الحلم الإثيوبي اصطدم بـ"وادٍ عميق".. لماذا تأخر بناء سد النهضة؟
كتبت- رنا أسامة:
تتضارب تصريحات المسؤولين الإثيوبيين حول أسباب تأخّر إنجاز مشروع سد النهضة، الذي أُرجئ موعد إتمامه 3 مرات منذ وُضِع حجر الأساس له في أبريل 2011، وارتبطت الأسباب تارةً بفساد شركة المقاولات السابقة المسؤولة عن المشروع (ميتيك)، وتارةً أخرى بإجراء تعديلات جديدة في التصميم واكتشاف "وادٍ عميق" عرقل عملية البناء.
كان من المُخطط إتمام بناء السد في غضون 5 سنوات 2011 ليُصبح جاهزًا في 2016، ثم أُرجئ موعد إنجازه إلى نهاية 2018، حتى مدّدت إثيوبيا الموعد الزمني المُحتمل لإكماله لـ4 سنوات إضافية ليخرج إلى النور في 2022.
"الوادي العميق"
وفي أحدث تصريح رسمي إثيوبي، قال مُدير المشروع المهندس كفلي هورو، إن المشكلة الأساسية لتأخّر بناء السد 3 سنوات عن موعده المُحدّد تتمثّل في "وجود وادٍ عميق خلال تغيير مجرى المياه".
وأوضح في مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية (إينا)، أنه كان يُفترض أن ينتج السد الطاقة باستخدام توربينين في 2014 (عام 2006 حسب التقويم الإثيوبي)، ولكن وجود وادٍ عميق أخّرنا إلى 2017 (عام 2009 حسب التقويم الإثيوبي)".
وأعلنت إثيوبيا، مطلع العام، بدء إنتاج الطاقة من السد أواخر 2020 على أن يبدأ التشغيل الكامل بنهاية 2022، في إطار خطواتها لتسريع عملية البناء.
كانت إثيوبيا أعلنت في وقت سابق من العام الماضي أنها ستبدأ إنتاج الكهرباء من اثنين من توربينات السد الـ16 بنهاية 2018، بقوة تصل إلى 6 آلاف ميجاوات، لكن تغييرات جرت على تصميم السد تسبّبت في تأخير الأعمال الكهروميكانيكية.
وأُنجِز نحو 66 بالمائة من عمليات بناء السد إلى الآن. وكشف وزير المياه والري الإثيوبي، خلال تقديمه تقريرًا حول بناء السد إلى مجلس النواب مطلع العام الجاري، أن "مستوى الأداء على صعيد الأعمال المدنية لبناء السد وصل إلى 82 بالمائة، فيما بلغ أداء الأعمال الكهروميكانيكية 25 بالمائة".
وأوضح أنه تم شراء مولّد طاقة و9 توربينات، وصل بعضها إلى موقع بناء السد، والبعض الآخر متواجد في الميناء، وفق وكالة الأنباء الإثيوبية.
وذكر أن الأولوية خلال المرحلة الحالية تتمثل في إنتاج الطاقة من السد في غضون عامين بقوة 750 ميجاوات، مع العمل على استكمال المشروع بالكامل بحلول 2022.
فساد "ميتيك"
وأرجع وزير المياه والري الإثيوبي أسباب تأخر إنجاز السد إلى فساد شركة "ميتيك" وعدم امتلاكها الخبرة اللازمة لإدارته، فضلًا عن أن "الخطة التي وُضِعت لإنهائه خلال 4 سنوات لم تكن حقيقية أو موفّقة".
كانت الشركة قد تلقّت ما يزيد عن 16 مليار بِر إثيوبي، من أصل 25.58 مليارًا محددة للمشروع، ولكنها أتمت 30 بالمائة فقط من العمل فيما كان من المُفترض إنجاز 56 بالمائة من الأعمال الإلكتروميكانيكية بالمشروع، بحسب تصريح سابق لرئيس شركة الكهرباء والطاقة في إثيوبيا، أبراهام بيلاي.
جاء ذلك بعد أشهر من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن "سد النهضة قد لا يرى النور"؛ لإخفاق "ميتيك" في القيام بالأعمال الهيدروميكانيكية وتوفير المعدات الكهروميكانيكية للسد، بما في ذلك التوربينات المطلوبة.
وفي 13 نوفمبر الماضي، أُلقي القبض على المدير التنفيذي السابق للشركة على خلفية الاشتباه في تورّطه في عمليات فساد وإساءة استخدام للسلطة، الأمر الذي أفضى إلى تأخير إنجاز السد.
وفي وقت سابق من العام الماضي، أرجع هورو سبب تأخّر إنجاز المشروع إلى "تغييرات جرت على تصميم السد، أدت إلى تأخير الأعمال الكهروميكانيكية".
وتوقّعت إثيوبيا الانتهاء من أعمال بناء السد في 2022، وقدّرت خسائرها بسبب التأخير بنحو 800 مليون دولار أمريكي. وقال مدير مشروع السد، في ديسمبر الماضي، إن عام 2022 سيشهد اكتمال المشروع.
ووعد المدير التنفيذي لشركة الكهرباء الإثيوبية، المهندس أبراهام بلاي، أن يتم الانتهاء من المشروع وفق الجدول الزمني الموضوع له. وقال إن الشركة ستكمل بناء جميع أعمال الهياكل الفولاذية الهيدروليكية في السد في شهر يونيو 2012 (حسب التقويم الإثيوبي)، والذي يوافق أواخر 2021 (حسب التقويم الميلادي).
ملء الخزان
وفي السياق ذاته، أوضح هورو أن ملء الخزان سيتم وفقًا للاتفاقية مع دولتيّ المصب (مصر والسودان). وبسؤاله في شأن ضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة، شدّد المهندس الإثيوبي على ضرورة تأسيس إدارة قوية للمشروع، واختيار الشركات المتعاقدة عبر الدراسة، ومتابعة العمل بشكل يومي.
وحول تأثير التشاور الثلاثي حول ملء خزان السد على عملية البناء، أوضح المهندس الإثيوبي أن "له علاقة مع إكمال البناء بل علاقته مع إنتاج الطاقة، وأن ملء الخزان سيتم وفقًا للاتفاقية مع دول المصب.
وأشار هورو إلى أنه تم ملء 8 مليون متر مكعب من الخرسانة من إجمالي 10.4مليون متر مكعب، وأن الأعمال المدنية تجري وفقا للخطة السابقة.
وتتركّز نقطة الخلاف بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) على مدة التخزين وآلية تشغيل السد وضمان حقوق مصر التاريخية في المياه والمُقدّرة بحوالي 55.5 مليار متر مكعب.
وتطلُب مصر أن يقتصر ملء السد، الذي أنجزت إثيوبيا 66 بالمائة من عملية بنائه، على فترات فيضان النيل ويتوقف الملء خلال فترات الجفاف، وهي نقطة يرفضها الجانب الإثيوبي.
ويقع السد على ضفة النيل الأزرق، على بُعد حوالي 20 كيلومترًا من الحدود السودانية، بسِعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب، بما قد يؤثر على حصة مصر المائية التي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب.
في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضروري لتطوير البلاد، وتؤكد أن له منافع لجميع الدول بما في ذلك دولتا المصب، مصر والسودان.
هل ينهار السد؟
وحول التقارير الإعلامية المُتداولة حول انهيار المشروع لوقوعه في منطقة الزلازل، أجاب هورو في مقابلته مع وكالة الأنباء الإثيوبية: "البناء تم بعد دراسة طويلة، والمنطقة لم تشهد زلزالاً من قبل".
وتابع: "المياه بالنسبة إلينا بمنزلة نفط وموارد أعطانا الله إياها، ولا نرغب في أن يقع ضرر على أشقائنا وأصدقائنا، وهم يعرفون ذلك حق المعرفة".
وفي آخر تصريح له حول السد، أكّد رئيس الوزراء الإثيوبي أن البناء يجري على قدمٍ وساق وبنشاط مُستمر ليجري الانتهاء منه كما تم البدء فيه، بالتعاون مع الدول الشقيقة.
وتابع "من خلال إكمالنا هذا المشروع، سنُعلّم أبناءنا القدرة على تنفيذ مشروعات كبيرة مثل سد النهضة"، مُطالبًا جميع الإثيوبيين بدعم هذا المشروع القومي والسيادي.
وأوضح آبي أحمد أن محاسبة المسؤولين الذين تلوثت أيديهم بالفساد ستجري خلال فترة عاجلة. وذكر آبي أن "بناء السد يجري بالتشاور مع الدول الشقيقة مثل دول المصب".
فيديو قد يعجبك: