دوافع المحتجين في العراق اقتصادية قبل أن تكون سياسية
بغداد- (أ ف ب):
تتحدى أم صلاح بشجاعة التقاليد السائدة في العراق بالمشاركة يومياً في الاحتجاجات القائمة في جنوب البلاد، على غرار عشرات الآلاف الذين يتظاهرون منذ نحو شهرين رغم القمع الذي أسفر عن مقتل المئات، معبرة عن رفضها لطبقة حاكمة "لم تقدم أي خدمة" للشعب.
وتقطع هذه الأرملة (57 عاما)، الطريق ذهاباً واياباً سيرا على الاقدام للتظاهر الى جانب ابنائها السبعة ، جميعهم عاطلون عن العمل وسط مدينة الديوانية، ذات الغالبية الشيعية في جنوب العراق.
وتقول هذه السيدة التي تردي عباءة تقليدية سوداء، لوكالة فرانس برس: "أتي يوميا من منزلي الذي يبعد حوالى أربعة كيلومترات عن ساحة التظاهر سيرا على الاقدام كوني لا أملك في أغلب الأحيان مالا يكفي لأجرة التاكسي، للمشاركة في التظاهرات والوقوف مع ابنائي المتظاهرين لتحسين أوضاعهم المعيشية والاقتصادية".
وتابعت: "أعود في أوقات متأخرة أغلب الأحيان سيرا على الاقدام الى منزلي في حي عشوائي بأطراف المدينة".
ولا توفر السلطات حاليا، بعدما كان نظام صدام حسين يوزع قطع أراضي للسكن، أي شيء لها، ما دفع أم صلاح إلى بناء منزل بسيط لتسكن مع أبنائها في أحد الأحياء العشوائية التي تتنشر في مدن متعددة ويعيش فيها اليوم حوالى ثلاثة ملايين عراقي.
وتحدثت أم صلاح بحزن عميق عن رحيل زوجها، قائلة "تعرض زوجي إلى مرض ولم نستطيع أن نعالجه (...) كوننا لا نملك المال الكافي، والخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية رديئة، توفي بسبب المرض والفقر الذي فتك به".
وانطلقت الاحتجاجات منذ الأول من أكتوبر، في بغداد ومدن جنوبية للمطالبة بـ"إسقاط النظام" وتغيير الطبقة السياسية التي تحكم البلاد منذ 16 عاما، ويتهمها المتظاهرون بالفساد والفشل في إدارة البلاد.
أستاذ سائق سيارة أجرة
يتطلب الأمر اليوم في العراق، سنوات للحصول على وظيفة في المؤسسات الحكومية، فيما لا يزال القطاع الخاص ضعيفاً رغم وعود التنمية وتحقيق الرخاء التي قدمت للعراقيين عند إطاحة نظام صدام حسين عام 2003.
ويعد الدخول الى القطاع الحكومي فوزاً، رغم أنه يشكل عبئاً متواصلاً على ميزانية البلاد ، أنفق ثلثها خلال عام 2019، كرواتب موظفين في القطاع الحكومي في العراق الذي تعتمد ميزانيته بصورة رئيسية على صادرات النفط.
يحلم المتظاهر مهند فاضل (30 عاماً)، منذ حصوله قبل بضع سنوات على شهادة الماجستير في التربية البدنية، بالحصول على وظفية حكومية.
يقول هذا الشاب "درست وتخرجت منذ أكثر من عشرين عاما (...) ولم أحصل على فرصة عمل باختصاصي".
ويشير إلى حصوله على "عقد كمحاضر جامعي، أتقاضى عن كل محاضرة أربعة آلاف دينار عراقي (قرابة ثلاثة دولارات)، أي نحو أربعين دولاراً شهريا".
لكن ذلك لا يكفي لتلبية متطلبات الحياة، لذلك يضطر "بعض الأحيان للعمل سائق تكسي. لكن الظروف الاجتماعية والتقاليد باتت تطاردني، ففكرت ذات مرة فيما إذا استأجرني أحد طلبتي في الجامعة كيف سيكون موقفي؟".
ويتابع "فتحت محلاً (متجراً) صغيراً من منزلي لبيع الحلوى على الأطفال وبعض المواد الغذائية، ولا يتجاوز دخلي اليومي الخمسة آلاف دينار عراقي (4 دولارات)، وتزوجت حديثا وأسكن مع عائلتي في بيت صغير".
ويضيف "أتكفل بدخلي ودخل عائلتي. هل يعقل أن يكون دخل عائلة من خمسة أفراد 150 دولاراً شهرياً في أغنى بلد في العالم ولديه ثالث احتياطي نفطي عالمياً؟".
ومنذ العام 2003، حقق النفط، المورد الوحيد للعملة الأجنبية والذي يوفر 90 في المئة من ميزانية البلاد، أكثر من 830 مليار دولار، فيما تبخر جراء الفساد خلال المرحلة نفسها حوالى 450 مليار دولار.
8 ملايين فقير
ويرى أستاذ الاقتصاد موسى خلف أن "العامل الاقتصادي المتردي للفرد العراقي، هو الأساس وراء الاحتجاجات التي عمت أغلب مدن وسط وجنوب العراق".
ويعتبر أن "انخفاض مستوى دخل الفرد، الذي يصل لأقل من 600 دولار سنويا، وارتفاع معدل الفقر إلى حوالى 25%، والبطالة إلى 30%، عوامل كافية للتظاهر والاحتجاج ضد الحكومة".
ويشير خلف إلى وجود "أكثر من ثمانية مليون فرد دون مستوى خط الفقر" في هذا البلد الذي يسكنه 40 مليون نسمة.
وقبل انطلاق موجة الاحتجاجات، اتخذت السلطات المحلية في محافظات جنوبية عدة، مجموعة تدابير بينها إزالة مجمعات سكنية عشوائية دون تقديم بديل، ما أدى الى إشعال شرارة تظاهرات مناهضة للسلطات.
وفي أحد هذه المجمعات، وتقع في محافظة واسط (جنوب بغداد)، قام شاب بحرق نفسه بعد مصادرة عربة جوالة كانت تمثل مصدر رزقه الوحيد في بلد يمثل العاطلون عن العمل واحدا من بين كل أربعة شبان، وتمثل نسبة الشباب ما دون الـ25 عاماً 60 في المئة من السكان.
وعبر خلف عن تأييده لمطالب المحتجين، بالقول إن "إصلاح الوضع الاقتصادي في العراق، لا يحتاج إلى أكثر من نظام اقتصادي عقلاني قائم على استغلال موارد البلاد بصورة مثلى، وقائم على معطيات علمية اقتصادية وليس النفع والمكتسبات السياسية".
بدوره، يقول الطبيب حسين ماني (45 عاماً) في ساحة التحرير الرمزية في وسط بغداد إنه "منذ العام 2003، لم يفعلوا غير زيادة البطالة، دمروا الزراعة والصناعة وتخلفاً في المدارس والمستشفيات، زرعوا الطائفية وسرقوا نفطنا".
ويرى متظاهر شاب أن الطبقة السياسية لن ترحل إلا "عندما يسقط النظام (السياسي)، ويكون هناك فرص عمل ومياه وكهرباء".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: