جيش بوتين الخاص: كيف تعزز روسيا وجودها في أفريقيا سرًا؟
كتبت- هدى الشيمي:
لا يمكن تجاهل الوجود الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى، الشوارع مليئة بالملصقات الدعائية واللافتات مكتوب عليها "روسيا: يدًا بيد مع جيشك"، وتُذيع محطات الإذاعة المحلية قصص إخبارية عن الحياة في موسكو وتُقدم دروسا لتعليم اللغة الروسية، ويتدرب مُجندون جدد في الجيش باللغة الروسية ويستخدمون أسلحة روسية الصنع.
تقول شبكة سي إن إن الأمريكية إن الحملة الروسية في هذا البلد الذي مزقه الحرب جزء من حملة أوسع وأشمل في المنطقة بأكملها، ومحاولة من موسكو لزيادة نفوذها في القارة الأفريقية من أجل التفوق على منافسيها، وإعادة تقديم نفسها كلاعب رئيسي في العالم، في ظل انحسار الدور الأمريكي بعد تولي دونالد ترامب الرئاسة.
وأجرت الشبكة الأمريكية تحقيقاً استمر عدة أشهر حاولت من خلاله الكشف عن طموح روسيا بتعزيز تواجدها في القارة الأفريقية، وإحكام قبضتها على ثروات بلادها لاسيما تلك التي تعاني من الحروب، بمساعدة رجل الأعمال يفغيني بريجوزين الشهير بطباخ بوتين، والمُقرب من شخصيات معروفة في الحكومة، والذي يُعتقد أنه المسؤول الرئيسي عن قوات فاغنر"، وهي شركة عسكرية خاصة، تتولى تدريب وتمويل مجموعة من المرتزقة الروس ينشطون في روسيا وأوكرانيا.
يد بوتين في أفريقيا
كانت الولايات المتحدة أدرجت بريجوزين على لائحة العقوبات الأمريكية بسبب صلته بـ الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وفي ديسمبر 2016 قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن رجل الأعمال الروسي لديه "معاملات تجارية واسعة" مع وزارة الدفاع الروسية وكان مرتبطاً ببناء قاعدة عسكرية جديدة بالقرب من أوكرانيا.
وبعد الانتخابات الرئاسية لعام 2016، فرضت واشنطن عقوبات على بريجوزين بعد اتهامه بتمويل وكالة أبحاث انترنت يُزعم بأنها تدخلت في السباق الانتخابي.
أوضحت الشبكة الأمريكية أن بريجوزين ليس غريباً عن عالم المرتزقة أو القوات العسكرية، ويُشار إلى أنه أيضاً من موّل القوات والمليشيات الخاصة التي قاتلت في شرق أوكرانيا وسوريا.
وتضم مجموعة بريجوزين شركة استثمارية تمول محطة إذاعية في أفريقيا الوسطى، كما يمول تدريبات الجنود والمرتزقة، وفي الوقت نفسه هناك من ينقبون عن الألماس والذهب في البلد الغني بالثروات المعدنية.
مصلحة بوتين أولاً
اعتمدت سي إن إن على شهادات بعض المقاتلين المرتزقة في روسيا، ومن بينهم جندي، طلب إخفاء هويته خشية من تعرضه لأذى، وقال إنه حارب في الشيشان ضد المتمردين الانفصاليين وفي سوريا ضد معارضي الرئيس السوري بشار الأسد، وكان يتلقى راتبه من شركة فاغنر.
بحسب الجندي، فإن الوحدة التي ينتمي إليها ما هي إلى قوة قتالية سوف تفعل أي شيء يخدم مصلحة بوتين.
في المقابل، ينفي الكرملين (بيت الحكم في روسيا) كل هذه الاتهامات. وفي يونيو الماضي، قال بوتين عن المقاتلين في سوريا إنهم أشخاص يخاطرون بحياتهم ويشاركون في الحرب ضد الإرهاب، موضحًا أنهم لا ينتمون إلى الدولة الروسية، وليسوا الجيش الروسي.
كذلك نفى بريجوزين وجود أي صلة بينه وبني فاغنر. ورفض هو وكل شركاته التحدث إلى سي إن إن.
ويستبعد محللون أن تتواجد مليشيات فاغنر الخاصة في أفريقيا وغيرها من الدول دون موافقة بوتين.
العودة إلى أفريقيا
في عام 2017، وافق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مهمة تدريب روسية في أفريقيا الوسطى، ولم تُدرك حكومات العالم، حسب سي إن إن، أن موسكو تحاول ملء الفراغ الحكومي والعسكري الذي تعاني منه أفريقيا.
يبتعد مقر المرتزقة الروس في افريقيا الوسطى في بيرينجو، التي تبعد ساعتين بالسيارة من العاصمة بانجي، وهناك تجد الجنود يجلسون في حالة من الملل الشديد، منهم من يُدخن السجائر وآخرين يحاولون التواصل مع المحليين.
وأوضح فاليري زاخاروف، ضابط مخابرات سابق في الجيش الروسي وقضى وقتاً في الشيشان خلال التسعينيات، أن "روسيا تعود الآن إلى أفريقيا".
يضيف المسؤول العسكري، لشبكة سي إن إن، إن موسكو كانت حاضرة بقوة في أفريقيا قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، مُشيرًا إلى أنها تعتمد الآن على اتصالاتها وعلاقاتها مع الزعماء والمسؤولين الأفارقة من أجل استعادة دورها المحوري.
التوسع في ثلاث قارات
حسب سي إن إن فإن روسيا تعمل على تعزيز نفوذها في ثلاث قارات، بالإضافة إلى أوكرانيا وسوريا، فهي تعمل على قدم وساق لكي تثبت وجودها في أفريقيا.
وأوضحت الشبكة الأمريكية أن روسيا تواجدت في الفترة الأخيرة في ليبيا والسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
ولفتت سي إن إن إلى ظهور المرتزقة الروس لأول مرة في أوكرانيا في عام 2014. ومنذ ذلك الحين انتشروا في ثلاث قارات، وغالباً ما يستهدفون البلدان غير المستقرة.
وحسب الشبكة الأمريكية فإنه من الصعب تقدير عدد المقاتلين المرتزقة المتمركزين في أفريقيا، ولكن المؤكد أنهم لا يشاركون في العمليات العسكرية وحسب، ولكنهم أيضاً يبحثون عن الموارد الطبيعية، وينقبون عن النفط والألماس والذهب وغيرها من الثروات، وهو ما يحدث في أفريقيا الوسطى والسودان.
كانت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) نشرت تقريرًا أفاد بأن مرتزقة روس من شركة بي ام سي فاغنر الخاصة شاركوا في عمليات منذ بداية عام 2018 في سوريا وشرق أوكرانيا، ثم توجهوا للسودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وسيتوجهون قريبا جدا لليبيا.
ونقلت بي بي سي عن مصدر أن هناك نحو 80 مقاتلا من المرتزقة الروس في السودان، وأخذوا مؤخرا في التجمع للتوجه لليبيا.
خلال السنوات الأخيرة، تمكنت روسيا من إبرام حوالي 20 اتفاقية عسكرية مع العديد من الدول الأفريقية. وأشارت سي إن إن إلى أن ذلك يحدث بالتزامن مع عمل بريجوزين وقوات فاغنر المرتزقة على تعميق الوجود والحصول على الثروات غير المستغلة.
فيديو قد يعجبك: