"تعبنا يا صديقي".. كيف خلّدت فنانة جرافيتي سيرة شهداء حراك السودان؟
كتب – محمد الصباغ:
راقب رجال الأمن تحركاتهم لفترة، انتظروا لحظة محددة وانقضّوا عليهم، ولكن بلا جدوى. احتمت أصيل أحمد وزملائها في منزل أحد الشهداء بالعاصمة الخرطوم. كانت هذه تفاصيل أحد الأيام التي حاولت فيها فنانة الجرافيتي السودانية المشاركة في المظاهرات على طريقتها.
لم يتجرأ أفراد الأمن على محاولة الدخول، ومرت سيارة كانت تنتظر رسامة الجرافيتي الشابة لتقلّها وتغادر في أمان.
تشارك أصيل في الحراك السوداني الأخير ولكن بطريقتها المختلفة. الشابة التي اعتبرتها مواقع محلية سودانية بأنها أول فنانة جرافيتي في البلاد، قررت التواصل مع أسر الشهداء من أجل رسم صور لقتلى الحراك على جدران منازلهم.
بعبارات نطقها الشهداء على ألسنتهم اكتملت الجداريات التي رسمتها أصيل، التي قالت في تصريحات خاصة لـ"مصراوي" إنه حينما اندلعت "الثورة في السودان قررت الانضمام للمظاهرات وهي خطوة لا تخلو من الخطورة".
قررت الشابة التي درست الفنون الجميلة في جامعة فيرجينيا الأمريكية، أن تُخلّد ذكرى الشهداء اللذين سقطوا أثناء خروجهم في تلك المواكب والمظاهرات.
وأعلن وزير الدفاع السوداني، عوض بن عوف، ظهر الخميس، الإطاحة بالرئيس عمر البشير، واحتجازه في مكان آمن.
كما أعلن عن بدء فترة انتقالية لمدة عامين يديرها المجلس العسكري، تنتهي بإجراء انتخابات رئاسية بجانب فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر.
خلال الأشهر الماضية ومع بداية الحراك السوداني في ديسمبر الماضي، ملأت قوات الأمن الشوارع في المدن السودانية، وتقول أصيل "لم أكن أعلم ما أريد فعله للمشاركة في الثورة. كان الفن جزء أساسي من تفكيري في هذه المشاركة، لكن الأمن يملأ الشوارع ولا أستطيع الرسم على الجدران بسبب حالة الطوارئ، ولأن لها علاقة بالثورة لا يمكنني الرسم بأريحية".
هنا قررت فنانة الجرافيتي التحرك نحو "منازل الشهداء لتقديم التعازي"، وطلبت منهم أن ترسم صورة للفرد الذي رحل على جدران المنزل.
ومن بين العبارات التي جاءت في الجداريات ما قاله عبد العظيم أبو بكر قبل رحيله في يناير الماضي على يد سلطات الأمن: "تعبنا يا صديقي ولكن لا أحد يستطيع الاستلقاء أثناء المعركة".
وهناك عبارة أخرى كتبتها على لسان الشهيد محجوب التاج بجوار جداريته جاء فيها: "الدنيا عامرة بك لكن غيابك فرتكها".
يساعد أصيل عدد من الأشخاص فهناك من يجري الاتصالات ويتواصل مع العائلات للحصول على إذن بالرسم على الجدران، وفي بعض الأحيان يوافق الأهل وفي أوقات أخرى يكون "الجرح مفتوح ومازالوا متأثرين بوفاة الشخص فيرفضون الأمر".
رسمت أصيل أحمد خلال شهر فبراير 20 جدارية لعشرين شهيدا في الخرطوم ومناطق أخرى، قالت إن بعضها لم تزرها من قبل في بلادها.
تواصل رسامة الجرافيتي حديثها بالقول إنه "في أول رسمة جاء الأمن وبدأ في مطاردة مصور يعمل معي بالهراوات، وحينما لم يلحقوا به توجهوا نحوي فجريت نحو منزل الشهداء ووصل صديق آخر بسيارته بعد لحظات فقفزت داخلها لنهرب بعد حوالي ربع ساعة من المطاردة".
لم تتوقف المخاطر عند هذا الحد ففي آخر الجداريات التي كانت ترسمها، قالت أصيل: "كنا في أحد الأحياء الخطرة ورسمنا صورة شهيد ثم وصل رجال أمن بزي مدني وأدخلونا إلى مركز للشرطة بمنطقة بحري. لم يعتدوا علينا وتواصلنا بأحد الأشخاص (واسطة) وأخرجونا".
تعبّر أصيل أحمد عن رأيها بالصور، وترسم بألوانها لوحات لا يمكن أن يقدم على محوها القوات الأمنية، وتقول: "نعبر عن رأينا بالصور حتى حينما يرى أي شخص صورة الشهيد يترحم عليه ولا ينسى الناس هؤلاء الشهداء".
وحول فكرة اختيار الرسم على جدران منازل الشهداء، تواصل حديثها لمصراوي: "الرسم على حوائط المنازل لمواساة الأهالي وترك ذكرى للشهيد على المنزل، وأيضًا حتى لا ينسى رجال الأمن ما فعلوه. وأيضًا لن يكون لأحد القدرة على مسحها فلو فعل رجال الأمن ذلك سيكون على عكس رغبة الأهل ويمكن أن تقوم مظاهرات كبيرة، لا يمكن أن تقتل ولدي عشان مشى للمظاهرات وكمان تمسح رسمته على حيطة بيتنا".
في وقت تواجه النساء في السودان تضييق كبير، جاء الحراك لتبدأ معه المرأة السودانية بحقوق ظلت ممنوعة عليها لسنوات، فعلى سبيل المثال هناك قوانين في البلاد التي تطبق الشريعة الإسلامية تسمح لرجال الشرطة بمواجهة النساء مرتديات ما يوصف بالزي الفاضح.
وتقول أصيل إنها تريد تغيير هذا الوضع، وأقدمت على رسم سيدات سودانيات قُتلن خلال مظاهرات سابقة وليس في الحراك الحالي. وأضافت: "رسالتي بالأساس تتعلق بحقوق المرأة، فالمادة 152 تسمح للشرطة مواجهة الزي الفاضح لكن لا يوجد تعريف لهذه الكلمة، وبالتالي يمكن للشرطي أن يكون القاضي ويحدد ماهية الملابس الفاضية وقد يعتدي بالضرب أو بالجلد على ذلك".
فيديو قد يعجبك: