فورين أفيرز: كيف أصبحت الدبلوماسية الأمريكية في مهب الريح مع ترامب
كتبت- هدى الشيمي:
قد تكون الدبلوماسية واحدة من أقدم المهن في العالم، ولكنها في الوقت نفسه من أكثر الأمور التي يُساء فهمها. تقول مجلة فورين أفيرز الأمريكية إن ازدراء الرئيس دونالد ترامب للدبلوماسية المهنية وممارسيها، وميله إلى مغازلة الزعماء الاستبداديين مثل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وغيره، سلط الضوء بصورة غير مسبوقة على هذه المهنة، وأكد أهمية تجديد الأساليب المُستخدمة فيها.
وجاء في مقال للسياسي والدبلوماسي وليام جوزيف بيرنز، رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي وسفير واشنطن السابق لدى روسيا، أن تشويه دبلوماسية واشنطن ليس أمراً جديداً، ولم يخترعه الرئيس ترامب، فهناك العديد من المشاكل المُتعلقة بالنهج الدبلوماسي الأمريكي منذ نهاية الحرب الباردة، ومع ذلك يقول إن إدارة ترامب زادت الطين بلّة.
تحدث المقال عن أن الولايات المتحدة لم تعد المُحرك الأساسي للأحداث السياسية الكُبرى، ولم تعد قادرة على الحصول على ما تريد بمفردها، أو بالاعتماد على قوتها وقدراتها.
انحراف دبلوماسي
وقال الدبلوماسي الأمريكي السابق إن وزراء الخارجية المتعاقبين والدبلوماسيين عملوا بجد وحققوا بعض النجاحات، وحاول الجميع الاستفادة مما حدث بعد الحرب الباردة. وافتتح بيكر عشرات السفرات في الاتحاد السوفيتي سابقاً دون أن يطلب من الكونجرس المزيد من الأموال.
وفي الفترة التي تولت فيها مادلين أولبرايت وزارة الخارجية واجهت الكثير من المشاكل المتعلقة بالميزانية. وبين عامي 1985 و2000 تقلصت ميزانية الشؤون الخارجية للحكومة الأمريكية بمقدار النصف تقريباً.
ولكن نقطة التحول الحقيقية، حسب المقال، كانت بعد أحداث 11 سبتمبر، فأصبحت الولايات المتحدة أكثر اهتماماً بالدبلوماسية أكثر مما كانت عليه من قبل، ثم اقترفت خطأ كبير وهو الغزو الأمريكي للعراق.
خلال الحرب الطويلة في أفغانستان والعراق، قال الكاتب إن الدبلوماسيين الأمريكيين انشغلوا ببناء الأمة والهندسة الاجتماعية، وصبوا اهتمامهم على تحقيق الاستقرار، ومواجهة التطرف العنيف، واقناع الحكومات والقادة السياسيين الآخرين وإقناعهم باتباع سياسات تتفق مع مصالح الولايات المتحدة.
أشار الكاتب إلى أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سعى خلال فترتي ولايته إلى إنشاء الكثير من التحالفات، واستخدام الدبلوماسية لتحقيق أكبر الفوائد، فتمكن من الانفتاح على كوبا، وعقد صفقة نووية مع إيران، وانضم إلى اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ، واتفاق باريس للمناخ.
ثم جاء ترامب بعد أن وصل إلى منصبه مستعيناً بقوة الإقناع، ولم يكن مرتبطاً أبدا بالتاريخ، ولم يعرف أن الولايات المتحدة سوف تبقى رهينة كل القرارات التي يتخذها، ولكنه عوضاً عن ذلك أثار بشعاره "أمريكاً أولاً" سياسة تقوم على الأحادية والقومية وزادت الانقسام بين المواطنين.
قال بيرنز إنه في غضون عامين تقلص تأثير الولايات المتحدة، وتحول أعدائها إلى حلفاء، بينما اتسعت الفجوة بينها وبين أصدقائها وشركائها المُحتملين.
على مدار العامين الماضين، انسحبت إدارة ترامب من اتفاق باريس لمناخ، والاتفاق النووي الإيراني والشراكة العابرة للمحيط الهادئ، وأنهت شراكتها مع بعض البلدان، علاوة على اندلاع حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك تم تقليص التمثيل الدبلوماسي للولايات المتحدة في بعض البلدان، وتخفيض أعداد العاملين في وزارة الخارجية.
أدوات الإصلاح
بالرغم من الأضرار التي ألحقتها الولايات المتحدة بنفسها في السنوات الأخيرة الماضية، قال الكاتب إنها لا يزال أمامها فرصة للمساعدة على تشكيل نظام دولي جديد، لاسيما وأنها لم تعد اللاعب الرئيسي في الساحة السياسية العالمية بعد الحرب الباردة، ولكنها تظل قوة محورية في العالم.
وأضاف أن أن الولايات المتحدة تنفق على الدفاع كل عام أكثر من ميزانية سبعة دول مجتمعة. كما أنها لديها المزيد من الحلفاء والشركاء المحتملين أكثر من أقرانها ومنافسيها. كما أن اقتصادها، بالرغم من ارتفاع درجة الحرارة وعدم المساواة بين الجنسين، إلا أنه لا يزال الأكبر والأكثر قابلية للتكيف والأكثر ابتكاراً في العالم. وفيما يتعلق بالطاقة، تقول المجلة إن الولايات المتحدة باتت الآن لديها تكنولوجيا مُتقدمة فتحت أمامها الكثير من موارد الغاز الطبيعي، وساعدتها على الحصول على الطاقة النظيفة.
قال الكاتب إن إعادة التأكيد على أسس الدبلوماسية الأمريكية أمر ضروري، ولكنه غير كافِ لجعلها فعالة وأكثر تأثيراً في عصر جديد وصعب، مُشيرة إلى أن الخارجية الأمريكية عليها التكيف مع الأوضاع والظروف الجديدة وتبني سياسات تمكنها من مواجهة الكثير من التحديات المتوقع حدوثها في المستقبل.
كجزء من السياسة المتبعة بعد ترامب، قال الدبلوماسي السابق إنه يجب على وزارة الخارجية الأمريكية إعادة اكتشاف التاريخ الدبلوماسي، وتعزيز مهارات التفاوض لدى العاملين فيها.
وفي الوقت نفسه، يرى بيرنز إن واشنطن سيكون عليها إيجاد طرق للربط بين السياسية الخارجية والموضوعات الأكثر إلحاحاً الآن والمتمثلة في التكنولوجيا والاقتصاد والطاقة والمناخ.
بغض النظر عن الإصلاحات التي تقوم بها وزارة الخارجية، قال الكاتب إن تجديد الدبلوماسية الأمريكية سيكون مستحيلاً دون وجود اتفاق محلي وشعور مشترك بهدف الولايات المتحدة في العالم، وإيجاد علاقة بين القيادة في الخارج ومصالح الطبقة الوسطى في الداخل.
ولفت إلى إن أسلاف ترامب الثلاثة السابقين اتبعوا نهجاً يقوم على التركيز على الشؤون الداخلية، ووضع حدود لالتزامهم الخارجية، ومع ذلك كل منهم واجه مشاكله الخاصة في الداخل والخارج.
وأضاف الكاتب أن مُعظم الأمريكيين يفهمون العلاقة بين القيادة الأمريكية المُنضبطة في الخارج ورفاهية مجتمعهم، ولكنهم يشككون في قدرة المؤسسات في واشنطن على ممارسة هذا النهج من القيادة.
عندما تلعب وزارة الخارجية الأمريكية دورًا قيّماً من أجل التوصل إلى اتفقات وعقد صفقات كبيرة مع دول العالم، فهي لا تسلط الضوء على الدور الذي تلعبه الدبلوماسية في توفير آلاف الوظائف في المدن والبلدات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. لذا حث الدبلوماسي السابق صانعي القرارات والعاملين في السياسية على التأكيد للجميع من أن السياسات الدبلوماسية الفعّالة تبدأ من الداخل، من خلال نظام سياسي واقتصادي قوي، وتنتهي عندما يتوفر المزيد من الوظائف، والمزيد من الرخاء، ومناخ صحي، وأمن قوي.
وقال إن أن الإدارة القادمة سيكون لديها قدرة على إجراء على إعادة توجيه الدبلوماسية الأمريكية للتعامل مع التحديات الأكثر إلحاحًا، ولكن تجاهل ترامب للدبلوماسية تسبب في أضرار جسيمة، ومع ذلك فهو يؤكد على الحاجة المُلحة لبذل الكثير من الجهد على الساحة الدولية، والتي لا يرحم فيها أحد أحدًا.
فيديو قد يعجبك: