قصة أسير فلسطيني أصابه السرطان وقتله "سجّان يتلذذ بالموت البطيء"
القاهرة – مصراوي:
أمام سجّان يعشق الموت ويتغذى على الآلام الفلسطينية، قضى الأسير سامي أبو دياك لحظاته الأخيرة في عيادة معتقل الرملة التابع لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
لا يحلم أحد أن تكون آخر ساعاته وهو يواجه الموت بين يدي عدو يعتقله ويتمتع بآلامه، وخصوصا حينما يكون سبب تلك الآلام مرض خبيث اسمه السرطان.
أبو دياك تحدث في رسالته الأخيرة التي خرجت من المعتقل، عن رغبته بأن يعيش أيامه الأخيرة بعدما تمكن منه المرض بين أحضان أمه وأهله، لكن لم يقبل الاحتلال له بأن يهنأ بلحظة سعادة قبل الموت.
تمكن المرض من جسد الأسير الفلسطيني مثلما تمكن الاحتلال من نفس الجسد، وأعلن نادي الأسير الفلسطيني في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء، رحيل سامي أبو دياك عن عمر ناهز 36 عامًا.
اتهمت المؤسسة المختصة بشئون الأسرى الاحتلال بقتل "أبو دياك" بالبطيء عبر منع العلاج والتعذيب الممنهج على مدار سنوات مضت، وذلك بحرمانه من العلاج أو تأخيره عنه، ليصبح الشاب آخر ضحايا الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال البالغ عددهم 222 شهيدًا.
أعلن الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية الحداد وامتنعوا عن استقبال وجبات الطعام لمدة 3 أيام، وقرروا ارتداء اللون الأسود عند الوقوف على العدد أمام جنود الاحتلال في السجن، والهتاف باسم رفيقهم بدلا من ذكر أسمائهم.
ويأتي ذلك بعد إعلان حالة الاستنفار والتكبير والطرق على أبواب الزنازين، بعد معرفتهم باستشهاد "أبو دياك"، لتغلق إدارة السجن كافة الأقسام خوفًا من مواجهة مع الأسرى.
آخر رسالة
أعلن نادي الأسير أن إدارة المعتقلات التابعة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، بدأت بقتل "أبو دياك" قبل حتى إصابته بمرض السرطان، موضحًا في بيان أن الإصابة بالمرض جاءت نتيجة خطأ وإهمال طبي متعمد، كجزء من إجراءات التعذيب التي تنفذها بحق الأسرى.
وبحسب وسائل إعلام فلسطينية، جاء نص آخر رسالة للأسير الراحل كالتالي: "إلى كل صاحب ضمير حي، أنا أعيش في ساعاتي وأيامي الأخيرة، أريد أن أكون في أيامي وساعاتي الأخيرة إلى جانب والدتي وبجانب أحبائي من أهلي، وأريد أن أفارق الحياة وأنا في أحضانها، ولا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين، وأمام سجّان يعشق الموت ويتغذى، ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا."
تعرض "أبو دياك" للمرض الخبيث في عام 2015، لخطأ طبي عقب خضوعه لعملية جراحية في مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي.
وبحسب بيانات نادي الأسير الفلسطيني، فقد تم آنذاك استئصال جزءً من أمعائه، وأُصيب جرّاء نقله المتكرر "بتسمم في جسده وفشل كلوي ورئوي، وعقب ذلك خضع لثلاث عمليات جراحية، وبقي تحت تأثير المخدر لمدة شهر موصولاً بأجهزة التنفس الاصطناعي، إلى أن ثبت لاحقاً إصابته بالسرطان".
وظل الأسير يقاوم السرطان منذ ذلك التوقيت إلى أن ارتقى صباح اليوم بعد معاناة لحوالي 4 سنوات من السرطان و17 عاما من الأسر في سجون الاحتلال.
ولد "أبو دياك" في بلدة سيلة الظهر في محافظة جنين، واعتقلته قوات الاحتلال في يوليو من عام 2002، بسبب أنشطته المقاومة للمحتل الإسرائيل، وحُكم عليه بالسجن المؤبد 3 مرات.
ولم يكن "أبو دياك" أول أسير فلسطيني يلفظ أنفاسه الأخيرة داخل سجون الاحتلال، فمنذ مطلع العام الجاري قُتل خمسة أسرى فلسطينيين.
ويقول نادي الأسير إن الاحتلال قتل الأسرى الخمسة عبر أدوات التعذيب الممنهجة وسياسات القتل البطيء التي نفذها على مدار سنوات بحقهم، سواء من خلال استخدام الحق بالعلاج كأداة لقتلهم، وذلك عبر المماطلة في تقديمه أو حرمانهم منه، أو من خلال التعذيب في فترة التحقيق واحتجازهم في ظروف قاسية، وكذلك عبر إطلاق النار المباشر عليهم أثناء الاعتقال.
"القتل البطيء"
اعتبرت السلطة الفلسطينية أن ما حدث بحق سامي أبو دياك "جريمة"، ضمن سياسة الموت البطيء التي تنتهجها حكومة الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين.
ونقلت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، إدانة الحكومة على لسان المتحدث الرسمي إبراهيم ملحم، الذي قال إن ما جرى بحق الأسير هو "اهمال طبي متعمد... وجريمة تخالف الشرائع والقوانين الدولية".
كما حذرت الرئاسة الفلسطينية من استمرار مسلسل القتل البطيء للأسرى في سجون الاحتلال، وحمّلت الحكومة الإسرائيلية مسئولية استشهاد "أبو دياك".
فيما أكدت منظمة التحرير أن الإهمال الطبي الذي أودى بحياة الأسير الفلسطيني هو "دليل آخر على خطورة الأوضاع في سجون الاحتلال، وظروف المُعتقَل الإسرائيلي، وما يعانيه الأسرى الفلسطينيون من أشكال التعذيب والإهمال الصحي المتعمد، وتلقيهم معاملة وحشية وقاسية على أيدي القائمين على السجون".
ونقلت "وفا" على لسان عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حنان عشراوي، قولها: "إن استشهاد أبو دياك يعد جريمة جديدة في سجل إسرائيل الحافل بالإجرام والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي وحقوق شعبنا، وان هذا السجل يتعاظم بتسارع؛ بسبب غياب المحاسبة، وصمت الأسرة الدولية على الانتهاكات المتصاعدة ضد الأسرى، وعدم مواجهة الرواية الإسرائيلية العنصرية التي تجردهم من إنسانيتهم، وتبرر اعتقالهم وتعذيبهم".
وأضافت أن إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال" تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية لهذه الجريمة، مطالبة مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة ومؤسسات حقوق الانسان "بأخذ دورها الطبيعي في تطبيق القوانين والاتفاقيات ذات الصلة، من أجل تطبيقها على الفلسطينيين وخاصة الأسرى، وتوفير حماية دولية لهم واتخاذ الإجراءات المنصوص عليها بمعاقبة كيان الاحتلال على جرائمه، وانتهاكاته المتواصلة.
أما وزارة الخارجية الفلسطينية فأكدت أنها سوف تتابع الأسير الراحل، مع المنظمات الأممية المختصة، وخاصة الجنائية الدولية، مشيرة إلى عملها على الإسراع في فتح تحقيق حول جرائم الاحتلال ومستوطنيه.
وشددت الخارجية على أن "استشهاد الأسير ابو دياك بهذه الطريقة الوحشية يفضح من جديد عمق الانحطاط الاخلاقي الذي يسيطر على مؤسسات الاحتلال، ويعكس حجم الاستهتار بحياة الانسان الفلسطيني، ويجسد من جديد عمق الاستخفاف الاسرائيلي بمبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات جينيف والقانون الإنساني الدولي".
فيما أدانت الجامعة العربية ما جرى بحق الأسير "أبو دياك" داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، وقال الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة بالجامعة العربية سعيد أبو علي في بيان إن الشهيد أبو دياك هو الشهيد الخامس هذا العام من شهداء الحركة الأسيرة الفلسطينية.
كما اعتبر أن ذلك يؤكد استمرار "النهج الإسرائيلي الإجرامي في اغتيال الأسرى وجرائم القتل البطيء المتعمد، والضرب بعرض الحائط بالمواثيق والقوانين الدولية والإنسانية".
فيديو قد يعجبك: