قصة قد لا يعلمها ترامب.. حكاية الانقلاب الوحيد في أمريكا على يد الديمقراطيين
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتب – محمد عطايا:
يهرول رجل أسود، خارج بيت صغير قريب من ضفاف نهر "كيب فير"، في مدينة ويلمنجتون، بولاية نورث كارولينا الأمريكية، محاولًا النجاه بحياته، بعدما جرح شخص أبيض بسكين في يده.
لم تمر دقائق، حتى وجد صاحب البشرة السمراء، نفسه محاطًا بمجموعة من القوقازيين، العازمين على قتله. ولم تفلح توسلاته في إنقاذ حياته، ليمطروه الرجال البيض بوابل من النيران من فوهات 40 بندقية.
سجل التاريخ الأمريكي المشهد السابق، وما تبعه، أول حادثة انقلاب في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، التي أوضحت أنه يعود إلى العاشر من نوفمبر من العام 1898.
أوضحت الصحيفة أن الرجل الأسود المطارد يدعى دانيال رايت، سياسي مشهور عمل في اللجنة التنفيذية للحزب الجمهوري بالولايات المتحدة، وواحدًا من بين 60 على الأقل –ويعتقد أنهم 300 أمريكي- الذين قتلوا فيما تعرف بمذبحة ويلمنجتون، التي وقعت في العاشر من نوفمبر من العام 1898، على يد عصابات من العنصريين البيض، ممن عملوا تحت سيطرة الديمقراطيين والحكومة آنذاك.
ووفقًا لتصريحات إيرفينج جوينر، أستاذ القانون الجنائي في جامعة نورث كارولينا المركزية، لصحيفة واشنطن بوست، فإن الرئيس الأمريكي، لا يعلم أن أول انقلاب في تاريخ الولايات المتحدة، كان على يد الحزب الديمقراطي.
لفتت الصحيفة، إلى أن الإدعاءات التي تتردد مؤخرًا من الرئيس، وبعض أعضاء الكونجرس والإعلاميين، حول الانقلاب على إدارة ترامب، أمر غير محتمل حدوثه.
وقال جوينر الذي أعد بحثًا في الانقلاب الأول والوحيد في الولايات المتحدة إن الأوضاع الحالية في أمريكا متشابهة قليلًا مع ما حدث في السابق، إلا أن تكرار تلك الواقعة مستبعد.
كان السيناتور الجمهوري، ليندسي جراهام، رئيس اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ، أكد أن لجنته ستدرس إمكانية التحقيق في محاولة الانقلاب البيروقراطي على ترامب.
قصة أول انقلاب
بحسب دراسة أستاذ القانون الجنائي، فإن العنصرية ضد السود، كانت المحرك والمقوم الأساسي لانقلاب عام 1898، الذي وقع في مدينة ويلمنجتون.
أثناء انتخابات نوفمبر 1898، كان البيض الفقراء في الحزب الشعبي متحالفين مع الجمهوريين السود ليشكلوا ما يسمى ائتلاف "فيوجن"، ما وضع السكان السود حينها في مناصب بارزة، خاصة بعدما كان ثلاثة من أعضاء مجلس المدينة من ذوي البشرة السمراء.
سيطر الرجال السود على المناصب في مدينة ويلمنجتون، فضلًا عن امتلاكهم لمعظم الشركات، وصحيفة "دايلي ريكورد". وفي المقابل، ضم الحزب الديمقراطي، الرجال البيض، الذين سيطرو على جماعة "القمصان الحمراء"، أو "كلو كلوكس كلان"، المعروفة بعنصريتها وعدائها لذوي البشرة السوداء.
خطط رجال الحزب الديمقراطي وقتها للانقلاب لاستعادة السيطرة على المدينة، وكونوا مجموعة تسمى "السرية التاسعة"، نسقت وقتها أنشطة "القمصان الحمراء"، وميليشيا "ويلمنجتون لايت ماونتينري".
وفي ذلك الوقت، أراد رجال السياسة في الحزب الديمقراطي، توحيد صفوف المدنيين، ضد السود، وإحياء نزعة البيض، فلجأوا إلى ألفريد مور وادل، الذي كان عضوًا في الكونجرس خلال العام 1870، ليشعل بخطبه حماس الناخبين البيض.
وقال واديل، في خطاب تاريخي داخل قاعة البلدية المحلية قبل الانتخابات، إن هيمنة السود سوف تكون ذكرى مخزية للشعب الأمريكي. في المقابل، فشل الحزب الجمهوري في تنظيم وتنسيق رسائل معارضة يخاطبون بها جمهور الناخبين.
وبالفعل، فاز الحزب الديمقراطي في الانتخابات المحلية، وتقاسموا السطلة مع ائتلاف "فيوجن"، برغم القمع الواسع الذي تعرض له الأخير خلال الاقتراع.
لم يرض الديمقراطيون على تلك النتيجة، وأقدموا على تشكيل لجنة مكونة من 25 شخص، أو "لجنة وادل"، ليقدموا مطالب تسمى "إعلان الاستقلال الأبيض"، إلى السياسيين السود وقادة الحزب الجمهوري، الذي قابلوا الأمر بأن "الرد على طلبهم سيكون في صباح اليوم التالي".
وبدلًا من انتظار الحصول على الإجابة، حشد وادل قوة تتألف من 2000 رجل في 10 نوفمبر من العام 1898، وجمعهم في مستودع أسلحة، واشعلوا النيران في صحيفة "دايلي ريكورد" المملوكة للسود.
حريق الصحيفة أشعل الذعر بين السكان، واندلعت اشتباكات عنيفة مع انتشار رجال الميليشيات البيض في أنحاء المدينة، الذين أطلقوا النيران من أسلحتهم على منازل وشركات الرجال السود.
"لقد انفجر الجحيم"
بعد اشتعال الأوضاع في مدينة ويلمنجتون، كتب صحفي محلي عن الأحداث حينها: "لقد انفجر الجحيم"، خاصة بعدما تحولت الأوضاع إلى "مجزرة"، في الحي الأسود في بروكلين، في الطرف الشمالي من المدينة.
حاول بعض السكان الفرار، حاملين الفراش والممتلكات الشخصية إلى ضواحي المدينة، حيث تجمعوا في المقابر والمستنقعات.
أصبحت الفوضى مناسبة لأعمال الإرهاب المتعمدة. وقُتل ضابط شرطة أسود على يد فرد من أعضاء "القمصان الحمراء"، في مقابل، عدم وجود أي إصابة من البيض.
وأعطى العمدة الجمهوري ذا البشرة البيضاء، دانيال ليندسي رسل جونيور، جنود المشاة الضوء الأخضر للمشاركة في فض النزاع، لكنهم لم يفعلوا شيئًا يذكر لإخماد العنف.
كما أجرى رئيس الولايات المتحدة حينها، ويليام ماكينلي، محادثات مع كبار الموظفين في المدينة، حول أعمال الشغب، لكنه لم يرسل أي من الجنود للمشاركة في فض النزاع.
ومع إصابة المدينة بالشلل بسبب إطلاق النار، عمل أعضاء لجنة وادل على تسهيل الانقلاب العسكري، لإسقاط رئيس البلدية، ورئيس الشرطة.
وفي الساعة 4 مساءً في يوم الانقلاب، بدأت سلسلة من الاستقالات، حتى صعد وادل إلى منصب عمدة للمدينة.
كان الضحايا الأوائل للمأساة هم الأميركيون الأفارقة في المدينة، الذين عانوا من الإبعاد، والخوف من المزيد من جرائم القتل، وموت أحبائهم، وتدمير الممتلكات، والنفي في المستنقعات الباردة.
فيما عملت لجنة وادل، على أسر زعماء سود بارزين، وأعضاء ائتلاف "فيوجين"، ووضعهم في قطارات وإخراجهم بعيدًا عن المدينة.
إضفاء الشرعية
عمل وادل على كبح جماح البيض، واستعادة السلام لإعطاء النظام الجديد جوًا من الشرعية. وأشاد رجال الدين البيض بالقادة الجدد في المدينة في خطبهم التي ألقوها.
وكتبت الصحف عن الواقعة بأنها "تغييرات مميزة" لمجلس المدينة. كما أكدت صحيفة "ويلمنجتون ماسنجر"، الموالية للحزب الديمقراطي، أن العمال البيض في المدينة يستطيعون العمل أفضل بكثير من السود.
وأعيد انتخاب العمدة وحلفائه في مارس 1899، حيث انضموا إلى ديمقراطيي الولاية في الحد من الانتخاب السود، وتقنين نظام الطبقات العرقية من خلال قوانين جديدة.
فيديو قد يعجبك: