كيف وحّد العدوان التركي على سوريا "المُتنافسين" في الشرق الأوسط؟
كتبت – إيمان محمود
بعدوانه على شمال سوريا، حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ما اعتقد الكثيرون أنه مستحيل؛ بعد أن توحدت دول الشرق الأوسط والقوى الدولية المُتنافسة في المنطقة، على أمر واحد: معارضة العدوان التركي الذي اعتبروه خطوة متهورة ومُزعزعة للاستقرار.
ترى صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن أردوغان الذي كان قوميًا شعبيًا مشاكسًا وله ميول ديكتاتورية، قدّم نفسه كرجل واحد يقف ضد العالم كله خلال 16 عامًا متتاليًا منذ كان رئيسًا لوزراء تركيا، واليوم؛ يقف بمفرده بالفعل.
تقول الصحيفة، إنه حتى الآن، القتال على الحدود التركية-السورية محدود لكن الوضع قد يتغير بسرعة وفي أي لحظة.
وحذّرت المجموعة الدولية للأزمات من أنه في حال تكثيف العدوان التركي على سوريا، فإن أنقرة ستُتاح لها الفرصة للتوسع نحو المناطق المُكتظة بالسكان، وهو ما يُمكن أن يؤدي إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، وتشريد العديد من السكان وزيادة التمرد المحلي.
وفي الوقت الذي يعبر فيه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وإيران والدول العربية، عن اعتراضاتهم المختلفة على العدوان التركي، يحاول كل منهم في الوقت ذاته التكيف معه، والبحث عن ميزة أو موازنة النفوذ في سوريا مُجددًا، على حدّ قول الصحيفة.
أكدت الصحيفة أن أردوغان توقّع رد فعل أوروبا العدائي، لكن ردّه كان التهديد بإرسال 3.6 مليون لاجئ سوري إلى الغرب، مُشيرة إلى أن أردوغان يعلم جيدًا أن الاتحاد الأوروبي لا يترجم أقواله إلى أفعال كما أن أردوغان لا ينزعج من دعوات تعليق عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتتراجع علاقة تركيا مع أوروبا بسبب سجلها السيء في مجال حقوق الإنسان وإحباط محاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، واعتبرت الصحيفة أن القادة الأوروبيون يدفعون الآن ثمناً باهظاً للمحاولات السابقة للتطبيع مع حكم أردوغان الاستبدادي.
واستطردت: "تصرفات أردوغان الأخيرة تثبت أنه ليس ديمقراطيًا ولا حليفًا ولا صديق".
وفي حين لا تمتلك أوروبا تأثيرًا كبيرًا فيما سيحدث في الفترة المُقبلة، فإن الولايات المتحدة لديها الكثير لتفعله، لكن يبدو أنها مصممة على عدم التدخل والتخلص من هذا الدور، بحسب الجارديان التي أشارت إلى بيان البيت الأبيض الصادر يوم 6 أكتوبر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تسرّع في موافقته على غزو أردوغان دون استشارة حلفائه، وسهل له الغزو من خلال سحب القوات الأمريكية البريّة.
وصفت الصحيفة قرار ترامب بسحب قواته من سوريا بـ"الكارثي"، قائلة إنها خانت الأكراد، رفاقها في القتال ضد داعش، وتخلت عن سوريا لروسيا وإيران، خصوم أمريكا والداعمون الرئيسيون لنظام الأسد "مُتجاوزًا ثماني سنوات من الإخفاقات السياسية الامريكية بعد الربيع العربي"، على حدّ قول الصحيفة.
وأشارت إلى أن الروس سيكونون سعداء؛ فبعد كل شيء، كان طرد الولايات المتحدة من سوريا (والشرق الأوسط) هو هدف طويل الأمد بالنسبة إليهم، لكن رد فعل موسكو على العدوان التركي كان رافضًا إلى حد كبير، كما كان الحال بعد تدخل تركيا في محافظة إدلب العام الماضي.
أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قواته إلى سوريا في عام 2015، وراهن على فوز بشار الأسد في الحرب الدائرة منذ عام 2011، لكن الصحيفة ترى أن الفوز في سوريا أثبت أنه بعيد المنال، في حين ارتفعت التكاليف السياسية والمالية.
أكدت الصحيفة البريطانية أن خطوة أردوغان الأخيرة زادت من الأزمة في سوريا تعقيدًا من خلال عرقلة التسوية السياسية التي ترعاها روسيا وإيران وتركيا من خلال محادثات أستانا.
وبعد تخلي الولايات المتحدة عن الأكراد، دخلت روسيا على الخط للدفع باتفاق بين القوات الكردية والأسد، يقضي بدفاع مُتبادل مع نوع من الترتيبات الفيدرالية، ولهذا السبب تتجه القوات الحكومية السورية والميليشيات الموالية لإيران نحو المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، إذ يرى الرئيس السوري فرصة لاستعادة أراضيه المفقودة وما اعتبرها أردوغان في السابق "المنطقة الآمنة".
أما إيران، فهي أيضًا غير سعيدة بالعدوان التركي لأسباب مختلفة؛ فرغم أنها تريد رحيل الأمريكيين ولا تحب الأكراد وتعتبر الأكراد الذين يعيشون على أرضها "أقلية مُزعجة"، إلا أن العدوان التركي بالنسبة إليها يهدد آمالها في السيطرة على ممر إقليمي شمالي يربطها بحلفائها الشيعة في لبنان.
ولفتت الصحيفة إلى أن إيران لا تريد مواجهة انتفاضة سُنيّة أخرى في سوريا والعراق، بعد الكفاح من أجل إقامة حكومة موالية لطهران، يسيطر عليها الشيعة في بغداد ما بعد عام 2003.
المحلل الإقليمي بلال بالوش، قال إن "انسحاب الولايات المتحدة سيشعل المخاوف في إيران من تمرد سني مجلف من خلال دولة إسلامية ناشئة (داعش)".
وقالت الصحيفة، إن المخاوف بشأن عودة تنظيم داعش الإرهابي -وهو أمر مُتوقع بفضل العدوان التركي- شائعة بين جميع اللاعبين الإقليميين، وتحول الأمر لتصبح الولايات المتحدة وإيران والسعودية، الذين كانوا على شفا الحرب قبل بضعة أسابيع، تقفن اليوم على نفس الجانب.
وأضافت أن القادة العرب يرفضون دعم أردوغان لجماعة لإخوان المسلمين وأفكاره العثمانية الجديدة حول الهيمنة الإقليمية التركية.
فيديو قد يعجبك: