قصة شاب أفغاني "خيّرته" إيران بين الترحيل أو القتال في حرب الأسد
برلين دويتشه فيله)
تقوم إيران بتجنيد الأفغان بشكل خاص للقتال إلى جانبها في الحرب السورية. ولا يذهب هؤلاء دائمًا إلى الحرب عن طواعية، وإنما الكثير منهم يجبر على ذلك. DW قابلت أحدهم في برلين عاش تجربة مريرة خيّر فيها بين الموت والموت.
في عام 2014، فرّ الشاب الأفغاني م. من كابول على أمل إيجاد حياة أفضل في إيران. لم يكن المراهق الأفغاني قد سمع قبل ذلك عن سوريا، أو عن الحرب الوحشية الدائرة فيها والتي كانت قد دخلت آنذاك عامها الثالث. لكن، عندما خُير من قبل الحرس الثوري الإيراني بين القتال في سوريا وبين ترحيله إلى الحدود الأفغانية، حيث كان مقاتلو طالبان يحتشدون، بدا له القرار بسيطاً، فهو خيار بين "الموت" و"الحياة" كما كان يعتقد آنذاك.
في حوار مع DW يقول الشاب الأفغاني: "كنت أخاف الموت، لذلك اخترت سوريا"، أفغانستان مزقتها الحرب ولا مستقبل فيها. في حين عرض عليه وفي حال الذهاب إلى سوريا مبلغ يعادل 585 يورو شهريًا. وهو مبلغ جد مغري بالنسبة لشاب أفغاني كان يعمل خياطاً في مصنع إيراني قبل أن تقبض عليه الشرطة ضمن حملة تفتيش ضد المهاجرين الأفغان المقيمين بطريقة غير شرعية. وأثناء احتجازه في مركز للشرطة مع العشرات من الأفغان الآخرين، قرر م. مثله مثل جميع من كانوا معه الذهاب للقتال في سوريا، يتذكر الشاب الأفغاني.
يذكر أنه وفي عام 2014، رفعت إيران من مستوى دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، فبدأت بإرسال المزيد من القوات البرية، تشمل العديد من المهاجرين الأفغان مثل الشاب الأفغاني م.
الإغراء عن طريق الوعد بالخلاص
على الرغم من صعوبة التحقق من تصريحات الشاب الأفغاني، إلا أن قصته تمثل قصة الآلاف من الأفغان المقيمين في إيران بشكل غير قانوني والذين يتم تجنيدهم من قبل الحرس الثوري للقتال في سوريا. وتروّج إيران لتواجدها العسكري هناك بالقول بأنه يهدف إلى حماية المواقع الشيعية المقدسة. ويتم إغراء الأفغان بدخل ثابت وإمكانية الحصول على تصريح إقامة، وهذا ما يدفع الكثيرين على غرار م. للقتال في صفوف "لواء الفاطميون" الذي يتكون بالكامل من مقاتلين أفغان. ومعظمهم من أبناء الأقلية الشيعية المعروفة باسم "الهزارة"، الموجودة وسط البلاد. وقد تعرضت هذه الأقلية إلى العنف والاضطهاد لفترات طويلة من قبل حركة "طالبان".
وحول "الهزازة" توضح هوميرا أيوبي، العضو في إقليم فرح الأفغاني على الحدود الإيرانية، في حوار مع DW بأن التجنيد في إيران "علني وبدون خوف"، وأنه بات معروفا أن الحرس الثوري "يستهدف" أبناء هذه الطائفة، لكن "لا أحد يريد التحدث عن الأمر". وتضيف أيوبي أنه و"في المقابل يحصل المقاتلون على المال والأمن، وفي بعض الحالات، على فرصة الالتقاء بالقادة الإيرانيين شخصياً". وحتى في أفغانستان نفسها، تباشر إيران بعملية التجنيد، إذ أن مقاتلين سابقين من "لواء الفاطميون" تواصلوا مع مجندين، قاموا بتأسيس مركز غير رسمي في غرب كابول حيث معظم السكان من الهزارة. وقال أربعة أشخاص تحدثوا إلى دويتشه فيله إن المركز يغير موقعه باستمرار.
هيومان رايتس ووتش: مراهقين ضمن المجندين
وفقاً لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان للعام الماضي، فقد تمّ تجنيد قاصرين في الـ14 من العمر ضمن صفوف هذا اللواء. وكتب المشرفان على التقرير أن "تجنيد أطفال دون سن الخامسة عشرة للمشاركة في العمليات القتالية، يدخل ضمن جرائم الحرب"، وذلك بموجب القانون الدولي.
م. كان أيضاً في الرابعة أو الخامسة عشر من العمر حين ذهب إلى سوريا، فلا يمكن تحديد عمره بالضبط، إذ توفيت والدته عند ولادته. أما والده فهو مدمن مخدرات، وتركه في وقت مبكر، ولهذا السبب لا يعرف تاريخ ميلاده بالظبط. لكنه يقول إن الحرس حدد عمره عند الثامنة عشرة. وقد تم تدريبه في إيران لمدة شهر واحد، ليتم بعد ذلك إرساله إلى دمشق مع بعض المجندين الأفغان الآخرين، والذين كان الكثير منهم قاصرين.
عند وصولهم إلى سوريا، سرعان ما شرعوا في الانتقال من جبهة إلى أخرى: المليحة، درعا، الحمرا،.. أسماء لم تكن تعني لهم شيئاً، باستثناء الذكريات غير الواضحة عن القنابل المتفجرة، عن القتال من شارع إلى شارع ، ومن بيت إلى بيت. وفي بعض الأحيان حتى الأمل في الموت، حتى ينتهي كل شيء.
يمسك م. صدغيه في كل مرة يتغلب عليه الصداع، عنما يغوص فيها في التفكير في الوقت الذي أمضاه في سوريا. هذا الشاب النحيل الجسم و ذو شعر قصير يتحدث عن الحرب والموت بطريقة أولئك الذين رأوا أكثر مما يستطيعون تحمله.
تغطي ذراعيه ندوبا لا حصر لها، اندمجت في نسيج جلدي معقد. ويتحدث إلى DW عن كوابيس حول صديقه المفضل الذي تمزق إلى أشلاء أمام عينيه، وحول الرعب الأبدي للحياة في منطقة الحرب، عندما يمكن أن يكون كل يوم هو اليوم الأخير. وهو ما حصل لما لا يقل عن ستة من أصدقائه المقربين.
سعادة في المحنة؟
بعد تسعة أشهر في سوريا، وصل كل شيء إلى نهاية مفاجئة ومؤلمة، إذ أن الصاروخ الذي قتل صديقه المفضل عباس، أصاب وجهه وساقيه. بعد أن تم معالجته بشكل مؤقت في سوريا، تم إرساله إلى مستشفى في طهران، والذي يقول إنه كان مليئًا بالمقاتلين الأفغان الجرحى. حين أطلق سراحه، أخذ كل مستحقاته، إضافة إلى ما يقرب من 5900 يورو، دفعها إلى المهرب لنقله إلى أوروبا. ويقول م. إنه لم يكن يعرف الكثير عن أوروبا، ولم يسمع قط عن ألمانيا، لكن الأهم من ذلك أن يذهب إلى مكان آمن لا يجبر فيه على القتال.
حالياً ينتظر م. في برلين قرار السلطات الألمانية حول طلبه للجوء. وفي حقيقة الأمر فرصه ضعيفة خاصة بعد أن صنفت ألمانيا أجزاء من أفغانستان على أنها مناطق آمنة، وعلى ضوء ذلك يتم ترحيل الأفغان بشكل متزايد.
الشاب الأفغاني م. يسترجع ماضيه، ويفكر في لو أنه اتخذ القرار الصحيح عندما خيّره الحرس الثوري؟ يرفع كتفيه ويقول: "ربما قرار القتال في سوريا كان خطاً، لكن كنت صغيراً ولم أكن ذكياً بما يكفي".
فيديو قد يعجبك: