هل النساء أكثر تبرعا بالأعضاء من الرجال؟
(بي بي سي):
هناك ستة من بين كل عشرة متبرعين بالكلى من النساء، بينما هناك ستة من كل عشرة متلقين للكلى من الرجال، وفقا لتقديرات حديثة في الولايات المتحدة وبعض البلدان الأخرى. فهل يخلف ذلك آثارا صحية على الجنسين؟
لم ينته عام 2016 إلا وكانت أمي قد أصيبت بالفشل الكلوي مجددا. في المرة الأولى، تلقت كلية من ميت بعد انتظارها سنوات عدة، وفي المرة الثانية تبرعت لها أختها الصغرى بكليتها.
وخالتي واحدة من متبرعات كثيرات بالكلى، إذ تشكل النساء نحو 60 في المئة من إجمالي المتبرعين بالكلى في الولايات المتحدة، والنسب لا تختلف كثيرا في بلدان أخرى.
والفارق في التبرع بين الجنسين آخذ في الاتساع، فمنذ عام 2008، تدنت أعداد المتبرعين من الرجال في كل القطاعات السكانية، رغم أن أعداد الرجال على قوائم انتظار زراعة الكلى أكثر من النساء؛ فنسبة الرجال هنا 59 في المئة، مقابل 41 في المئة من النساء.
ويؤدي إقبال النساء أكثر على التبرع بالكلى واحتياج عدد أكبر من الرجال لتلقيها إلى أعباء إضافية على النساء، كما يفرض تبعات محتملة على صحة الرجال.
وليس هناك أدلة جازمة على تأثر نجاح زراعة الكلى باختلاف جنس المتبرع عن المتلقي، ومع ذلك أظهرت دراسة وحيدة شملت أكثر من 230 ألف عملية تبرع بالولايات المتحدة بين عامي 1998 و2012 تدني فرص نجاح عمليات زراعة الكلى من امرأة لرجل، كذلك في حالة عمليات زرع أعضاء أخرى؛ فالرجل الذي يتلقى قلبا من امرأة بدلا من رجل ترتفع احتمالات وفاته بنسبة 15 في المئة أكثر خلال خمس سنوات من العملية.
وربما السبب في ذلك هو اختلاف حجم العضو، وهو الأمر "شديد الأهمية" بالنسبة لبعض الأعضاء، حسبما يؤكد رولف بارث، رئيس قسم زراعة الأعضاء بالمركز الطبي بجامعة ميريلاند.
ويقول بارث: "الكلية صغيرة الحجم تتحمل عبئا إضافيا" حال زرعها في جسد أكبر. وقد أظهر بحث شمل أكثر من 115 ألف متلق للكلى أن احتمال فشل عملية الزرع كان أقصاه في حالة زيادة وزن المتلقي عن المتبرع بأكثر من ثلاثين كيلوغراما.
لكن حتى لو تساوى وزن المرأة والرجل فإن أعضاء المرأة عادة ما تكون أصغر، رغم أن الأطباء كثيرا ما يهملون ذلك ويركزون فقط على الوزن الكلي للجسم، وهو ما قد يزيد احتمالات الفشل.
وتوصل نفس البحث إلى أن الخطر لم يقل حين كان وزن الرجل المتلقي أكثر من المرأة المتبرعة بما بين عشرة كيلوغرامات وثلاثين كيلوغراما. وبالنسبة لعمليات زراعة القلب من نساء لرجال، وجد باحثون أن معامل الخطر انتفى من تلك الناحية حين اعتمدوا قياسا أدق من الوزن الكلي للجسم لمعرفة حجم القلب المتبرع به.
وناهيك عن الوزن، فإن أجساد النساء تختلف عن الرجال في رفضها للأجسام الغريبة، وإن أكد بارث أن العلم الحديث نجح في كثير من الأحيان في التغلب على تلك المشكلة، قائلا: "أصبحنا نستخدم علاجات أكثر فاعلية لمقاومة الرفض، ما يحيد الكثير من الفروق المتعلقة باختلاف المتبرع".
ورغم أن كثيرا من النتائج المتاحة ترجح تأثر عملية زراعة الأعضاء باختلاف الجنس، فهناك دراسات ترجح أيضا أن أدوية مقاومة رفض الجسم للأعضاء الجديدة كفيلة بتلافي احتمالات الفشل.
وهناك عدم تكافؤ آخر بين الرجل والمرأة في ما يتعلق بزرع الأعضاء، فقد أظهرت دراسة شملت 101 من المرضى السود في المدن تدني احتمالات تقييم النساء الخاضعات للعلاج بالغسيل الكلوي عن أقرانهن الرجال لمعرفة مدى مناسبتهن لزراعة الكلى.
كما يقل إقبالهن على زراعة الكلى عن الرجال - رغم تلقيهن عروضا أكثر.
وتوصلت دراسة أكبر لما يربو عن 700 ألف مريض إلى وجود تفاوت غريب بين الجنسين في ما يتعلق بالوزن، فبينما تقل كثيرا فرص تلقي النساء البدينات للكلى مقارنة بالنحيفات، تزداد فرص تلقي الرجال البدناء للكلى، والسبب غير معروف.
وهناك نظريات كثيرة لتعليل إقبال النساء على التبرع بالأعضاء أكثر من الرجال. أولها أنه بينما تعاني النساء أكثر من الرجال من مشكلات الكلى المزمنة، يعالج الرجال أكثر من الفشل الكلوي التام، وتكون شريكة الحياة أول من يعرض التبرع، أو يرشَح له.
بغض النظر عن نوع الجنس، يصل احتمال فشل زرع الأعضاء أقصاه حين يزيد وزن المتلقي عن المتبرع بأكثر من 30 كيلوغراما
وفي دراسة شملت 631 متبرعا حيا للكلى في سويسرا، كانت 22 في المئة منهم من الزوجات أو شريكات الحياة مقابل 8 في المئة فقط من الأزواج أو شركاء الحياة.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالمتبرعات من النساء لأطفالهن وأشقائهن وأقاربهن أكثر كثيرا من الرجال.
وهناك سبب آخر اقتصادي، إذ يتعطل المتبرع عن العمل أسابيع عدة للجراحة والنقاهة، بينما لا يعوض نظام الرعاية الصحية الأمريكي خسارة الدخل.
وتقدر خالتي مثلا أنها خسرت ما بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف دولار إجمالا من الدخل خلال أربعة أسابيع قضتها كفترة نقاهة. وحتى في بلدان مثل سويسرا، حيث يعوَض الدخل خلال مثل هذه الفترات، قد يتأخر الأمر أسابيع بسبب عراقيل إدارية أخرى. ومن ثم قد يحجم الرجال - مع احتمال كونهم العائل المالي الوحيد في الأسرة أكثر من النساء - عن التبرع خشية فقد الدخل.
يتضح هذا أكثر في الأسر محدودة الدخل، ومؤخرا فقط بدأ الباحثون ينتبهون لفكرة الخوف من فقدان الدخل كعامل مؤثر في التبرع بالكلى.
ولا يعزي الجميع زيادة المتبرعات عن المتبرعين إلى الاعتماد أكثر على دخل الرجل، إذ تقول كاثي كلاين-غلوفر، الباحثة بالمركز الطبي لجامعة ميريلاند: "بغض النظر عن عملهن أم لا، تتولى النساء رعاية الأسرة وهن أكثر ارتباطا بما يمر به مريض الأسرة المداوم على غسيل الكلى، ومن ثم يدركن الحاجة لتخليصه من معاناته".
ويتمثل دور كاثي كلاين-غلوفر في البحث عن المتبرع المناسب طبيا، كما تبحث في مسألة توافر الدعم الاجتماعي لضمان تعافي المتبرع خلال فترة النقاهة. وتقول من خبرتها السابقة إن النساء "يعتقدن أن عليهن حل المشكلة بأنفسهن" بصورة أكثر من الرجال.
التضحية بالذات
ويقول خبراء إن المجتمعات تنظر عموما للنساء باعتبار أن عليهن رعاية الأسرة، وربما كان هذا هو السبب في التفاوت بين الرجال والنساء في التبرع بالأعضاء.
وتقول بيثاني فوستر، الطبيبة المتخصصة في بحوث الكلى بجامعة ماكجيل بكندا، أن: "المجتمع يتوقع بشكل عام من المرأة العطاء"، وهو ما أكده دارسون للجوانب الطبية في مجال الأنثروبولوجي خلال دراستهم للتوجهات العامة للتبرع بالأعضاء بين الأحياء في كل من مصر والمكسيك، والذين توصلوا إلى أن المجتمع في كلا البلدين يتوقع من الأم بالأحرى أن تبادر للتبرع لأطفالها ويجعل التبرع بالأعضاء قرينا للأمومة.
وتقول الدراسة: "هناك صلة وثيقة بين ولادة الطفل للحياة والتبرع له بالكلية بالنظر إلى جسد الأم كمَعين يخرج الجنين منه بعد اكتماله، وكمصدر للعضو وقت الحاجة، باعتبار أن أخذه من ذات المعين امتداد طبيعي للصلة الحميمة بين الأم والطفل وكفالتها له".
بل ترى كلاين-غلوفر أن كثيرا من النساء اللاتي التقتهن على استعداد للتبرع لأنهن اجتزن عملية طبية رئيسية تمثلت في الولادة، ومن ثم: "يكن أكثر وثوقا بالمناخ الطبي، وأحيانا يعتبرن عملية التبرع بأسرها لا تقارن بما عشنه من قبل".
وربما من سخرية الأقدار أن الحمل الذي يجعل المرأة أكثر تقبلا للتبرع هو نفسه الذي يجعل احتمالات رفض الجسم لتلك العملية أكثر، سواء كانت المرأة متبرعة أو متلقية.
فعلى رأس التحديات التي تواجه زراعة الأعضاء هو احتمال أن يلفظ الجهاز المناعي للمتلقي العضو المتبرع به. ولأن دم الأم تعرض خلال الحمل لمستضدات جنينية (مواد حفزت جهاز المناعة لإفراز أجسام مضادة) تزداد احتمالات الرفض بينها وبين من تربطها بهم صلة الدم.
وقد رجحت دراسات أخرى كون الحمل سببا في صعوبة توافق المرأة وأقربائها لزراعة الأعضاء.
ويأمل الخبراء أن يذلل استمرار البحث والجهد الطبي بعضا من تلك العراقيل، سواء الثقافية أو المالية، والتي تحول دون تكافؤ التبرع بالأعضاء بين الجنسين "حتى لا يختلف الأمر حين يلزم التبرع بعضو ما، سواء كان المتبرع رجلا أو امرأة"، حسبما تأمل كلاين-غلوفر.
فيديو قد يعجبك: