على حدود الحلم.. "ملائكة" ضد ترامب وجداره: لا للموت والترهيب (حوار)
كتب – محمد الصباغ:
وصل نهاية العام الماضي إلى الحدود المكسيكية حوالي 5 آلاف مهاجر من أمريكا الوسطى، باحثين عن سبيل إلى الوصول نحو الولايات المتحدة، الدولة التي اعتادت فتح أذرعها استقبالا للمهاجرين على مدار السنين.
بوصولهم إلى الحدود وبالتحديد مدينة تيخوانا المكسيكية التي تواجهها على الجانب الآخر بالولايات المتحدة مدينة سان دييجو، شعر الرجال والنساء من مختلف الأعمار بالسعادة، فهم على بعد خطوات من تحقيق حلمهم.
لكنهم وجدوا الواقع مختلفًا، وبدلا من السماح لهم بالعبور وبحث إمكانية منحهم الإقامة في الولايات المتحدة كما اعتادت قوافل مشابهة، قرر الجالس الجديد بالبيت الأبيض مواجهتهم ومنعهم من العبور إلى الداخل الأمريكي.
وصفهم الرئيس دونالد ترامب بغير الشرعيين الذين سينشرون الجريمة والمخدرات في الولايات المتحدة، ويواصل السعي بجدية منذ وصوله إلى الحكم من أجل بناء الجدار الحدودي الذي وعد به مناصريه، من أجل منع المهاجرين.
وجد هؤلاء أنفسهم في المدينة المكسيكية دون سبيل إلى العبور إلى الولايات المتحدة، ليبدأ كثير منهم في التأقلم على الحياة على الحدود سواء بالعمل في المكان الذي ينتظر دوره في التدقيق من أجل الدخول إلى أمريكا، أو محاولات العبور الجماعية التي تواجهها السلطات الحدودية الأمريكية بقنابل الغاز والطلقات المطاطية.
"ملائكة الحدود"
وحول ظروف حياة هؤلاء المهاجرين على الحدود الأمريكية، تواصل "مصراوي" مع رئيس منظمة "ملائكة الحدود" أو "Border angels" الأمريكية، التي تعمل على مساعدة هؤلاء المهاجرين ومنحهم سبل أفضل للبقاء في ظل وجودهم على الحدود الأمريكية دون طعام أو مأوى.
وقال إنريكي مورونيز، مدير المنظمة الإنسانية، في اتصال هاتفي من مقر عمله بمدينة سان دييجو الأمريكية، إن هناك مراكز تستقبل هؤلاء المهاجرين ومن بينهم "ملائكة الحدود"، لكن مع زيادة الأعداد تسوء الظروف وأوضاع الحياة اليومية.
وأشار أيضًا إلى أن القوات الأمنية على الحدود الأمريكية تواجه هؤلاء الراغبين في دخول أمريكا بالقوة وتطلق عليهم قنابل الغاز والطلقات المطاطية.
كما أبرز إنريكي أنه من الطبيعي في الولايات المتحدة أن يتم السماح لهم بالعبور ثم النظر فيما إذا كانوا مؤهلين للحصول على الإقامة أم لا، لكن ما يحدث هو مواجهتهم ومنعهم من العبور بالاعتداء عليهم، دون التفكير فيما إذا كان هذا الشخص مؤهل لدخول الولايات المتحدة أم لا.
"كل هذا بسبب ترامب"
ولا يزال آلاف المهاجرين في تيخوانا بانتظار تقديم طلبات الحصول على تأشيرة دخول إلى أمريكا، فيما لم يتم بعد تفعيل التحول في السياسة الأمريكية في نوفمبر بما يُلزم طالبي اللجوء بالبقاء في المكسيك أثناء معالجة مطالباتهم.
وتابع إنريكي حديثه: "كل ذلك بسبب ترامب"، مضيفًا أن الأزمة بدأت منذ عامين مع وجوده في البيت الأبيض بجانب سيطرة الجمهوريين على الكونجرس.
يذكر أن الولايات المتحدة أسست مراكز لاحتجاز من يتم القبض عليه من المهاجرين الذين يحاولون العبور إلى الولايات المتحدة ويواجهون السلطات.
وأعلنت إدارة الجمارك وحماية الحدود وفاة طفل في الثامنة من عمره وهو مهاجر من جواتيمالا، في ثاني حالة لوفاة طفل من نفس الدولة وهو في عهدة السلطات الأمريكية خلال شهر ديسمبر.
وتعمل "ملائكة الحدود" منذ حوالي 30 عامًا، وتقول إن مهمتها تقليل أعداد الضحايا على الحدود، بجانب تقديم الدعم لهؤلاء لمهاجرين بشكل يومي.
وصرح الرئيس الأمريكي قبل أيام عبر حسابه بموقع تويتر بأن الوضع على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة كارثي، وأشار إلى وجود أزمة إنسانية يجب مواجهتها. وألقى باللوم في حديثه على الديمقراطيين الذين يرفضون تمويل بناء الجدار الحدودي.
لكن المدير التنفيذي لـ"ملائكة الحدود" صرح بأنه يعيش في سان دييجو "نحن على الحدود تمامًا، على بعد مسافة قصيرة من القافلة التي تريد أن تدخل الولايات المتحدة".
وأضاف: "ترامب يحاول خلق صورة لأزمة كبيرة على الحدود لأنه يريد بناء هذه الجدار. الموقف حزين جدًا لأن ترامب يكذب حول المعاناة، فالمهاجرين يتم استخدام الطلقات المطاطية وقنابل الغاز ضدهم. يموت الناس هنا، لقي طفلان مصرعهما في نيومكسيكو. يتم ترويع هؤلاء الأشخاص. لكن الأزمة الوحيدة هي وجود ترامب في البيت الأبيض".
وأكمل حديثه: "هو يريد تبرير بناء الجدار بالحديث عن أزمة إنسانية على الحدود".
"الهجرة لن تتوقف"
وبحسب تقرير براديو أمريكا الوطني، فإن الكثير من مواطني هندوراس الذين قدموا مع القافلة القادمة من وسط أمريكا، قرروا البقاء في مدينة تيخوانا المكسيكية، آخر نقطة على الحدود قبل دخول أمريكا.
وأشار التقرير إلى أن المكسيك بالفعل أصدرت حوالي ألفي تأشيرة إقامة من أجل السماح لهؤلاء المهاجرين بالعمل بالمدينة التي تتوتر فيها الأحداث على ساحل المحيط الهادي.
وبالفعل بدأ الكثير منهم يعملون في صالونات الحلاقة ومحال الملابس والمزارع. وصرح محام محلي مكسيكي حول المهاجرين للراديو الأمريكي: "لا مشاكل لنا معهم. هناك عمل بالمدينة لكل قادر على العمل".
وصرح لنفس الإذاعة سانتوس جوميز، مهاجر من هندوراس، بأنه يعمل في أحد المنظمات الإنسانية التي تجهز الوجبات لمئات المهاجرين على الحدود، مضيفًا أن وظيفته غسل الصحون.
وفيما يبدو أن النهج الذي يتبعه ترامب قد نجح، فقد قرر جوميز وغيره البقاء في المكسيك وعدم العبور إلى أمريكا، خشية سجنه.
يرى إنريكي مورونيز أن ما يفعله ترامب لن يُجدي وأن الأمور ستتغير مع سيطرة الديمقراطيين على الكونجرس، وقال: "حاول (ترامب) الحصول على تمويل للجدار منذ بداية حكمه لكن لم يقدر على فعل ذلك، ومع خسارة الكونجرس لصالح الديمقراطيين، يجد صعوبة أكبر في تمويل بناء الجدار الحدودي".
وأشار أيضًا، في حديثه لمصراوي، إلى أن القافلة الحالية من المهاجرين وقادمة من أمريكا الوسطى، أمر يتكرر منذ زمن طويل بشكل عام حول العالم، "الأشخاص يبحثون عن الأمان. يحدث ذلك دائمًا وسيستمر في الحدوث".
وحول فكرة التحرك الجماعي وتكوين تلك القوافل قال: "الناس يهاجرون في أعداد كبيرة بحثا عن الأمان، هاربين من الخطر سواء كان حربا أهلية أو مجموعات مسلحة أو الجوع في بلدانهم الأصلية".
وتابع: "هؤلاء يجب أن يتم السماح لهم بالدخول إلى الولايات المتحدة، يهربون من الجوع وهو أمر لا يمكن غض الطرف عنه".
ونقلت صحيفة واشنطن بوست، الأحد، عن كارين فالاداريس المديرة التنفيذية للمنتدى الوطني للهجرة في هندوراس، قولها إنها على علم بالترتيبات القائمة لقافلة جديدة تتحرك هذا الشهر من بلادها بأمريكا الوسطى نحو الولايات المتحدة.
وأضافت: "يغادر الأشخاص في مجموعات لأنهم يشعرون بالأمان بدرجة أكبر، ويجدون التضامن ولا يتولد الخوف لديهم من فكرة أن يصبحوا ضحايا لعصابات الجريمة المنظمة".
ماذا لو تم بناء الجدار بالفعل؟
يرى مدير منظمة "ملائكة الحدود" أن بناء الجدار الحدودي لن يؤثر بشكل كبير على المهاجرين، وقال: "هناك 11 مليون مهاجر غير موثق في الولايات المتحدة. أكثر من نصفهم جاءوا بتأشيرة دخول سواء من أوروبا أو آسيا، سواء للعمل أو الدراسة أو السياحة. انتهت مدة التأشيرة لكنهم إلى الآن في أمريكا. لن يمثل الجدار أي شيء بالنسبة لهؤلاء".
وتابع الحديث: "أما النصف الآخر، لم يكونوا مؤهلين للحصول على التأشيرة. ولذلك يتحركون من أعلى الجدار أو يلتفون حوله أو عبر المحيط أو حتى باستخدام الفساد في السلطات الحدودية من أجل الدخول إلى الولايات المتحدة".
لو تم بناء جدار بطول الحدود، بحسب إنريكي "يستغرق المهاجر حالياً 60 ثانية لعبور الجدار، لو تم زيادة طوله ربما يستغرق وقتًا أطول فقط. ما أقصده هو أن المهاجرين سيجدون حلولا دائمًا حتى لو تم بناء هذا الجدار".
يرى مدير المنظمة الإنسانية أن ترامب يريد بناء الجدار من أجل الحفاظ على مناصريه، وتنفيذ وعده الذي قال فيه إن المكسيك سوف تدفع لبناء الجدار، "لكن المكسيك لن تفعل ذلك".
ولفت أيضًا إلى أن الرئيس الأمريكي يريد إلهاء الناس عن أزمته والتحقيقات الداخلية حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.
فيديو قد يعجبك: