تركيا في حلف "الناتو"، رغم أن التحالف لا يملك أي صلاحية لطرد أيٍ من أعضائه.
لكن تركيا، في المُقابل، أصرّت بمنتهى الغضب على أنها لن تتراجع عن مواقفها. فهددت بشراء مزيد من معدات الدفاع الروسية، والرد على رفع الرسوم الأمريكية، وطرد القوات الأمريكية من قاعدتين عسكريتين مهمتين في تركيا. ودفع هذا التهديد الأخير الولايات المتحدة إلى استكشاف عملية "النقل الاستراتيجي للأصول" من تركيا وتعزيز تعاونها الدفاعي مع اليونان وبعض المنافسين الخليجيين في تركيا، مثل السعودية والإمارات، بحسب التقرير.
وبخلاف إدارة ترامب، كانت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وقبل أقل من عقد من الزمن، تتطلع إلى بناء "شراكة نموذجية" مع تركيا، وهو الأمر الذي يجعل الخصومة مع تركيا الآن باهظة الثمن، بما في ذلك دفع أنقرة لتقوية علاقتها مع خصوم الولايات المتحدة أمثال إيران وروسيا.
وللحيلولة دون هذه النتيجة الكارثية، فإن كلا من إدارة ترامب والكونجرس في حاجة إلى فهم جذور الصِدام بين تركيا والولايات المتحدة بشكل أفضل، وتجنب الإجراءات التي تؤدي إلى حدوث نتائج عكسية لا تفضي إلى شيء سِوى تفريق البلدين أكثر فأكثر.
ومع ذلك، رأى التقرير أنه "لا مفرّ" من توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة، بالنظر إلى الخلافات الحالية، والاستياء المتراكم، والمشاعر ذات النزعة القومية لدى المواطنين والمُشرّعين في كلا البلدين. لكنه قال إن "السياسات الذكية بإمكانها أن تحِدّ من العواقب وتحافظ على إمكانية وجود علاقات أفضل بينهما مُستقبلًا".
سبب الانقسام
على الرغم من أن البلدين لديهما قائمة طويلة من المظالم، عزا التقرير سبب التوتر والانقسام بين البلدين إلى شراء تركيا لمعدات عسكرية من روسيا وعدوانها على الشمال السوري. وقال إن رغبة الولايات المتحدة في معاقبة أنقرة على هذه الأعمال "مفهومة" بكل تأكيد.
كان أردوغان كثيرًا ما يُلقي باللوم على إدارة الرئيس السابق أوباما لإهمالها احتياجات الدفاع الجوي التركية و"رفضها" بيع صواريخ "باتريوت" إلى أنقرة، وهي خرافات ساعدته على بناء قاعدة دعم محلية تُعينه على شراء نظام الدفاع الجوي الروسي "إس- 400"، وفي المقابل مكّنت ترامب من اتهام سلفه بالإهمال. في حين أنها اتهامات "غير دقيقة".
وتحت إشراف الناتو، نشرت الولايات المتحدة وحلفاؤها صواريخ باتريوت على طول الحدود الجنوبية لتركيا في عام 2013، رغم أن تهديد الهجمات الصاروخية من سوريا كان محدودًا، كما عرضت واشنطن بيع صواريخ باتريوت لأنقرة لكن بشروط مُحددة، ولكنها رفضت مطالب أردوغان بشأن التسعير ونقل التكنولوجيا.
علاوة على ذلك، أوضح المسؤولون الأمريكيون منذ البداية أن منظومة الصواريخ الروسية إس- 400 بها رادار متطور وتعتمد على لوغاريتمات الذكاء الاصطناعي، ما يُمكنها مع مرور الوقت من جمع معلومات استخباراتية حول الطائرات إف-35، ما يهدد فعالية الطائرات التي طورها الأمريكيون بمئات مليارات الدولارات.
الأكراد يعمقون الفجوة
ولفت التقرير إلى أن الفجوة بين أنقرة وواشنطن باتت أكثر اتساعاً وعُمقًا. بعد أن تعاون الجيش الأمريكي وعمل مع فصيل من المقاتلين الأكراد السوريين لسنوات في القتال ضد تنظيم داعش الإرهابي، غضب العديد من المسؤولين والجنود الأمريكيين بعد منح ترامب الضوء الأخضر لإردوغان كي يُنفذ عدوانه العسكري في شمال سوريا.
وحوّل العدوان التركي السكان المحليين إلى لاجئين، وعزز نفوذ إيران وروسيا في سوريا، حسبما يوضح التقرير، كما أنه لم يترك أمام الأكراد أي خيار آخر سوى إقامة علاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد بما يُرضيه.
في الوقت نفسه، لا يستطيع المسؤولون الأمريكيون التظاهر بأنهم لا يفهمون الدوافع وراء تحرك تركيا في سوريا، منذ البداية عارضت أنقرة دعم واشنطن للأكراد لاسيما قوات سوريا الديمقراطية، التي تتعامل معها تركيا باعتبارها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه جماعة إرهابية.
بعد أن فشلوا في التوصل إلى اتفاق مع أنقرة للقيام بعمل عسكري مُشترك في سوريا في عام 2014، تعاونت واشنطن مع الأكراد في سوريا، وشملت العلاقات التدريب والدعم العسكري والسياسي، والبحث عن سبل لإعادة إعمار المناطق التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد عليها في سوريا.
وحافظ أردوغان على صبره عدة سنوات ولكنه نفد في أكتوبر الماضي حسبما يوضح التقرير، وضغط على ترامب في مكالمة هاتفية وافق فيها الرئيس الأمريكي على التدخل العسكري التركي في شمال سوريا، لكن بشرط ألا تمس القوات التركية المصالح الأمريكية في المنطقة.
علاقات متأرجحة
في هذه المرحلة، فإن ما يتبقى من علاقة ثنائية يعتمد إلى حد كبير على العلاقة الشخصية المتقلبة بين الرئيسين الشعبويين، وهما حسب التقرير شخصين يتخذان قرارات خاطئة، نابعة من موجة من الانفعالات العاطفية.
تأرجحت علاقة ترامب وأردوغان بين التوبيخ والإشادة منذ وصول الرئيس الجمهوري إلى البيت الأبيض، أوضح التقرير أن الرئيس الأمريكي هدد بتدمير اقتصاد أنقرة ودعا نظيره التركي "بألا يكون أحمقا"، ولكنه في الوقت نفسه سعى إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع أنقرة.
يعتقد إردوغان، حسب التقرير، أن ترامب قادر على حمايته من عقوبات غضب الكونجرس والعقوبات والخطيرة التي قد تفرض عليه، ولكن تقديره خاطئ.
رغم الود الظاهر بين الرئيسين في الاجتماع الذي عُقد في نوفمبر الماضي في البيت الأبيض، وأعرب فيه ترامب عن إعجابه بأردوغان، كان من المُرجح أن تتدهور العلاقات بالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع. قال التقرير إنه في يومي 9 و17 ديسمبر الماضي، أقر مجلس النواب ومجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة مشروع قانون يدعو إدارة ترامب إلى فرض عقوبات على تركيا، بموجب قانون "مكافحة أعداء الولايات المتحدة" الذي يسمح لواشنطن بفرض عقوبات على أعدائها عقوبات مختلفة، مالية وسياسية وعسكرية، عند قيامهم بخطوات تهدّد أمنها.
وفي 11 من ديسمبر، صوتت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بأغلبية 18 مقابل 4 لصالح فرض حزمة من العقوبات على تركيا، كتلك التي أقرها مجلس النواب لمعاقبة السلطات التركية على العدوان التركي على شمال سوريا، والذي سمح به ترامب حسبما يوضح التقرير.
وذكر التقرير أن فرض عقوبات على صناعة الدفاع التركية قد يدفع أنقرة إلى شراء المزيد من المعدات الدفاعية الروسية، وهي النتيجة التي يهدف قانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة إلى منعها.
إبقاء تركيا في الداخل
في الوقت نفسه، أكد التقرير ضرورة استمرار المناقشات مع أنقرة حول مستقبل سوريا وحث أنقرة على إجراء محادثات مع الأكراد والبحث عن حل نهائي لمشكلتهم، بالرغم من أن الولايات المتحدة فقدت نفوذها بعد انسحابها من الأراضي السورية، وتولي روسيا السيطرة على المواقع التي تمركزت فيها في السابق وحدات حماية الشعب الكردية.
ربما يلعب الكونجرس دورًا أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بسوريا. حسب المجلة، فإن صنّاع القرار والسياسيين عليهم التفكير مليًا فيما يأملون في تحقيقه من خلال العقوبات التي يسعون إلى فرضها على الحكومة التركية إلى جانب توبيخ ترامب أو اردوغان.
حسب التقرير فإن الهدف الرئيسي من هذه العقوبات يجب أن يتمثل في منع الرئيسين من القيام بأفعال أو تصرفات مماثلة في المستقبل، وليس فقط التعبير عن الغضب إزاء التجاوزات التي ارتكبها أي منهم، لأن تركيا لم تذهب إلى شمال سوريا دون مباركة ترامب.
على الكونجرس استغلال التهديدات بفروض عقوبات في المستقبل لتحقيق أهداف عملية قابلة للتحقيق، على سبيل المثال يمكن أن يفرض المشرعون في الكونجرس عقوبات تدخل في حيز التنفيذ حال ارتكاب أنقرة أو القوات التي تدعمها انتهاكات في حقوق الإنسان، أو دخلت المدن التي تتواجد فيها الأغلبية الكردية، أو أرسلت قواتها لأماكن تتجاوز المنطقة الآمن المُتفق عليها على طول الحدود السورية التركية.
بهذه الطريقة، تؤكد فورين أفريز أن العقوبات سوف تحقق أهدافها المرجوة، وسوف تقود إلى نتائج إيجابية.
من الضروري، حسب التقرير اتخاذ خطوات تساعد على الحفاظ على العلاقات طويلة الأمد بين البلدين، لأن الزعماء لا يبقون في مناصبهم إلى الأبد، وشدد التقرير على أن الولايات المتحدة سوف تخسر الكثير إذا انهارت علاقاتها مع تركيا أو إذا تحولت إلى خصمًا حقيقيًا لها، لاسيما وأنها دولة ذات الأغلبية الإسلامية وتحظى بموقع استراتيجي ولديها ثاني أكبر جيوش الناتو، فيما تحقق إيران وروسيا الكثير من المكاسب.
فيديو قد يعجبك: