لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

روسيا في قبضة القيصر 20 عامًا.. فهل بدأت الندوب تشقق وجهه؟

08:14 م الثلاثاء 24 ديسمبر 2019

فلاديمير بوتين

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب – محمد عطايا:

تشتهر روسيا بالثلوج وصناعة السلاح والجمال المفرط للجنس الناعم، أو هكذا يعرفها المصريون ربما بالإضافة إلى أنها ورثية القطب الثاني حينما كان العالم ثنائي القطبية قبل أن ينهار الاتحاد السوفيتي قبل ثلاثة عقود.

يصفنها الأمريكان بالعدو والخطر المستطين، فيما يتعامل معاها الأوربيون على أنها "الحليف الشرير". بينما تشكل مع الصين والهند وتركيا تكتل ذا مصالح واهتمامات مشتركة.

كادت روسيا أن تختفي في الثلج "ليس بشكل حرفي"، في وقت ليس بالبعيد، نظرًا لانهيار اقتصادها بشكل كبير عقب تفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي.

أصبحت أكبر دولة في العالم تعاني من التضخم وعجز الميزانية بشكل غير مسبوق، خلال وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفقًا لما ذكرته دائرة المعارف البريطانية "بريتانيكا".

ولم يكن على حكومة ما بعد الاتحاد السوفيتي، التعامل مع عواقب الأخطاء السياسية والاقتصادية في فترة ميخائيل غورباتشوف "1988 - 1991"، أخر رئيس للاتحاد السوفيتي، فحسب، بل كان عليها أيضًا إيجاد طريقة لتحويل الاقتصاد الروسي بأكمله.

صورة 1

البومة

مع تولي بوريس يلتسين "1991 – 1999" الحكومة الروسية، أزال ضوابط الأسعار التي كانت أقرتها حكومة غورباتشوف، في محاولة لإنشاء اقتصاد قائم على السوق، إلا أن تلك الخطوة حفزت من التضخم، الذي أصبح مصدر قلق للروس، الذين انخفضت رواتبهم وقوتهم الشرائية مع استمرار ارتفاع أسعار بعض السلع الأساسية.

انهار الروبل "العملة الوطنية الروسية" بالفعل، في العام 1998، واضطرت الحكومة إلى حجب مدفوعات ديونها وسط عدد متزايد من حالات الإفلاس.

وحاول يلتسين تحسين الأوضاع في روسيا، لكنه لم يستطع إحداث نقلة حقيقية للدولة الروسية رغم توليه السلطة لأكثر من 8 سنوات.

ويبدو أن أكبر انجازات يلتسين هو تحويل فلاديمير بوتين من رجل مغمور، إلى رئيس للوزراء في العام 1999، لتبدأ مع "القيصر" نقلة جديدة للدولة الروسية.

صورة 2

القيصر، والبومة، والمحارب.. جميعها ألقاب تصف بوتين، الذي غير وجه روسيا تمامًا، لتعود كلاعب أساسي يتحكم في ميزان القوى الدولي، مرة أخرى.

الرجل المثالي في روسيا لعشرة أعوام متتالية، وقاهر الدببة ومحترف الغطس، ولاعب الهوكي، ليست الأشياء التي يتفرد بها بوتين عن غيره من الرؤساء وحسب، ولكن أن يمضي 20 عامًا قابضًا على زمام الأمور في موسكو، جعله ثاني أطول رئيس حكمًا لروسيا بعد جوزيف ستالين "1922 – 1953".

وربما يقارن البعض بين بوتين وستالين، الذين حكما روسيا أطول فترة في تاريخها، وغيرا ملامح روسيا، ووضعاها -ربما- على مسار مختلف بعدما انتشلاها من أن تطمس في طي النسيان، ولكن المقاربة بين الشخصيتين قد تكون غير واقعية، فبوتين "ليس شيوعيًا".

انفصل بوتين عن الحزب الشيوعي في التسعينيات، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وعرف نفسه على أنه سياسي مستقل، وهذا يبدو أول اختلاف جوهري مع ستالين.

صورة 3

المقارنة بين الرئيسين الأكثر حكمًا لروسيا، قد لا تكون دقيقة، ولكن يمكن النظر إليها من توصيف بوتين لستالين، التي كشفت عن تقديره "للقائد العظيم" الذي صنع مجد روسيا، وتحقيره لجانبه الديكتاتوري في الوقت نفسه.

يصنف الرئيس الروسي نفسه، على أنه ضد كل شيطنة مفرطة لشخصية جوزيف ستالين، كما أنه ضدّ نسيان أهوال الستالينية في نفس الوقت "إنه شخصية معقدة وغير بسيطة أبدا".

وقال بوتين في سلسلة مقابلات مع المخرج الأمريكي أوليفر ستون، أنتج منها الأخير فيلما وثائقيا عن بوتين " كان ستالين ابن عصره وزمنه. ويمكن للمرء أن يلجأ لتشويه صورته بقدر ما يرى ضرورة لذلك، من ناحية أخرى، يمكنه الحديث عن إنجازاته الهائلة في الانتصار على النازية.

"أما بالنسبة لشيطنة ستالين، فأنا أقول إنه في التاريخ الإنجليزي كانت هناك شخصية معروفة وشهيرة كشخصية كرومويل، الذي كان رجلا دمويا. وجاء في أعقاب تغيير ثوري هناك، ثم أصبح ديكتاتورا وطاغية. وعلى الرغم من ذلك فإن تماثيله ما زالت منتصبة وقائمة في كل مكان في المملكة المتحدة. كما أن نابليون ما زال يحظى بشعبية جارفة، فماذا فعل؟ وصل إلى السلطة على خلفية موجة الثورة الفرنسية، ولم يكتف باستعادة وإحياء النظام الملكي، ولكنه أيضا أعلن نفسه إمبراطورا، وقاد فرنسا إلى كارثة وطنية، إلى هزيمة كاملة. فمثل هذه الشخصيات وهذه الوضعيات والحالات في تاريخ العالم أكثر من أن تحصى".

ورغم صعوبة المقارنة بين الرئيسين، إلا أنها لم تكن لتطرح في نقاش، إلا بعد أن تحول بوتين هو الأخر إلى زعيم وقائد –ربما- غير من صورة روسيا، وجعلها بين الأقوى في العالم.

صورة 4

القيصر، لم يكن من المتوقع له أن يظل في السلطة لمدة طويلة، وعانى بوتين بالفعل خلال السنوات الأولى من فترة رئاسته، ولكنه تمكن من البقاء.

وبرغم أن الدستور الروسي لا يسمح لأي رئيس أن يتولى السلطة لأكثر من فترتين إلا أن بوتين استطاع أن يفوز بأربع فترات رئاسية.

بعد تعينه رئيسًا للوزراء في 1999سريعًا ما أصبح رئيسًا لروسيا في العام 2000 وحتى 2008، ما يعني انقضاء فترتيه الرئاسيتين، إلا أنه تولى في 2008 منصب رئيس الوزراء، خلفًا لصديقه ديمتري مدفيديف، الذي أصبح رئيسًا لروسيا، ولكن بشكل ظاهري، حيث ظلت السلطات الفعلية في يد القيصر.

وفي العام 2009 عدلت روسيا الدستور، لتزيد من فترة حكم الرئيس، من 4 سنوات إلى 6، وهو ما اعتبره النقاد تغيير يمهد الأرض لبوتين. وفي 2012 عاد بوتين رئيسًا لروسيا مرة أخرى، وفاز بعد 6 سنوات (2018) بفترة ثانية.

بوتين في 20 عامًا

صورة 5

لم يتوقع أحد أن يظل بوتين رئيسًا لروسيا لفترة طويلة، فكان ينظر له على أنه شخصية مغمورة لا خلفية سياسية له، ولا يوجد له حليف في الكرملين أو الحكومة، وذلك وفقًا لموقع جامعة هارفارد.

وقال مجموعة من الباحثين في جلسة نقاشية نقلها موقع الجامعة، إن معظم المراقبين نظروا إليه كشخصية ضعيفة، نظرًا لسوء فهمه لقاعدة السلطة التي أتى منها مؤكدين أن أجهزة الأمن الروسية مكنته في النهاية من أن يستمر لفترة طويلة.

عندما تولى بوتين السلطة لأول مرة، بدأ في تعيين ضباط الخدمة السابقين في مناصب رفيعة، في كل من موسكو والوزارات المركزية، ليزرع المؤيدين على نحو فعال في جميع أذرع القوة الرئيسية في روسيا.

وتأثرت صورته بشدة بعد عدة أشهر من انتخابه، بعد انفجار الغواصة كورسك، التي تعمل بالطاقة النووية في قاع بحر بارنتس، في 12 أغسطس 2000، ما أسفر عن مقتل جميع أفراد طاقمها البالغ عددهم 118.

صورة 6

وقعت سلسلة من الحوادث المشابهة في روسيا، ما جعل عرش الرئيس الجديد يهتز، إلا أنه تمكن ببعض القرارات الجريئة من إحداث تغيير حقيقي لمسه المواطن الروسي بتحسين الوضع الاقتصادي.

عندما تولى بوتين السلطة، كانت روسيا قد مرت بفترة مؤلمة في التسعينيات، نتيجة الانخفاض الكبير في الناتج المحلي.

استغل بوتين ارتفاع أسعار النفط لينعش الاقتصاد مرة أخرى، فضلًا عن اتخاذ بعض القرارات الإصلاحية الأخرى، بما في ذلك فرض ضريبة دخل ثابتة من 13 في المئة، وبذل جهودًا كبيرة للحد من التنظيم الحكومي، وخاصة على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ما ساهم في إنعاش الاقتصاد.

واجه الرئيس الروسي أيضًا موجة الخصخصة التي أعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، متخذًا تدابير جريئة.

وذكر كتاب "عصر اللاعصمة – عواقب الحرب على الإرهاب" للكاتب الأمريكي جورج سوروس، أنه عندما تولى بوتين السلطة، أراد وضع يده للسيطرة على صناعة الطاقة، ملقيًا القبض على رئيس شركة "يوكوس" عملاق النفط حينها، ميخائيل خودوركوفسكي، في العام 2003، وأودعه في السجن ليدفع شركته إلى الإفلاس.

ولم يكتف بوتين بذلك، ولكن –بحسب الكاتب الأمريكي- عين المقرب منه ألكسي ميللر، مسؤولًا عن شركة غازبروم، وطرد الإدارة السابقة التي حولت أموال الشركة إلى "إقطاعية خاصة".

كان من الطبيعي أن يفوز بوتين بفترة رئاسية ثانية في العام 2004، نظرًا لتحسن الوضع الاقتصادي بسبب السيطرة على إنتاج النفط، ما رفع مستويات المعيشة.

بدأ بوتين في غزو الغرب اقتصاديًا، بتوقيع خط غاز "نورد ستريم"، مع ألمانيا، في العام 2005. وبعد ذلك بعام واحد، قطع الغاز عن أوكرانيا، كنوع من الضغط السياسي، إلا أن أوروبا، حليف كييف، اكتفوا ببعض التعليقات والتحذير دون توقيع عقوبات على موسكو أو اتخاذ موقف حازم، نظرًا لأن ألمانيا، تستورد من 50 إلى 75 بالمئة من الغاز من روسيا، وهو الحال مع معظم دول أوروبا.

صورة 7

وفي أغسطس 2008 خاضت روسيا حربًا قصيرة مع جورجيا وانتصرت وسيطرت على منطقتين كانتا تابعتين لجورجيا.

أصبح بوتين يشكل تهديدًا للغرب، بعد ضمم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، في فبراير 2014، لتفرض الولايات المتحدة والغرب الأوروبي عقوبات جديدة على روسيا.

وتحول بوتين إلى لاعب أساسي في الشرق الأوسط، بعدما شنت مقاتلاته غارات جوية على سوريا، ما قلب مجرى الصراع لصالح الرئيس بشار الأسد.

تطورت الأوضاع بشكل غير مسبوق، وأصبحت روسيا مدانة في التلاعب بنتائج الانتخابات الأمريكية لصالح تغليب كفة دونالد ترامب، الذي انتخب رئيسًا للولايات المتحدة في 2016.

وفي مارس 2018، فاز بوتين بشكل ساحق في إعادة انتخابه وتفويض البقاء في منصبه حتى عام 2024.

صورة 8

الندوب تظهر في وجهه

ذكرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في تقرير نُشر عبر موقعها الالكتروني منذ أشهر، أن قيصر روسيا، الذي التف الشعب حوله في الماضي، بدأت شعبيته في التلاشي.

أوضحت الشبكة الأمريكية، أن شعبية بوتين تتحدث عن نفسها، فعندما أصبح رئيسًا للوزراء، أشار مركز ليفادا سنتر، وهو مركز لاستطلاعات الرأي المستقلة، أن نسبة تأييده هي 31%، وبحلول مارس 2000، بعد توليه منصب الرئيس، وصلت شعبيته 84%، ولم تهبط بعدها عن 60% أبدًا.

بعد 20 عامًا من تولي بوتين منصبه، بدأت بعض "الندوب تظهر في وجهه"، رعالية، وفقًا لسي إن إن.

هزت روسيا موجات من التظاهرات منذ أشهر مضت، في الشوارع والميادين المختلفة بشأن الانتخابات البلدية، ما شكل -بحسب سي إن إن- تحديًا جديدًا للكرملين، وبخاصة بوتين.

وأوضحت الشبكة الأمريكية أن الاحتجاجات لا تشكل أي تهديد مباشر لاحتكار بوتين السلطة في روسيا، إلا أن المعارضة "المنقسمة"، تمكنت من توجيه دفة الشارع لتسليط الضوء على بعض السلبيات في حكم الرئيس.

وأكدت أن الشعب الروسي حاليًا مستاء من بقاء القيصر على رأس السلطة لفترات طويلة للغاية، وهو ما يمكن أن يكون قد أثر على شعبيته بشكل واضح.

ولفتت إلى أن النخبة السياسية في روسيا أدركوا جيدًا أن بوتين لا ينوي التخلي عن منصبه بسهولة، وهو ما بدا واضحًا في القضاء على خصومه السياسيين، وعدم ترك خليفة له.

التشاؤوم الذي أصاب الشعب الروسي، لاعتقادهم أن بوتين لن يتنحى من السلطة بعد العام 2024، وفقًا للقانون الروسي، وظنهم بأن بوتين سيتلاعب بالدستور ليبقى رئيسًا، جعل من شعبيته تتآكل أكثر فأكثر.

فيديو قد يعجبك: