"بينهن مصرية ومغربية".. نيويورك تايمز تكشف مصير زوجات مقاتلي داعش
كتب - هشام عبد الخالق:
سارة إبراهيم، إحدى النساء المغربيات اللاتي تزوجن ولكن لم يستقر بها الأمر كثيرًا، حيث اعتنق زوجها تفكير تنظيم داعش، ولم يكتفِ بهذا فقط، بل سافر إلى سوريا ليعيش تحت حُكم التنظيم، ولم يكن أمام سارة سوى موافقته والذهاب معه برفقة ولديها، وبعد أن اختفى - حيث تعتقد سارة أنه قُتل في هجوم بالصواريخ على سجن - هربت مع نجليها، ولكن تم القبض عليهم العام الماضي واحتجازهم منذ ذلك الوقت في معسكر للاعتقال شمال شرق سوريا، حيث يعيشون في أماكن متربة شديدة الحرارة، ضمن أكثر من ألفي امرأة وطفل أجنبي يعيشون تحت رهن الاعتقال في معسكرات مشابهة، بدون أي وسيلة قانونية للفرار.
صحيفة "نيويوك تايمز" الأمريكية، تحدثت مع عددٍ من النساء الأجنبيات اللائي تم اعتقالهن، والتي كان من ضمنهم سارة، التي قالت وهي تذرف الدموع: "قلتم لنا أن نغادر تنظيم داعش وهذا ما فعلناه، ولكن لا يزال يتم اعتبارنا أعضاء في التنظيم، من المسؤول عنّا الآن؟ من سيحدد مصائرنا؟".
وتقول الصحيفة: "الدول الأم لهؤلاء النسوة والأطفال لا يردن استقبالهم مرة أخرى، متخوفين من احتمالية نشرهم لتفكير تنظيم داعش المتطرف، ولا يريدهم المسؤولون الأكراد الذين يديرون تلك المعسكرات، ويقولون إنها ليست مسؤوليتهم أن يحتجزوا معتقلين الدول الأخرى إلى الأبد.
إحدى السيدات المصريات، دعاء محمد، البالغة من العمر 44 عامًا، تقول إنها جاءت من مصر إلى سوريا مع زوجها، الذي جذبه تفكير دولة الخلافة، ولكن "ما رأيناه هنا لم يكن ما توقعناه، وما عشناه لم يكن هو ما قدمنا من مصر إلى سوريا من أجله"، وتُكمل الحديث قائلة: "استطاعت عائلتي العام الماضي الفرار من التنظيم وألقت قوات سوريا الديمقراطية القبض عليها، وانتهى بها الأمر في معسكر "روج" مع أولادها الأربعة - الذين تبلغ أعمارهم ما بين 6 إلى 15 عامًا - وتم إلقاء القبض على زوجها وإيداعه السجن ولم تسمع عنه بعد ذلك.
واعترفت دعاء بخطئها قائلة: "لقد ارتكبنا خطئًا ولكن الجميع حول العالم يرتكب أخطاء.. هل سنظل ندفع ثمن هذا الخطأ طوال عمرنا؟".
استطاعت ما تُسمى بدولة الخلافة اجتذاب عشرات آلاف الأشخاص من دول أخرى حول العالم، للعيش أو للمشاركة في الحرب التي يشنها ما تم تصويره كمجتمع إسلامي فقط، وكان من ضمن القادمين العديد من النساء، بعضهم قدموا مع أزواجهن وآبائهن، والأخريات قدمن بمفردهن وتزوجن هناك، أو تم إجبارهن على الزواج، ولكن بعد انهيار الخلافة تحت الحملة العسكرية التي شنها الأكراد بدعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، تم قتل أو القبض على العديد من الرجال من التنظيم، وتُركت الزوجات والأطفال الذين نجوا من المعارك في معسكرات اعتقال مثل التي اعتقلت فيها سارة، لا يرغب بهم أحد بعد الآن.
عبد الكريم عمر، أحد المسؤولين في إدارة محلية تقوم مهمتها على إقناع الحكومات باستعادة مواطنيها، قال للصحيفة: "نحن نعمل قدر استطاعتنا، لكن المجتمع الدولي يرغب في التملص من مسؤوليته، فهذا الجهد الذي نقوم به لم يُكلل له النجاح حتى الآن"، وأضاف: "هذا بمثابة كرة من النار يحاول الجميع التخلص منها".
وتتابع الصحيفة، توجد مشكلة أخرى وهي غياب أي خطة في التعامل مع المحتجزين، ففي العراق، النساء اللاتي كن جزءًا من التنظيم الإرهابي يواجهن محاكمات سريعة تنتهي بإعدامات بتهمة تأييد ودعم تنظيم داعش، أما في سوريا تواجه النسوة الحبس في معسكرات حقيرة وقذرة، في منطقة لا تخضع لأي سُلطة معترف بها دوليًا قد تستطيع إقناع دولهم باستعادتهم مرة أخرى.
وتقول الصحيفة: "وفي زيارة نادرة لأكبر معسكرات الاعتقال والمعروف باسم "روج"، سمح لنا المسؤولون الأكراد بمقابلة بعض النساء العرب اللائي تم اعتقالهن هنا، ولكنهم رفضوا السماح لنا بمقابلة أو التقاط صورًا لأي من النساء الغربيات، لخوفهم من أن تتعقد مفاوضات عودتهن لبلادهن، ولكن أثناء تجولنا في المعسكر استطعنا الحديث - بشكل غير رسمي - مع نساء من فرنسا، ألمانيان الدنمارك، هولندا، وأيضًا من عدة دول عربية، ولكن لم يسمح لنا المسؤولون الأكراد بمعرفة أسماء النساء الغربيات".
صرحت بعض النسوة خلال الزيارة، أن أزواجهن هم من أجبروهم على المجيء معهم إلى سوريا، فيما قالت أخريات إن رحلتهن إلى هنا كانت خطأ يدفع أبنائهن ثمنه الآن.
بالقرب من مجموعة من المراحيض، جلست ثلاث نسوة - فرنسيتان وألمانية - مع أبنائهن الصغار، وقالت المرأة الألمانية: "بالطبع ارتكبنا خطئًا كبيرًا بقدومنا هنا ولكن أي شخص يرتكب أخطاء".
"ما رأيناه هنا لم يكن ما توقعناه، وما عشناه لم يكن هو ما قدمنا من مصر إلى سوريا من أجله"
كانت الألمانية تبلغ من العمر 24 عامًا، جاءت إلى سوريا مع زوجها الألماني وثلاثة أطفال، واعترفت بمجيئها طوعيًا مثل العديد من النساء في المعسكر، ولكنها قالت إن الحياة تحت حكم الجهاديين كانت أسوأ مما اعتقدت، وأن الفرار أصبح مستحيلًا عند إدراكها ذلك، وتقول عن ذلك: "لم يكن هناك أي وسيلة للفرار، إما أن تُعتقل أو تموت".
إحدى النساء الفرنسيات، البالغة من العمر 28 عامًا، ووالدة لثلاثة أطفال، وصفت مغامرتها في سوريا بـ "خطأ كبير"، ولكنها قالت: "ألا نستحق فرصة للخلاص؟".
وتقول الصحيفة، بعض حكومات الدول الأجنبية، من ضمنها الولايات المتحدة، تُوفر بعض الدعم للإدارة المحلية، ولكن هذا الدعم مبلغ زهيد مقارنة بما تنفقه في الحملات العسكرية، ولكن تمثل قضية المحتجزين أمرًا شائكًا بشكل خاص، بالنظر إلى المخاطر الأمنية المتمثلة في احتجاز الجهاديين المتمرسين والنساء والأطفال الذين عاشوا معهم في منطقة حرب.
ويقول عبد الكريم عمر المسؤول في الإدارة المحلية، إنه يوجد ما يقرب من 400 مقاتل أجنبي في السجون، وتُمول الولايات المتحدة عملية حبسهم لمنع فرارهم من السجن، ولكن لا تتلقى الإدارة دعمًا كافيًا في التعامل مع النساء والأطفال المحتجزين في ثلاثة معسكرات.
وتضيف الصحيفة، أقامت الإدارة المحلية محاكم عاجلة بغرض محاكمة السوريين الذين ارتكبوا جرائم أثناء انضمامهم لتنظيم داعش، ولكنها لا تحاكم الأجانب، ولم يتم توجيه اتهامات للنساء والأطفال المتواجدين في المعسكرات حتى الآن.
ويقول رشيد عمر، أحد المشرفين في معسكر "روج": إن "عدد المعتقلين الأجانب في المعسكر يبلغ 1400 شخص من 40 دولة، من ضمنها تركيا، تونس، روسيا، والولايات المتحدة، وتتعامل النساء بشكل راق، على الرغم من أنه من الصعب الجزم بمدى انغماسهم في تنظيم داعش، ومدى تعلقهم واعتناقهم بأيديولوجية التنظيم الإرهابي.
ويضيف رشيد، لا تزال بعض النسوة تتبع أيديولوجية التنظيم، وتوجد بعض النساء اللائي قدمن إلى هنا ظنًا منهن أنهن في طريقهن إلى الجنة، ولكنهن وجدوا الجحيم بدلًا من ذلك".
المغربية سارة إبراهيم على سبيل المثال، قالت إن الإعدامات العلنية التي قام بها التنظيم كانت ترعبها، وما كانوا يملونه حول ملابس النساء وتحريمهم الاستماع إلى الموسيقى حتى لو كان في منزلها.
تتمثل أكبر المخاوف - بحسب الصحيفة - في الأطفال، الذين لا يزال عدد كبير منهم مجرد أطفال لم يختاروا أن ينضموا إلى التنظيم الإرهابي، ويوجد بالمعسكر أكثر من 900 طفل ويواجه العديد منهم مشاكل صحية، كما أنهم لم يتلقوا تعليمًا لائقًا لعدة سنوات، أو أي إثباتات شخصية أيضًا.
يريد معظم الأوروبيين العودة لمنازلهم، حتى لو كان هذا يعني محاكمتهم في بلادهم، ولكن قلة من العرب يريدون هذا، خوفًا من تعذيبهم وإعدامهم في حالة عودتهم.
نديم حوري، مدير برنامج مكافحة الإرهاب بمنظمة هيومن رايتس ووتش قال: إن "النساء والأطفال عَلقوا في حلقة مُفرغة الآن، حيث يجبر القانون الدولي دولهم على استقبالهم في حالة عودتهم إلى البلاد، إلا أنه لا يجبر حكومات البلاد على ترحيلهم"، وفي الوقت الحالي فهم لا ينتظرون محاكمات على جرائم ارتكبوها، كما أنهم لا يمكنهم الخروج من المعسكر أيضًا.
ورفض حوري الأعذار التي تقدمها الحكومات التي ترفض استقبال أو عودة أفرادها إليها مرة أخرى، مثل الافتقار إلى مرافق قنصلية أو مخاوف أمنية، وقال عن هذا: إنها في الحقيقة افتقار إلى الإرادة السياسية، وقال إنه إذا تم اتهام النساء بجرائم، يمكن محاكمتهن في دولهم الأم وسجنهن إذا اقتضى الأمر.
وتابع حوري، قد يكون البعض منهن ارتكب جرائم، ولكن أغلبيتهن كُن مجرد ربات بيوت، لذا لا يمكن أن تعاملهم مثل المجرمين الذين قاموا بعمليات ذبح لصالح التنظيم".
حتى الآن - بحسب الصحيفة - لم تستقبل سوى عدة دول مواطنيها الذين جاءوا من سوريا، فروسيا استقبلت ما يقرب من 35 امرأة وطفل، وأندونيسيا استقبلت عائلة مكونة من 15 شخصًا، بحسب تصريحات عبد الكريم عمر، المسؤول المحلي، الذي ذكر أنه يتحدث مع مسؤولين محليين أيضًا من كندا والدنمارك حول مواطنيهم، ولكن لم يتم إتمام أي عمليات عودة مواطنين، في الوقت الذي تجاهلت فيه دول أخرى مباحثاته حول إعادة مواطنيهم لهم.
فيديو قد يعجبك: