هل استطاعت تركيا تأمين حدودها بعد العدوان على سوريا؟
كتبت – إيمان محمود
يستعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 13 نوفمبر الجاري، لاستقبال نظيره التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض، بعد أسابيع فقط من شن تركيا هجومًا في سوريا على الأكراد - وهم حلفاء قديمون للولايات المتحدة في الحرب ضد إرهابيي داعش، لكن أنقرة تعتبرهم إرهابيين وتقول إنهم يهدون أمنها القومي.
وبينما تحوّل تركيز العالم الأسبوع الماضي إلى مقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي، في عملية أمريكية بشمال غرب سوريا، واصلت تركيا هجماتها على الأكراد، وعبّر أردوغان عن تصميم بلاده على مواصلة الحرب ضد الإرهاب في سوريا في أعقاب مقتل البغدادي، كما ذكرت إذاعة "صوت أمريكا" في تقرير نشرته على موقعها الإلكتروني.
وقال أردوغان في تغريدة الأحد عبر تويتر: "يمثل مقتل زعيم داعش نقطة تحول في قتالنا المشترك ضد الإرهاب"، في إشارة إلى مقتل البغدادي.
وأضاف: "ستواصل تركيا دعم جهود مكافحة الإرهاب - كما فعلت في الماضي. وبعد أن دفعت الثمن الأغلى في الحرب ضد داعش، والبي كيه كيه، والواي بي جي، وغيرها من المنظمات الإرهابية، ترحب تركيا بهذا التطور".
واعتقلت الشرطة التركية أكثر من 100 شخص يشتبه في صلتهم بتنظيم داعش منذ إعلان مقتل البغدادي.
لكن على الرغم من هذه الجهود، قال خبراء إن الجماعات المسلحة الكردية تظل محور أنقرة الرئيسي في عدوانها على سوريا.
وبدأت تركيا هجومًا عسكريًا في شمال شرق سوريا في 9 أكتوبر بهدف معلن هو تطهير المنطقة الحدودية التركية-السورية من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تسيطر على أغلب المناطق الحدودية.
وتُعد وحدات حماية الشعب (YPG) هي القوة الرئيسية داخل القوات الديمقراطية السورية (SDF)، التحالف الذي يقوده الأكراد والذي كان شريكا فعالا للولايات المتحدة في قتالها ضد جماعة داعش الإرهابية في سوريا.
ويقول المسؤولون الأتراك إن وحدات حماية الشعب هي امتداد لحزب العمال الكردستاني (PKK)وهي جماعة مقرها تركيا تعمل منذ عقود في صراع مسلح مع قوات الأمن التركية من أجل حقوق أكراد أكبر في تركيا.
وتم تصنيف حزب العمال الكردستاني كمجموعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
تركيا وأولويات الولايات المتحدة
يرى خبراء بأن الصراع السوري متعدد الأطراف دفع البلدان المُتدخلة إلى إعطاء الأولوية لأهدافها وإقامة تحالفات على أساس مصالحها الوطنية، بحسب "صوت أمريكا".
يرى آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في الخارجية: "السبب الجذري لهذه المشكلة برمتها هو أن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية يمثلان مشكلة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة، إنها مشكلة في إدارة التحالف، ولكنها ليست تهديدًا أمنيًا".
وقال شتاين: "بالنسبة لتركيا، فإن حزب العمال الكردستاني يمثل تهديدًا للأمن القومي، وإذا قمت بعكس ذلك، فإن داعش يمثل تهديدًا للأمن القومي للولايات المتحدة، وبالنسبة لتركيا، إنها مشكلة الشرطة".
فيما قال مايكل رينولدز، وهو أستاذ مشارك في دراسات الشرق الأدنى بجامعة برينستون، إن هناك خوفًا متزايدًا في تركيا من أن "حزب العمال الكردستاني/ووحدات حماية الشعب تستخدمان شمال سوريا كقاعدة أو منطقة آمنة يمكن أن يخوضوا منها صراعًا مسلحًا من أجل خروج الأتراك".
وأضاف لفويس أوف أمريكا: "هذا الخوف أو القلق ليس هوسًا غريبًا لدى أردوغان. إنه مشترك بين الأطياف السياسية التركية".
ممر الإرهاب
قال أردوغان مرارًا إن بلاده لن تسمح بوجود "ممر إرهابي" في شمال سوريا، في إشارة إلى المنطقة التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد السوريون منذ بداية الحرب الأهلية في سوريا عام 2011.
وكانت أنقرة تعارض دعم الولايات المتحدة لـ"وحدات حماية الشعب" منذ بداية الحرب على داعش في عام 2014، لكن في السنوات الأولى من الحرب السورية، كانت لتركيا أولويات أخرى، كما نقلت "صوت أمريكا" عن الخبراء.
وقال شتاين: "تركيا شعرت بالقلق إزاء الدعم الأمريكي المبكر لوحدات حماية الشعب، لكنها كانت أكثر تركيزًا مع الرئيس السوري بشار الأسد".
ومنذ بداية الحرب الأهلية في سوريا في عام 2011، كانت تركيا داعمًا رئيسيًا للمُعارضين المسلحين في سوريا الذين يسعون للإطاحة بنظام الأسد، لكن بما أن الأسد تمكن من استعادة السيطرة على جزء كبير من البلد الذي مزقه الحرب، بمساعدة روسيا وإيران، فتحولت أولويات تركيا إلى قبول قوات النظام السوري على الحدود الشمالية الشرقية لسوريا مع تركيا حتى تتخلص من وحدات حماية الشعب.
وفي أغسطس عام 2016، شنّت تركيا هجومًا عسكريًا للتخلص من وحدات حماية الشعب على أجزاء من المنطقة الحدودية التركية السورية. كانت هذه هي المرة الأولى منذ بداية النزاع السوري التي تتدخل فيها تركيا عسكريًا في سوريا.
وتمكنت القوات التركية والمسلحون السوريون المتحالفون معها من الاستيلاء على العديد من البلدات الحدودية التي يسيطر عليها كلا من داعش والأكراد.
ومع استمرار الحرب، شنّت تركيا هجومًا آخر على مقاتلي وحدات حماية الشعب في بلدة عفرين شمال غرب سوريا في يناير 2018، والتي كانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب منذ عام 2012.
يقول بعض المحللين إن الهجوم التركي الأخير في شمال شرق سوريا هو استمرار لسياسة أنقرة للتخلص من وحدات حماية الشعب من جميع المناطق الحدودية في شمال سوريا.
محادثات السلام
في عام 2013، أعلن حزب العمال الكردستاني وقفا لإطلاق النار في عملياته ضد القوات التركية، والتي أعقبتها مفاوضات بين الأكراد والحكومة التركية.
ويرى الخبراء إن تلك المحادثات كان لها تأثير مباشر على الطريقة التي تنظر بها تركيا إلى الجماعات السورية الكردية التي لها علاقات بحزب العمال الكردستاني، بحسب فويس أوف أمريكا.
اليزا ماركوس مؤلفة كتاب الدم والإيمان: حزب العمال الكردستاني والنضال الكردي من أجل الاستقلال، قالت إنه عندما كانت تركيا تجري محادثات سلام مع حزب العمال الكردستاني، التقى صالح مسلم -زعيم كردي سوري في وحدات حماية الشعب- مع المسؤولين الأتراك، وكانت الحدود بين البلدين مفتوحة وقتذاك.
وأضافت: "لكن الذراع السياسي تم تشكيلها من قبل حزب العمال الكردستاني قبل أكثر من عقد، ومع ذلك، كان من المفترض دائمًا أن تكون هناك مجموعة تركز على وضع الأكراد السوريين على وجه التحديد، وأنها كانت تعمل فقط داخل سوريا وبناء حكم ذاتي للأكراد السوريين وغيرهم".
واستطردت: "كانت وحدات حماية الشعب منفتحة دائمًا حول رغبتها في علاقات جيدة مع تركيا وعملت على ضمان أن تكون الحدود هادئة".
ماذا بعد..؟
بعد انسحاب القوات الأمريكية من أجزاء من شمال شرق سوريا، تواصل الأكراد السوريون مع روسيا للمساعدة في محاولة لوقف العدوان التركي عليهم، وتمكنت روسيا من إبرام صفقة مع تركيا الأسبوع الماضي، من خلالها يقوم الجانبان بدوريات مشتركة لضمان إبعاد وحدات حماية الشعب عن المنطقة الحدودية.
بغض النظر عن كيفية تطور الوضع في شمال شرق سوريا ، فإن تركيا مصممة على مواصلة محاربة الأكراد السوريين ، كما يؤكد الخبراء.
وقال المحلل رينولدز: "اللعبة النهائية بالنسبة لأنقرة تقضي بمنع توازن وحدات حماية الشعب، وتمنع الأكراد من إقامة أي شيء قد يشبه نواة دولة كردية مستقلة أو ملاذ آمن".
فيديو قد يعجبك: