افتتاح أكبر مسجد في تركيا وسط تباطؤ اقتصادي
إسطنبول- د ب أ:
يشكل التباطؤ الاقتصادي وارتفاع تكاليف المعيشة قضية أهم بالنسبة لمعظم سكان تركيا حاليا، في الوقت الذي تتجه فيه البلاد صوب الانتخابات المحلية المقررة في 31 مارس الجاري، في سادس استحقاق انتخابي تشهده تركيا خلال خمس سنوات.
وخلال ما يقارب الشهر، وقف الأتراك في طوابير طويلة بالمدن الكبرى لشراء احتياجاتهم من أكشاك تبيع السلع بأسعار مخفضة.
وكان هذا مشهدا غير مسبوق في تركيا على مدار 16 عاما في ظل "حقبة رجب طيب أردوغان"، رئيسا للوزراء ثم للجمهورية. ولطالما راهن أردوغان على الاستقرار الاقتصادي فيما حقق من تأييد شعبي ومن جذب لأصوات الناخبين.
وفي ظل معدلات تضخم مرتفعة وتراجع قيمة العملة التركية (الليرة)، ينفق أردوغان بسخاء بالغ قبيل الانتخابات، ويقدم حوافز ضريبية واستثمارية تصل قيمتها إلى مليارات الليرة.
كما يتجسد هذا الكرم في العديد من مشروعات التشييد الطموحة، وبينها مسجد ضخم افتتح في اسطنبول يوم الخميس الماضي.
ويروق المسجد، الذي يعد الأكبر في تركيا، لقاعدة الناخبين القوية التي يتمتع بها الرئيس التركي بين المسلمين الملتزمين في بلاده.
وأقيم مسجد "تشامليجا" فوق تل يحمل نفس الاسم، على الجانب الآسيوي من اسطنبول، وقد استمرت عملية البناء ست سنوات. ويضم المسجد قاعة مؤتمرات ومكتبة ومتحفا ومرآبا يسع نحو 3500 سيارة. ومن المقرر أن يفتتحه أردوغان رسميا في وقت لاحق.
وللمسجد الذي يتسع لنحو 63 ألف مصل، مكانة خاصة لدى مؤيدي الرئيس التركي، الذين يرون فيه "مشروع أردوغان "، حيث إنه من المشروعات الكبيرة التي جاءت بتوجيه من الرئيس شخصيا.
وقال أردوغان عن المسجد قبل شهور: "إنه مشروع رائع.. هو الدرع الروحية الجديدة لإسطنبول".
والمسجد هو أحدث مشروعات البناء التي ينظر إليها على أنها تمثل عودة إلى الماضي "العثماني" لتركيا، ويعتبر رمزا لطموحات أردوغان في إعادة صياغة الطبيعة المعمارية والحضرية لتركيا العلمانية.
وبالنسبة لسلاطين الإمبراطورية العثمانية التي امتدت من البلقان إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث حكمت لنحو ستة قرون، فإن إقامة المساجد الكبرى البارزة كان يمثل رمزا للقوة والاستقرار والثراء.
ويقدم "المسجد الأزرق" المقام على تلة أخرى على الجانب الأوروبي من العاصمة العثمانية السابقة، مثالا آخرا رائعا، حيث يقصد ملايين السائحين هذا المعلم التاريخي سنويا.
ويرى بولنت باتومان، من جامعة بيلكنت في أنقرة، أن هذا التقليد السلطاني قد تطور إلى طموح سياسي في تركيا الحديثة، حيث يحاول الحكام الاسلاميون المحافظون صياغة هوية وطنية جديدة تستند إلى تفسيرهم للتاريخ والاسلام السني.
ويقول باتومان: "العمارة الإسلامية وسيلة لإظهار أن الأتراك قادرون على فعل ما هو أفضل من الماضي".
ويتردد أن أردوغان اختار أعلى بقعة في المدينة التي يصل عدد سكانها إلى 15 مليون نسمة لمسجد "تشامليجا" ليراه القاصي والداني.
ويرى باتومان أن هذا ليس من قبيل المصادفة، ويقول "هوس إقامة (البناء) الأعلى والأوسع والأكبر يتماشى مع جهود تعزيز الشعور بالفخر الوطني."
وتؤتي هذه السياسة، التي تعضدها الأموال، ثمارها مع القاعدة الشعبية من الناخبين.
واستخدمت العائلات التي لديها أطفال والشباب وكبار السن نفق سيارات وخط حافلات عامة، تزامن افتتاحهما مع افتتاح المسجد، للمشاركة في أداء أول صلاة تقام بالجامع الجديد. وهناك خط قطارات أنفاق منفصل تحت الانشاء حاليا لتسهيل الوصول إلى " تشامليجا".
ويقول علي عثمان، وهو سائق سيارة أجرة كان ينتظر ركابا خارج المسجد الجديد: "انظر... اكتمال بناء المسجد مبعث فخر."
ويضيف عثمان:" نسمع في نشرات الأخبار أن دولة غنية، مثل ألمانيا، لا تستطيع أن تنجز مشروع مطار خلال عدة أعوام،" مشيرا إلى أنه سيؤدي الصلاة في المسجد في وقت لاحق ذلك اليوم.
إن رؤية أردوغان لإقامة محور حضري ومعماري جديد أمر ربما يروق لقطاعات كبيرة من المجتمع التركي رغم الجهود والموارد الضخمة التي يجرى ضخها في هذا الاتجاه، وفقا لما ذكره المحلل مصطفى سونميز.
ويقول سونميز: "هذا الطموح لنشر العمارة الإسلامية في كل مكان يمثل تهديدا للهوية العالمية والتعددية الثقافية لاسطنبول، التي هي في الحقيقة، تراث عثماني."
ويرى أن "الاندفاع النهم لتغيير وجه المدن التركية أمر لا يحظى بموافقة أكثر من نصف سكان البلاد".
فيديو قد يعجبك: