مسلمو الإيغور.. جماعة انفصالية أم أقلية مُعرضة للإبادة؟
كتب - محمد صفوت:
تحتل أزمة مسلمي الإيغور مؤخرًا الصدارة في المجتمعات العربية والإسلامية، بعدما تسربت فيديوهات وصور تظهر تعذيب قوات الأمن في الصين لأقلية الإيغور المسلمة.
أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاج "الصين إرهابية"، للتعبير عن غضبهم ما وصفوه "إبادة الجماعية لمسلمي الإيغور" على يد السلطات الصينية.
هيئات حقوقية دولية ورموز فنية ورياضية عالمية دخلت على خط الأزمة، وأطلقت تصريحات ومبادرات لدعم مسلمي الإيغور.
ولكن من هم الإيغور؟
هي إحدى الطوائف المشكلة لمجتمع الصين الشعبية، وتعتبر واحدة من 56 طائفة يسكنون الصين، ويتمركزون بشكل عام في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم، والتي تعرف باسم شينج يانج لدى الإدارة المركزية الصينية، وتبلغ مساحتها سدس مساحة الصين.
تعتنق طائفة الإيغور الإسلام، إذ تعود أصولهم إلى الشعوب التركية التي سكنت آسيا، ويمثلون 45% من إجمالي سكان الإقليم، الذي اعتمد اقتصاده لقرون طويلة على الزراعة والتجارة.
في أوائل القرن العشرين أعلن الإيغور لفترة وجيزة الاستقلال، ولكن المنطقة خضعت بالكامل لسيطرة الصين الشيوعية العام 1949، وأعطى الإقليم نوعًا من الاستقلال الذاتي على غرار التيبت.
بداية الأزمة
أعلن الرئيس الصيني تشي جين بينج، ما أسماه بـ"حرب الشعب على الإرهاب"، في 2014، في أعقاب تفجير في محطة قطار نفذه مسلحون من الإيغور في أورومتشي عاصمة إقليم تشينج يانج.
كان هذا التفجير بعد ساعات من أول زيارة للرئيس إلى الإقليم.
وقال: "بناء جدران حديدية وقلاع... يجب أن يكون تركيزنا في نضالنا الحالي على المكافحة الصارمة لأنشطة العنف الإرهابية".
"انفصاليون"
في سبتمبر الماضي، ذكرت تقارير إعلامية أن الحكومة الصينية أمرت الإيغور بتسليم جميع المصاحف وسجاجيد الصلاة وكل المتعلقات بالدين الإسلامي، وإلا مواجهة العقوبة، حسبما ذكرت "إندبندنت" البريطانية.
وشملت القرارت الصينية وقتها ضد الإيغور، منع إطلاق اللحى وارتداء النقاب في الأماكن العامة، ومعاقبة كل شخص في الطائفة يرفض مشاهدة التلفزيون الرسمي.
وفي يوليو الماضي، علقت الصين على أزمة الإيغور، نافية أن يكون أصلهم من الشعوب التركية، مؤكدة أنهم أداة سياسية لجماعات إسلامية وانفصالية في الصين.
واتهمتهم الصين بمحاولة الانفصال عنها وتقسيم البلاد وتقطيع أوصالها بتشويه التاريخ والحقائق، زاعمة أن أصولهم لا تعود إلى الإسلام.
ودائمًا ما تنفي الصين، احتجاز مليون شخص من الإيغور في معسكراتها التي اعترفت بها في وقت سابق من العام الحالي، مؤكدة أن تلك المعسكرات لإعادة تأهيل سكان الإقليم والمتشديين منهم فقط، وأنها مراكز للتأهيل المهني في إطار سياستها لمحاكفة التطرف.
"وثائق الإبادة"
في منتصف نوفمبر الماضي، حصل اتحاد الصحفيين الاستقصائيين، على وثائق شملت 400 صفحة، من مصدر لم تكشف عنه، ونشرت تلك الوثائق في 17 وسيلة إعلامية مختلفة في العالم، كشفت حجم المعاناة التي يواجهها الإيغور في المعسكرات الصينية، ما أعاد إلى الأذهان تصريح لوزير العدل في إقليم شينج يانج عام 2017، حينما أشار إلى أن الهدف من المعسكرات هو "غسل الأدمغة، تطهير القلوب ودعم الصواب وإنهاء الخطأ".
تضمنت الوثائق المنشورة في وسائل الإعلام المختلفة، كتيب إرشادات المعسكرات، و4 نشرات بهدف كيفية استخدام التكنولوجيا لاستهداف الأشخاص، استجوابات لعشرات من الإيغور والكازاخ، والزيارات الصحفية للإقليم المراقبة بالأقمار الصناعية.
وبحسب الوثائق، فإنه في الوقت الذي كان الإيغور والكازاخ يُحتجزون في معسكرات، أنشأت الحكومة مئات المدارس ودور الأيتام من أجل تسكين وإعادة تعليم الأطفال. وبات الكثيرون ممن فروا إلى خارج البلاد، لا يعلمون أي شيء عن أطفالهم أو أحبائهم.
وتكشف الوثائق عن ما يسمى بمنع المشاكل قبل حدوثها من خلال مراقبة إلكترونية قوية لسكان الإقليم، فضلًا عن احتجاز العديد من الأشخاص الذين لم يرتكبوا أي شيء.
وتوضح الوثائق المسربة، أن نظام المراقبة الإلكتروني تسبب في اعتقال ما يقرب من 25 ألف من الإيغور في أسبوع واحد في يونيو 2017، بحجه أنهم مشبته بهم، وأرسل 15.6 ألفًا منهم إلى مراكز إعادة التأهيل أو التدريب، و706 آخرين إلى السجن، وبقى 2096 شخصًا قيد الإقامة الجبرية.
وتضمنت الوثائق تصريحات لمسؤولين محليون، كشفوا عن وجود ما يقرب من مليون إيغوري في معسكرات التدريب، في حين يقدر الباحثون أن 1.8 مليون شخص تم احتجازهم بشكل أو بآخر.
وتكشف الوثائق عما يحدث داخل المراكز، التي وصفتها الصين بأنها للتعليم والتدريب وإعادة التأهيل، إذ لا يسمح للمحتجزين بالمغادرة إلا في حالات المرض الشديدة ومرافقة شخصًا للمراقبة، كما لا يسمح للمحتجزين بالاستحمام أو قضاء حاجتهم إلا وفقًا لترتيبات صارمة من المسؤولين عن المعسكرات.
وبحسب الوثائق، فإن جزء من المنهج المقرر على المتجزين يتعلق بالأيدولوجية لتغيير تفكير وتصرفات الأشخاص، وهي طريقة مترسخة في المعتقدات الصينية القديمة التي تؤمن بالتحول من خلال التعليم، يعقب تلك المرحلة، ما يعرف بالتعليم السلوكي، إذ يركز المسؤولون عن المعسكرات على تعليم المحتجزين الحلق بشكل منتظم وتغيير ملابسهم بشكل منتظم، الذي يراه الخبراء بأنها فكرة نابعة من معقتدات الحكومة الصينية بأن الإيغور يميلون إلى العنف وبحاجة للتحضر بنفس الطريقة التي عامل بها المستعمر الأبيض السكان الأصليين في أمريكا وكندا وأستراليا.
يخضع المحتجزون لاختبارات في اللغة والأيديولوجية والانضباط، حيث هناك اختبار صغير أسبوعيا وآخر متوسط شهريا، وأخيرة الاختبار الأكبر مع كل عام. تدخل نتائج تلك الاختبارات في نظام قائم على النقاط.
يحصل المحتجزون أصحاب النقاط الأعلى على مزايا مثل زيارات عائلية وربما "التخرّج" ومغادرة المركز.
أما من يحصلون على درجات ضعيفة يتم إرسالهم إلى منطقة أكثر قيودًا ويقضون فيها فترات احتجاز أطول. ويقول محتجزون سابقون لأسوشيتد برس إن العقاب يشمل الحرمان من الطعام والتقييد بالأغلال والحبس الانفرادي والتعذيب والضرب.
ورغم ذلك تمسكت وزارة الخارجية الصينية برفضها الوثائق، واتهم المتحدث باسمها جينج شوانج "بعض وسائل الإعلام" بـ"تشويه جهود الصين في مكافحة الارهاب والتطرف في شينج يانج".
فيديو قد يعجبك: