هل تكون الأزمة التركية الحالية سببًا في رحيل أردوغان؟
كتب - هشام عبد الخالق:
"أردوغان هو السبب في أزمة تركيا الحالية".. بهذه الكلمات بدأ عضو البرلمان التركي السابق آيكان إردمير، مقالًا له في النسخة الأوروبية لمجلة "بوليتيكو"، وقال: "لا تلوموا ترامب فالأزمة الحالية التي تمر بها تركيا ناتجة عن السياسات المتهورة لأردوغان، حيث تولى السلطة في أعقاب الأزمة المالية عام 2001، التي أنهت الحياة السياسية لبعض الأشخاص البارزين، وبعد انهيار الاقتصاد التركي يوم الجمعة، والذي سيتذكره الأتراك بـ "الجمعة السوداء"، أصبح الجميع يتساءل إذا ما كان أردوغان سيسقط هو الآخر في ظل الأزمة الحالية".
أقوى رجال تركيا، الرئيس رجب طيب أردوغان، انخرط في مشاحنة دبلوماسية طويلة مع الولايات المتحدة ودول عدة بالاتحاد الأوروبي، ويلقي باللوم الآن في المشاكل الاقتصادية التي تشهدها تركيا على ما أسماه "الحرب الاقتصادية" التي تشنها قوى خارجية، ولكن يبدو أن الأتراك لا يستسيغوا هذا، فعندما يتعلق الأمر بالمحن الاقتصادية في تركيا، يتم عادة إلقاء اللوم على الحكومة نفسها.
كان الاقتصاد التركي يعاني لبعض الوقت الآن، بحسب الكاتب، وسمحت وفرة السيولة العالمية في أعقاب الأزمة المالية عام 2008 للأسواق الناشئة مثل تركيا بالوصول إلى رؤوس أموال رخيصة بسهولة، مما سمح للقطاع الخاص بالاستفادة بشكل كبير، واقترضت الشركات التركية غير المالية أكثر من 340 مليار دولار على شكل التزامات للأجانب.
والآن، بعد أن أوقف الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إطلاقه للأموال الرخيصة، أصبحت الأسواق الناشئة تشعر بضغط سيولة الدولار، وتواجه الشركات التركية صعوبة في سداد ديونها بالعملات الأجنبية، ومع خسارة الليرة التركية 44% من قيمتها مقابل الدولار هذا العام، فإن العديد من الشركات غير المالية تذهب للبنوك لإعادة هيكلة قروضها، وفي الواقع، أصبحت الأزمة تمتد إلى القطاع المالي، لدرجة أن البنك المركزي الأوروبي يحذر الآن من تعامل بنوك الاتحاد الأوروبي مع تركيا.
بعد أن ظهرت بوادر أزمة اقتصادية كبرى في تركيا منذ عدة أعوام، اختار أردوغان استخدام سلطاته الموسعة لمعاقبة أعدائه المحليين وتحدي حلفائه الغربيين، بدلًا من التركيز على الإصلاح الاقتصادي الضروري.
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، سجنت أنقرة المشرعين والصحفيين والأكاديميين وموظفي الخدمة المدنية، واستولت حكومة أردوغان على أصول تبلغ قيمتها 11 مليار دولار، ما سبب قلق المستثمرين في جميع أنحاء العالم.
وفي نفس الوقت، سجنت تركيا أيضًا ما يقرب من 50 شخصية غربية متنوعة ما بين مقيمين، وزائرين وموظفين، في اتهامات سياسية مشكوك في صحتها، كجزء من السياسية "المريضة" التي يتبعها أردوغان وتتمثل في "الدبلوماسية العدائية"، التي تهدف لاستخراج تنازلات من حلفاء تركيا الغربيين، ولم تؤدِ سياسة استخدام المحتجزين الأبرياء كورق مساومة لتشويه صوررة أردوغان العالمية فقط، بل أيضًا أشعلت أسوأ أزمة دبلوماسية بين واشنطن وأنقرة منذ الحظر العسكري الذي دام 42 شهرًا بين عامي 1975 و1978، وجذبت عملية تبادل الاتهامات تلك انتباه المستثمرين.
ويقول الكاتب، عندما احتجزت السلطات التركية القس أندرو برونسن عام 2016، بعد أن كان يؤدي مهمته بسلام في تركيا لمدة عقدين من الزمان، لم يتوقع أحد أن قضيته ستؤدي لأزمة دبلوماسية كبرى أو تسرع الانهيار في الاقتصاد التركي بهذا الشكل، وقابلت الجهود الأمريكية لإطلاق سراح برونسن ليس فقط عنادًا من جانب أردوغان بل أيضًا خطابات كراهية للولايات المتحدة من كبار مسؤوليه.
نجح أردوغان فيما فشل فيه ترامب، حيث استطاع توحيد الولايات المتحدة كلها ضده (جمهوريين وديمقراطيين)، وذلك بعد أن قدم البيت الأبيض والكونجرس حزمة جديدة من العقوبات ضد أنقرة، فبالإضافة إلى مشاريع قوانين الكونجرس التي تهدف إلى منع وصول تركيا إلى المؤسسات المالية الدولية وشراء مقاتلات "الشبح" من طراز F-35، عاقبت وزارة المالية الأمريكية وزيرين تركيين، في الوقت الذي ضاعفوا فيه التعريفات الجمركية على الفولاذ والألمنيوم التركيين.
قرر أردوغان أن يضاعف المخاطرة، في الوقت الذي ازداد فيه النزاع الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وتركيا، وتحدى الضغط الأمريكي قائلًا: "إذا كان لديهم الدولارات.. نحن لدينا الله"، وأعلن وزير ماليته الجديد وصهره برات آلبيراق، عن خطته المنتظرة منذ وقت طويل للإصلاح الاقتصادي، والتي كانت عرضًا مبتدئًا فشل في إقناع المستثمرين بل أدى لانهيار الليرة التركية أكثر، وبمجرد انتهاء عرضه الذي استمر لمدة ساعة فقط، كانت الليرة فقدت 8% من قيمتها، وأنهت الليرة هذا اليوم بأكبر هبوط في تاريخها في يوم واحد منذ أزمة 2001 الاقتصادية.
وتابع الكاتب التركي، قد يكون الاقتصاد في أنقرة بلغ نقطة اللا عودة، وحتى لو تراجع أردوغان عن أفعاله وأطلق سراح الأمريكيين في السجون التركية، فإنه لن يستطيع إعادة العلاقات مع واشنطن إلى ما كانت عليه أو وضع الاقتصاد في المسار الصحيح.
سبب أردوغان تدميرًا لا يمكن إصلاحه لسمعة تركيا وسط المستثمرين وكذلك الحال في العلاقات الدبلوماسية مع الدول، بعد أن ساعد إيران على تجنب العقوبات الأمريكية في مخطط ضخم تورط فيه بعض كبار مسؤوليه، وغضوا أعينهم عن الجهاديين على حدود تركيا مع سوريا.
تهديد أردوغان "للبدء في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد" والإشارة إلى روسيا، تشير إلى تكوين محور بعيد عن التحالف الأطلسي وقيمه، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم المشاكل الدبلوماسية والاقتصادية في تركيا.
وأضاف الكاتب، الأزمة التركية الحالية تتويج لجهود أردوغان المتهورة، وإصلاحها سيتطلب سنوات، وهي مهمة تستدعي وجود قيادة جديدة وعقلية مختلفة تمامًا.
ولكن، بحسب عضو البرلمان التركي السابق، المعارضة التركية حاليًا بلا أنياب، وستفشل في توفير أي أمل، وبدون وجود قوى سياسية تدفعه خارج السلطة، سيستمر أردوغان في دفع نفسه والاقتصاد التركي داخل حفرة عميقة يصعب الخروج منها.
فيديو قد يعجبك: