"فساد وفوضى".. ماذا بعد تطهير العراق وسوريا من داعش؟
كتب - هشام عبد الخالق:
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا حول ما قد يحدث بعد نهاية تنظيم داعش.
وتقول المجلة في تقريرها: "قبل أكثر من 4 سنوات، وبالتحديد في يونيو 2014، أعلن أبو بكر البغدادي قيام الخلافة الإسلامية في العراق وسوريا، ونصّب نفسه خليفة للمسلمين، وسيطر تنظيم داعش على مساحة كبيرة من الدولتين، تقدر بمساحة بريطانيا، وبتعداد سكاني بلغ 10 ملايين شخص".
واستطاع التنظيم الإرهابي تخويف وإرهاب العالم، وذلك باستعباد النساء جنسيًا، وإعلان المسؤولية عن الهجمات الإرهابية، وتصوير عمليات قطع رؤوس الرهائن، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لأيديولوجيته.
وفي الولايات المتحدة، بحسب المجلة، ازداد الخوف من الإرهاب، وساعدت في الترويج لحملة الرئيس دونالد ترامب، والآن بعد انقضاء التنظيم، وانحساره في منطقة صغيرة تقوم قوات سوريا الديمقراطية حاليًا بالاستعداد لغزوها، يوجد الكثير لتعلمه من النجاح السريع الذي حققه التنظيم، وسقوطه المروع بعد ذلك.
وتقول المجلة، إن السيطرة على الأراضي كانت نعمة ونقمة بالنسبة للتنظيم، فمن ناحية استطاعت جذب عشرات الآلاف من المتطوعين في العالم العربي، وأوروبا، ووسط آسيا، وقام التنظيم بفرض الضرائب على الأراضي وعلى المنتجات، واستغلال حقول النفط الخاضعة لسيطرتها، ومكنت مصادر التمويل هذه من بناء جيش قوي، وجني ملايين الدولارات كل شهر.
في ذروة التنظيم، استطاع كسب ما يقرب من 800 مليون دولار على شكل ضرائب سنويًا، وشن مقاتلو التنظيم هجمات إرهابية خارج حدود دولتهم مثل هجوم باريس في 2015 الذي قتل 130 شخصًا، وكذلك إلهام مجندين أجانب تنفيذ عمليات في أوطانهم، وربما كان السبب الأكثر أهمية بالنسبة للمقاتلين: هو أن التنظيم خلق مبرر جهادي، وأيضًا أن يحكم بموجب القانون الإسلامي.
كان جزءًا من أسباب نجاح التنظيم في بدايته هو موقعه في قلب العالم العربي، والاهتمام العالمي الذي نالته الحرب الأهلية في سوريا، على عكس الأماكن الأخرى التي نشطت بها حركات جهادية مثل الصومال واليمن. والأهم من ذلك أن الجهاديين في سوريا تمتعوا بحرية عمل خلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية.
في سوريا، كانت طبيعة نظام بشار الأسد العدائية تعني أن واشنطن لن تأتي لإنقاذ دمشق من التنظيم الإرهابي. وفي السنوات الأولى من الحرب، كانت الولايات المتحدة تبدو أنها أكثر ميلًا لقصف النظام السوري من قصف التنظيم الإرهابي، ومن ثم تحدث الرئيس باراك أوباما وحلفائه علنًا عن إسقاط الأسد، ولكن عندما بدأ التنظيم في ذبح الأيزيديين وبدأت في شن طريقها إلى العاصمة العراقية بغداد، تدخلت الولايات المتحدة.
وعندما بدأ التدخل الأمريكي في سوريا، كان الأمر كارثي بالنسبة لتنظيم داعش، مما يدل على مخاطر السيطرة على الأراضي، وحاول داعش الدفاع عن خلافته المزعومة، ومات عشرات الآلاف من المقاتلين، إضافة إلى العديد من مخططيها. وعلى الرغم من عدم انهيار كامل التنظيم، إلا أنه تراجع بشكل مطرد، مما يثبت أنه حتى لو كان التنظيم الإرهابي ذي موارد جيدة فهذا لا يعني قدرته على الوقوف في وجه القوة العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها.
تنظيم داعش الإرهابي لم يرحل بالكامل، ولكنه تضاءل بشكل كبير، لأن المجموعة لم تعد ناجحة وبإمكانها التباهي بإقامة دولة تسود فيها شريعة الله. ويسعى المجندون الغربيون مثل البريطانية شيماء بيجوم والأمريكية هدى مثنى، الذين غادروا بلدانهم ليعيشوا في ظل الخلافة المزعومة للعودة إلى ديارهم الآن.
وتقول المجلة، إن تنظيم القاعدة -أحد أكبر التنظيمات الإرهابية التي تنافس داعش- كان يدرك إمكانية حدوث مثل هذا التوتر، ولطالما كان الهدف النهائي لزعيمه أسامة بن لادن إقامة خلافة، لكنه أدرك أن الإعلان عنها مبكرًا، قبل إمكانية الدفاع عنها بشكل مناسب، من شأنه أن يجعله هدفًا للولايات المتحدة.
أما خليفته أيمن الظواهري، فقد كان حذرًا أيضًا، لكنه كان أكثر تعاطفًا مع تنظيم داعش نظراً للشعبية التي حظت بها فكرة الخلافة بين مجندي القاعدة المحتملين. والآن يبدو أن حذر بن لادن كان حكمة.
وحظت الخلافة المزعومة بشعبية كبيرة في سوريا والعراق، بحسب المجلة، وكما حدث مع تنظيم الشباب في الصومال، وطالبان في أفغانستان، لم تكن شعبية التنظيمات بسبب الأيديولوجية التي تتمتع بها، ولكن بسبب قدرتها على تنفيذ أبسط مبادئ الحكم: توفير القانون والنظام، وتقديم الخدمات الاجتماعية.
وتقول المجلة، إن المحلل الجهادي أبو بكر ناجي، دعا -في أطروحته المسماة بإدارة التوحش- إلى استخدام العنف الإرهابي لخلق مناطق فوضوية في البلاد. ومن ثم تتولى الجماعات الجهادية السيطرة على الأمر وتفرض قوانين وأنظمة تسيطر بها على الشعب الذي أنهكته الفوضى. تنظيم داعش اتبع هذا المخطط. وكما يقول أحد رجال الشرطة التابعين لداعش في العراق: "إذا نجحنا في تحقيق العدالة، كنا نعرف أننا سنفوز بقلوب الناس".
وتضيف المجلة، أن مواطني مدن مثل الموصل -الذين لم يفروا عند سيطرة تنظيم داعش على المدينة- اعترفوا بأن حكم التنظيم الوحشي حسّن الخدمات مثل الكهرباء ومكافحة الجريمة. والآن، مع تلاشي ذكرى وحشية التنظيم يستمر القادة الفاسدون وغير الأكفاء في الحكم في العراق وسوريا.
وتقول المجلة، إنه بالنسبة للولايات المتحدة، أوضحت مشاكل الفساد وعدم الكفاءة الموجودة في الحكم بسوريا والعراق الآن، أن كل هذه نتائج للتدخل الأمريكي لمحاربة الإرهاب في الشرق الأوسط.
وتشير المجلة، إلى أنه منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، طورت الولايات المتحدة آلية قتل قادرة على تدمير صفوف الجماعات الإرهابية. وخلق أمراء الحرب الوحشيين والأنظمة الفاسدة مناطق فوضوية في البلاد التي كانت تحت سيطرتهم، ولم تجد الولايات المتحدة وصفة لاستبدال تلك المناطق بحكومة قوية وعالية الجودة يمكنها الحفاظ على النظام دون تدخل منها.
وتمكن السلطات المحلية الضعيفة والفاسدة في أفغانستان والعراق، وسوريا الآن، الجماعات المحلية المسلحة من العودة بعد هزيمتها.
إدارة ترامب، بحسب المجلة، تتصارع مع كيفية تحقيق التوان بين اليقظة والتفوق، وترامب يخطئ في الوقت الحالي متباهيًا بهزيمة تنظيم داعش، وهذا يجعله عرضة للانتقاد، ولكن من المهم أيضًا إدراك أن التنظيم الإرهابي قد تضرر بشدة وأن هزيمة دولة الخلافة المزمعة تمثل نقطة تحول محتملة، خاصة بعد أن جفّ تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا والعراق، وجعلت خسارة الأراضي من الصعب على داعش تنظيم هجمات إرهابية دولية.
وأوضحت المجلة، أن إن الظروف غير العادية التي سمحت للخلافة أن تزدهر لفترة وجيزة قد لا تتكرر قريبًا، ومن غير المحتمل أن تنشط داعش قريبًا بنفس المستوى أو أن تظهر جبهة أخرى تماثلها.
وتشير المجلة، إلى أن هذا لا يعني بالطبع نهاية الإرهاب الجهادي، حيث تبقى أيديولوجية تنظيم داعش والقاعدة جذابة وقوية، وستسعى أعداد صغيرة من أتباعهم في الغرب إلى إظهار سلاحهم في وجه الأعداء.
وقالت المجلة في ختام تقريرها: "لكن التهديد اليوم أقل مما كان عليه في 2014، وينبغي أن يدرك صانعو السياسة أن أفضل ما يمكننا الحصول عليه هو النجاح الجزئي".
فيديو قد يعجبك: