كيف كبّدت طالبان الولايات المتحدة خسائر تقدر بترليون دولار؟
لندن (بي بي سي)
قالت مجلة فوربس الأمريكية إن الحرب في أفغانستان كلفت الولايات المتحدة حتى الآن نحو تريليون و70 مليار دولار، إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أمريكي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة.
ورغم كل هذه التكلفة الإنسانية والمالية الكبيرة فشلت الولايات المتحدة في القضاء على الحركة وبدأت تجري مفاوضات مباشرة معها بهدف التوصل إلى تفاهم ما بحيث يمكنها وضع حدا لهذا النزيف المالي والبشري المستمر ومغادرة افغانستان.
الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأمريكية عن السيطرة الفعلية على الأرض حسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تشير إلى سيطرة الحكومة الافغانية على 58 في المئة من أراضي البلاد وطالبان على 20 في المئة أما 22 في المئة هي مناطق متنازع عليها. وشككت الصحيفة بهذه الأرقام وقالت إن بعض الولايات التي تقول الحكومة إنها تسيطر عليها، عمليا هي خارج سيطرتها ما عدا مراكز الولايات.
وحسب تقديرات وزارة الدفاع الامريكية يتراوح عدد مقاتلي طالبان ما بين 20 إلى 40 ألف شخص يحملون السلاح مقابل 350 ألفا عدد أفراد الجيش وقوات الأمن الأفغانية.
تساؤلات
واستطاعت طالبان أن تحتفظ بقوتها وتصمد كل هذه الفترة رغم أن عدد القوات الأمريكية و حلف شمالي الأطلسي التي تم نشرها في أفغانستان لدعم القوات الحكومية وصلت في مرحلة ما إلى 140 ألف جندي مدعومين باحدث الأسلحة وموارد مالية لا محدودة.
وتراجع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان في الوقت الراهن إلى أقل من 14 ألف جندي، ويقتصر دورها على التوجيه والتدريب غالبا، بينما تتولى القوات الأفغانية تنفيذ معظم المهام القتالية.
أثارت المعارك الأخيرة بين طالبان والجيش الأفغاني في قندوز والتي أدت إلى مقتل المئات من الجنود وسيطرة طالبان على المدينة، العديد من التساؤلات حول قدرة الجيش الأفغاني في الدفاع عن المناطق التي يسيطر عليها ومسك الأرض في غياب الدعم العسكري للقوات الامريكية، رغم صرف عشرات المليارات على تدريب وتجهيز هذه القوات.
وترفض الحركة مناقشة عملية السلام أو المصالحة مع الحكومة الحالية وترفض حتى التفاوض معها وتصر على إجراء مفاوضات مع الجانب الأمريكي لبحث إنسحاب القوات الامريكية وغيرها من افغانستان.
ويتهم القادة العسكريون الأمريكيون في افغانستان روسيا بدعم طالبان وتقديم السلاح لها رغم العداء التاريخي بين الطرفين في إطار الصراع بين روسيا وأمريكا، مما يعيد إلى الذاكرة بعض ذكريات الحرب الباردة بين الطرفين، وتطبيقا لمبدأ "عدو عدوي صديقي".
فقد صرح قائد القوات الأمريكية في افغانستان الجنرال جون نيكولسون لبي بي سي في شهر أبريل الماضي ألى أن الاسلحة الروسية تهرب عبر طاجكستان إلى حركة طالبان.
وقال إن روسيا تبالغ في عدد مسلحي "الدولة الاسلامية" في أفغانستان لتبرير تسليح طالبان، حيث تتكرر المواجهات بين الحركة ومسلحي الدولة الاسلامية، وهو يعني اسباغ نوع من الشرعية على طالبان وبالتالي تبرير تقديم الدعم لها حسب قوله.
وكان نيكولسون قد اتهم روسيا وايران أواخر عام 2016 باقامة اتصالات مع طالبان ومنحها نوعا من الشرعية.
لكن وزير الدفاع الامريكي السابق جميس ماتيس أعلن أمام الكونغرس في مايو 2017 أن الأدلة المتوفرة عن مستوى الدعم الروسي لطالبان لا قيمة لها.
لكن بعد ذلك بشهرين فقط كرر وزير الخارجية الامريكي ريكس تليرسون الاتهام لموسكو بتقديم أسلحة لطالبان.
لكن دعوة موسكو مؤخرا لطالبان للمشاركة في مفاوضات السلام حول افغانستان والمقررة في 4 سبتمبر 2018 في العاصمة موسكو تشير إلى تنامي الاتصالات بين الطرفين وتحولاً في موقف الحركة وميلها نحو البراغماتية السياسية.
أما إيران التي باتت تخضغ لعقوبات امريكية متزايدة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وحتى تهديدها بحرمان طهران من تصدير النفط، أهم مصادر الدخل، فلن تتوانى عن محاولة لعب الأوراق التي بيدها ضد واشنطن ومن بينها ورقة طالبان.
إعادة تنظيم
بعد انهيار حكم طالبان عام 2001 مع الغزو الأمريكي انسحب مقاتلو الحركة إلى الاراضي الباكستانية، مسقط رأس الحركة، بسبب الترابط القبلي على طرفي الحدود بين البلدين، فأعادت تنظيم نفسها وبدأت بشن حرب عصابات مستمرة منذ ذلك الوقت. ولا توجد مؤشرات على قرب نهاية هذا التمرد وهو الأطول الذي تواجهه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الفيتنامية اواسط سبعينيات القرن الماضي.
ويرى بعض الخبراء المختصين بالشأن الأفغاني إن الحركة قادرة على الاستمرار في هذا النوع من التمرد وشن حرب عصابات ضد القوات الأمريكية إلى ما لا نهاية والحركة في وضع أفضل في الوقت الراهن وتحقق المزيد من المكاسب على أرض المعركة ضد القوات الحكومية رغم الدعم الجوي الأمريكي.
وتنصح القوات الامريكية في افغانستان القوات الافغانية بالانسحاب من المناطق غير المأهولة والتركيز بدلا من ذلك على مراكز المدن والمناطق ذات الكثافة السكانية. لكن حتى ذلك فشل على أرض الواقع بعد معارك قندوز التي أبادت فيها طالبان قطعات من الجيش عن بكرة أبيها.
ومع بروز تنظيم الدولة الاسلامية في أفغانستان وشنه هجمات دامية عبر انتحاريين مؤخرا في مختلف المدن، تبدو الحركة الآن أقل تطرفا مقارنة بالدولة الاسلامية وفي وضع تفاوضي افضل لاقناع الجانب الامريكي برفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب وضعها في خانة المنظمات الارهابية، ومفاوضاتها على انسحاب قوات الناتو من افغانستان.
وظهرت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، شمالي باكستان، عقب انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق من أفغانستان. وبرز نجمها في أفغانستان في خريف عام 1994.
ويعتقد على نطاق واسع بأن طالبان بدأت في الظهور لأول مرة في المدارس الدينية، التي كانت تتلقى التمويل من السعودية.
ووعدت طالبان التي ينتمي معظم أفرادها للغالبية البشتونية ولها وجود قوي في مناطق البشتون المنتشرة في باكستان وأفغانستان، بإحلال السلام والأمن وتطبيق الشريعة بمجرد وصولها للسلطة.
وفي كلا البلدين، طبقت طالبان عقوبات كالإعدامات العلنية للمدانين بجرائم القتل أو مرتكبي الزنا، أو بتر أيدي من تثبت إدانتهم بالسرقة.
وأمرت الحركة الرجال بإطلاق لحاهم والنساء بارتداء النقاب. وحظرت طالبان مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الموسيقى وارتياد دور السينما، ورفضت ذهاب الفتيات من سن العاشرة إلى المدارس.
ونفت باكستان مرارا أنها هي من أسست طالبان، لكن لا يوجد شك كبير في أن العديد من الأفغان، الذين انضموا في بادئ الأمر إلى صفوف الحركة، تلقوا تعليما في المعاهد الدينية في باكستان.
وكانت باكستان أيضا واحدة من ثلاث دول فقط، بالإضافة إلى السعودية والإمارات، اعترفت بطالبان حينما وصلت للسلطة في أفغانستان في منتصف التسعينيات وحتى عام 2001 وآخر دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع طالبان.
قيادات
تولى زعامة الحركة في البداية الملا عمر، رجل الدين الذي فقد إحدى عينيه خلال قتال القوات السوفيتية في ثمانينيات القرن الماضي، وفي أغسطس 2015 اعترفت طالبان أنها أخفت لمدة عامين خبر وفاة الملا عمر. وفي سبتمبر عام 2015 أعلنت أنها اتحدت تحت قيادة الملا منصور الذي كان نائبا للملا عمر لفترة طويلة.
ولقي الملا منصور حتفه في غارة لطائرة أمريكية بدون طيار في مايو عام 2016 ليحل محله نائبه رجل الدين المتشدد المولوي هيبة الله أخنوزاده.
دخلت طالبان بؤرة اهتمام العالم عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة. واتهمت الحركة بتوفير ملاذ آمن في أفغانستان لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن وأعضاء التنظيم الذين اتهموا بالمسؤولية عن هذه الهجمات.
وبعد فترة قصيرة من هجمات سبتمبر، أطاح غزو التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحكم طالبان في أفغانستان، لكن الحركة ظلت حية وتقاتل حتى الآن.
فيديو قد يعجبك: