تايم الأمريكية: هل يشتري العالم ما يبيعه محمد بن سلمان؟
كتبت- رنا أسامة:
ألقت مجلة تايم الأمريكية الضوء على خطة الأمير محمد بن سلمان لتغيير الشرق الأوسط، مُتسائلة: "هل ينبغي أن يشتري العالم ما يبيعه ولي العهد السعودي؟".
جاء ذلك بعد حوار أجراه الصحفي الأمريكي بالمجلة، كارك فيك، مع بن سلمان، نقلته وسائل الإعلام السعودية، الجمعة، وتناول أبرز الملفات الشائكة في الداخل والخارج، أبرزها علاقة بلاده بإسرائيل وحرب اليمن والأزمة السورية، وخطته (رؤية المملكة 2030)، فضلًا عن الحديث عن جولته الخارجية وعلاقته بإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ومن المُقرر أن يُنشر الحوار ضمن عدد المجلة الذي سيصدر 19 أبريل الجاري، والذي تتصدّر غلافه صورة بن سلمان، تحت عنوان: "الهجوم الساحر.. هل ينبغي للعالم أن يشتري ما يبيعه ولي العهد السعودي؟"
استهلّت المجلة تقريرها عبر موقعها الإلكتروني بالقول: رُبما لا يوجد توصيف لنشاطات ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة، خلال جولته التي استغرقت 3 أسابيع، لكن يُمكن القول إنه أجرى الكثير من الأشياء هناك. وبمغادرته أمريكا، سيكون بن سلمان قد زار 5 ولايات بجانب مقاطعة كولومبيا، والتقى 4 رؤساء جمهورية، و5 رؤساء تحرير صحف، وعددًا من أباطرة الأعمال، إضافة إلى المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري".
تقول "التايم" إن أمريكا لم تشهد تحرّكات مماثلة لزائر منذ زيارة رئيس الوزراء السوفيتي السابق، نيكيتا خروشوف، للولايات المتحدة في سبتمبر 1959، الذي حطّ في البلاد في طائرة من طراز "توبوليف 114"، بخلاف بن سلمان الذي حلّ على متن طائرة "بوينج 747" مع عبارة "بارك الله فيك" باللغتين العربية والإنجليزية، أسفل قُمرة القيادة.
وتُضيف أن خط سير رحلة بن سلمان الولايات المتحدة -الذي تجاوز رحلة خروشوف بأسبوع- كان واسع النطاق، في الوقت الذي يعارض نحو 55 في المائة من الأمريكيين سياسات السعودية، وفقًا لأحدث استطلاعات مؤسسة جالوب الدولية؛ لذا ترى المجلة أن المغزى الحقيقي من جولة بن سلمان: محاولة كسب ثقة الأمريكيين المُشكّكين في خطته الجريئة لتحديث المملكة وإعادة تأكيد أولويتها في الشرق الأوسط.
على مدار 3 أعوام منذ أصبح والده ملكًا، لم يتوانَ بن سلمان في تعزيز سلطاته والسيطرة على مراكز القوة الاقتصادية والأمنية في المملكة. وتستشهد المجلة ببعض خطوات الأمير السعودي قائلة إنه "منح بعض الحريات، وصعّد حِدة الحرب بالوكالة مع إيران في جميع أنحاء المنطقة، كما أحدث أزمة إنسانية في اليمن المجاورة. فضلًا عن (رؤية 2030) الرامية لتقليل اعتماد المملكة على صادرات النفط وتنويع اقتصادها لمستقبل ما بعد النفط".
وتُرجّح المجلة أنه في حال نجحت "ثورة بن سلمان المزعومة"- على حدّ وصفها- يمكن أن تتحوّل واحدة من الأنظمة الاستبدادية الأكثر رجعية في العالم من "مُصدّر للنفط والفكر المتطرف" إلى "قوة للتقدم العالمي".
لكنها تُحذّر في الوقت نفسه من التداعيات المُحتملة لذلك، قائلة إن "التغيّر المفاجئ غالبًا ما ينتهي بشكل سيئ في الشرق الأوسط"، مع الكثير من علامات الاستفهام حول خطوات بن سلمان داخل المملكة وخارجها.
يقول تشاس دبليو فريمان جونيور، سفير أمريكي سابق لدى الرياض في عهد الرئيس جورج بوش: "إنه شاب طموح عازم على العمل بقوة وحزم لتعزيز سلطته، لكن التهوّر الذي يبدو واضحًا في الكثير من قراراته الحيوية، يجعله عُرضة للخطر"، في إشارة إلى ولي العهد.
خلال الـ75 دقيقة التي قضاها مع مُحرّري "التايم" في فندق بلازا بنيويورك، كان التحالف العربي يقصف المتمردين الحوثيين في اليمن، وهناك مدوّنون سعوديون قابعون في السجون، ومع ذلك بدا الرجل المسؤول عن كل ذلك وكأنه لا يمُت بصلة لهذا العالم، وفق المجلة.
وتصف تايم بن سلمان خلال المقابلة، قائلة: "كان يجلس على طرف أريكة بُنيّة اللون. يبدو وكأنه شخص تعرفه في الكلية أو رجل كبير يتحدّث عن شيء يبدو مهمًا بالنسبة له. شعره الخفيف مُتلبّد ويحمل مشروب كوكاكولا زيرو".
وأشارت إلى أنه تحدّث عن نظرته المستقبلية التطلّعية التي يسعى إلى نقلها للعالم بثقة، لاسيّما أنه يبحث في جزء كبير من خطته على المال؛ فالتمويل الأجنبي يُمثل عنصرًا حاسمًا في "رؤية 2030"، التي تعِد بالتوفيق بين المجتمع الإقطاعي والعالم من حوله.
وبقدر صعوبة ما يُمكن المرء أن يتخيله، فإن انهيار أسعار النفط والمطالب الاقتصادية والاجتماعية للشباب السعودي يتطلب إصلاحًا اقتصاديًا يستدعي حاجة بن سلمان لمساعدة خارجية، بحسب المجلة.
رأت المجلة أن هذا الأمر رُبما يعود -جزئيًا- إلى رفض السعوديين أنفسهم للتغيير. "من الصعب جدّا إقناعهم بأن هناك شيئًا آخر ينبغي القيام به"، يقول بن سلمان عن الجيل المؤسّس للمملكة.
ويُضيف للتايم: "ما حدث في وقتهم خلال الـ50 أو 60 عامًا، أشبه بما حدث في الأعوام الـ300 أو 400 الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد شاهدوا النقلة بأكملها في حياتهم".
لكن بن سلمان، (32 عامًا)، وُلِد في هذا العالم الحديث، حيث يبحث الشباب عن الجديد الذي يُبهرهم. "بالنسبة لنا كجيل شاب، فإننا لم نُشاهد ذلك، لأننا وُلدنا في تلك المدينة الحديثة والرائعة، وعشنا في اقتصاد يُعد بالفعل ضمن أكبر عشرين اقتصاد في العالم، وكان تركيزنا على ما كُنا نفتقده، وما لا نستطيع القيام به"، يقول للمجلة.
وتعتقد "التايم" أن حاجة ولي العهد للخارج رُبما ترجع أيضًا إلى الخوف من عواقب خطته، لما تحمله من تهديدات بزعزعة استقرار المنطقة. لا يتطلع بن سلمان إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط فقط، لكن أيضًا محاربة الأصولية الدينية، التي غذّت تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وطالبان وداعش على مدى عقود.
"نعتقد أن الممارسة اليوم في عدد قليل من الدول- من بينها السعودية- ليست ممارسة الإسلام، بل هي من ممارسة الأشخاص الذين اختطفوا الإسلام بعد عام 1979"، يقول بن سلمان للتايم.
منذ سبتمبر الماضي، زجّ بن سلمان بالعشرات من رجال الدين والمفكرين الإسلاميين في السجون، ما دفع المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إلى التساؤل عما إذا كان حديثه عن الإصلاح يخفي وراءه حملة لقمع المعارضة. يقول أحد كبار المسؤولين السابقين في البيت الأبيض للتايم: "قد يشعر الكثير من السعوديين اليوم بتحسن حال بلدهم، وخاصة الشباب، لكن هناك أشخاص آخرين يعانون قمعًا سياسيًا. هذا ليس إصلاح ديمقراطي".
ومع ذلك، تُشير المجلة إلى أن بن سلمان وجد في الولايات المتحدة بعض الداعمين المهمين، بما في ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصِهره المؤثّر جاريد كوشنر. لم يُشكّل ترامب تحالفًا وثيقًا مع المملكة مُستخدمًا إيّاه كـ"حائط صدّ" لردع إيران فقط، لكنه وطّد علاقته الشخصية مع ولي العهد السعودي أيضًا.
ترى المجلة إنه إذا كان دعم البيت الأبيض كافيًا لتطبيق إصلاحاته، لما كان بن سلمان انتقل من واشنطن إلى بوسطن ونيويورك وسياتل ووادي السيليكون وبيفرلي هيلز ودالاس. الأمر الذي يُثير السؤال حول ما إذا كان الآخرون سيحذون حذو البيت الأبيض في دعم ولي العهد بتوقيع صفقات تخدم خطته.
يتساءل آرون ديفيد ميلر، مسؤول سابق بوزارة الخارجية الأمريكية: "هل هذه خطة ذكية من قبل شاب يُدرك حاجة بلاده للتغيير، مع الحفاظ على نظام صارم وسلطوي في الداخل؟ أم أنه تحوّل من شأنه أن يغير بشكل جذري المفهوم الأمريكي للسعودية؟"
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي الذي يعمل الآن في مركز وودرو ويلسون. "عندما كنت في وزارة الخارجية، كنا نصلي من أجل قائد مثل هذا. لكن احذر من الرغبة في شيء تكتشف أنك لا تريده حقًا".
بمجرد وفاة الملك سلمان أو تخلّيه عن منصبه، سيتخطّى العرش جيلًا كاملًا- مئات الأمراء متوسطي العمر- ويذهب إلى بن سلمان، ولي العهد المعروف بأنه على عجلة من أمره. "لا أرغب في تبديد وقتي، أنا شاب".
تقول المجلة إن تردّي الأوضاع الاقتصادية في المملكة يبدو موائما مع نفاذ صبر بن سلمان. في عام 2015، عندما أصبح والده ملكًا، كان الاقتصاد النفطي السعودي على المحك، مع تراجع سعر برميل النفط، الذي كان مُخططًا أن يبلغ 100 دولار للبرميل الواحد، إلى 50 دولارًا. وفي الوقت نفسه، لم تعُد الولايات المتحدة –وقتذاك- في حاجة إلى الرياض كما كانت في السابق وباتت أقل اهتمامًا بها على نحو ملحوظ.
الأكثر إثارة للقلق حينها، وفق المجلة، أن الرئيس السابق باراك أوباما -وبخلاف أسلافه- كان مستعدا للانخراط بشكل مستمر مع إيران، العدو اللدود للسعودية. تُشير التايم إلى أنه بالرغم من أن طهران تُعد شوكة في ظهر واشنطن، إلا أنها تتقاسم معها ذات الرغبة في تدمير تنظيم داعش.
في خِضم ذلك، مضى الأمير الشاب -في هدء وبلا هوادة- يُعزّز سُلطاته. وقت صعود الملك سلمان، لم يكن الأمير محمد معروفًا خارج المملكة حتى أن عمره (29 عامًا حينها) كان مثار تكهّن لدى الغرب، ومع ذلك كان والده يُراهن عليه؛ فقد عيّنه وزيرًا للدفاع ومسؤولًا عن ميزانية ثالث أضخم الجيوش في العالم، وقتذاك، بعد الولايات المتحدة والصين. كما تولّى رئاسة شركة النفط السعودية العملاقة "أرامكو". وعُيّن رئيس هيئة التنمية الاقتصادية ونائب ولي العهد.
تقول "التايم" إن منصبه ولياً لولي العهد وضعه في المرتبة الثانية في خط الخلافة على العرش، بعد ابن عمه الأمير محمد بن نايف، البالغ من العمر 55 عامًا. لكن يبدو أن بن نايف لم يتطابق مع طموح بن سلمان، حتى صدر قرارًا في يونيو 2017 بإعفائه من منصبه وتعيين بن سلمان وليًا جديدًا للعهد.
وفي هذا الشأن، يقول بن سلمان للتايم: "الملك لديه الحق في الاختيار ولا يمكن لأحد أن يصبح ولي العهد أو وليًا لولي العهد دون إجراء التصويت الذي يتم بين بين 34 ناخبًا يمثلون أبناء الملك عبدالعزيز. وأنا حصلت على 31 من بين 34 صوتًا من مجلس البيعة، في أعلى نسبة تصويت في تاريخ المملكة. لذا، من الناحية التاريخية، حققت رقمًا قياسيًا في الأصوات المؤيدة داخل العائلة المالكة".
وأضاف: "أنا لا أعمل وحدي، بل أعمل مع أكثر من 40 شخصًا من العائلة المالكة، من جيلي ونفس عمري، لإنجاح الأمور في المملكة العربية السعودية".
بعد 5 أشهر من تعيينه وليًا للعهد، احتجزت السعودية عشرات من نُخب المملكة، بينهم أمراء ووزراء ورجال أعمال، في فندق ريتز كارلتون بالعاصمة السعودية الرياض، فيما عُرِف بـ"حملة مكافحة الفساد". وجرى توجيه تُهم للموقوفين بالفساد دون أي إجراء قانوني أو شفافية، وفق المجلة.
نهاية يناير الماضي، أُطلِق سراح جميع "مُحتجزي الريتز"، بعد 3 أشهر من إيقافهم بعد التوصل إلى تسويات مالية تجاوزت 400 مليار ريال سعودي (أكثر من 100 مليار دولار أمريكي)، مع السلطات. فيما تم الإبقاء على 56 شخصًا ممن رفض النائب العام التسوية معهم لوجود قضايا جنائية أخرى.
وسواء جرت هذه الحملة بهدف الابتزاز أو بهدف تطبيق العدالة، فإن حلقة "الريتز" قضت على خصوم بن سلمان السياسيين الرئيسيين وعزّزت سلطته. يقول السفير الأمريكي فريمان: "لقد كان شكلًا من أشكال الانقلاب- غير الدموي- على النظام القديم. كما أثّر على ثقة المستثمرين في استقرار المملكة".
وأضاف فريمان: "كافة السلطات التي كانت تتوزّع وفق الترتيبات الدستورية السابقة على نطاق واسع، في إطار ترتيبات التدقيق والتوازن، تم ضغطها وتركيزها في يد رجل واحد".
الأمر الذي يؤثر بالسلب على خطة بن سلمان لمعالجة اقتصاد المملكة والنهوض بوضعها العالمي والمُجتمعي، وهو ما كان يروّج له خلال جولته الأمريكية. في إطار (رؤية 2030)، يسعى بن سلمان لإنشاء صندوق ثروة سيادي بقيمة تتجاوز تريليونيّ دولار، كأكبر صندوق في العالم.
ويعتزم استثمار نصفه داخل المملكة والآخر خارجها. "سنستثمر نصف هذه الأموال لتمكين المملكة العربية السعودية، والـ 50 بالمائة المُتبقية سنستثمرها في الخارج لنضمن أن نكون جزء من القطاعات الناشئة في جميع أنحاء العالم"، وفق قوله.
كما يرغب في إجراء خصخصة شركة "أرامكو" جزئيًا وطرح أسهمها في البورصة فيما يُرجّح أن يكون أضخم اكتتاب في التاريخ. لكن بعد حملة الفساد، جاء الطرح العام الأولّي للشركة خارج التقويم الزمني المُخطّط له. ومضى بن سلمان قُدمًا في جولته للولايات المتحدة.
في مانهاتن، زار بن سلمان مقهى "ستاربكس" برفقة رئيس البلدية السابق، الملياردير الأمريكي مايكل بلومبرج، مُرتديًا سُترة وقميصًا مفتوحًا. فيما حرص على زيه السعودي التقليدي في زيارته لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفي سياتل، ظهر مُرتديًا "بدلة عمل" خلال لقائه مع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيف بيزوس، والمبرمج الأمريكي، بيل جيتس.
يُقال إن الملابس لا تصنع الرجال، لكن إذا كانت رسالة ولي العهد التي رغب في توصيلها للأمريكيين هي التحديث والمرونة، فإن ملابس بن سلمان خلال الجولة قالت عنه إنه أكثر من مجرد "إصلاحي". يقول بلال صعب، زميل بارز في معهد الشرق الأوسط: "لم يقُم أحد بما يُجريه بن سلمان في تاريخ السعودية بأكمله.. إنه فريد".
أجرى بن سلمان بعض التغييرات الملموسة في المملكة، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارات والمُقرر دخوله حيّز التنفيذ في يونيو المقبل، وفتح دور عرض سينمائية لأول مرة بعد أكثر من 30 عامًا من حجبها، فضلًا عن كبح جِماح الشرطة الدينية. وأثارت هذه التغييرات المتواضعة حماس النشطاء المُشكّكين في نوايا بن سلمان.
بالتوازي مع إصلاحاته، تُشير المجلة إلى أن ولي العهد يسير على نهج عالمي مُتداول: الاستبداد. وقد أحكم بن سلمان قبضته على الإعلام السعودي. ووفقًا أعضاء من لجنة الأمم المتحدة، تم اعتقال 60 ناشطًا وصحفيين وأكاديميين ورجال دين "بشكل تعسفي" منذ سبتمبر الماضي.
وتظل السعودية ملكية مطلقة، بحسب تصريحات بن سلمان مع التايم، مؤكدًا أنه لا يحمل خططًا لتخفيف سلطته في السنوات الـ50 القادمة التي قد يحكمها. "ما ينبغي التركيز عليه هو النهاية وليس الوسيلة.. وإذا كانت الوسائل تأخذنا إلى النهاية الجيدة، والجميع متفقون عليها، سيكون ذلك سيكون جيدًا".
وأوضح بن سلمان أنه يسعى إلى حرية التعبير وتحسين فرص العمل وإنعاش الاقتصاد وتحقيق الأمن والاستقرار في المملكة. ويقول إن "نهجه المطلق أفضل وسيلة لتحقيق ذلك، والنأي عن الفوضى التي أعقبت الربيع العربي في أي مكان آخر في المنطقة".
على مدى عقود، كان "الاستقرار" أكثر المطالب التي سعت الولايات المتحدة أن تُحققها السعودية في المِنطقة. وبعد فترة قصيرة من مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرياض، بعد انتهاء القمة العربية الإسلامية الأمريكية، في مايو الماضي، فاجأ السعوديون العالم بمُقاطعة قطر.
قطعت السعودية وبعدها مصر والإمارات البحرين علاقاتها الدبلوماسية وروابطها التجارية مع قطر، منذ 5 يونيو الماضي، متهمة إياها بدعم وتمويل الإرهاب. الأمر الذي تواصل الدوحة نفيه وإنكاره، وتتهم الدول الأربع بفرض حصار عليها ينتهك سيادتها.
في نوفمبر، ظهر بن سلمان وكأنه احتجز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، رهينة لأكثر من أسبوعين، بعد إعلان الأخير استقالة مُفاجئة من العاصمة السعودية الرياض. الأمر الذي نفته المملكة وأكّدت أنه "عارٍ تمامًا عن الصحة". في خِضم الضجة الإقليمية والعالمية التي أعقبت ذلك، عاد المسؤول اللبناني إلى بيروت وتراجع عن استقالته بعد أيام.
تربط "التايم" بين الحدثين، قائلة إن المُحرّك الرئيسي وراء كل ذلك هو إيران، التي تُسلّح الحوثيين الشيعة في اليمن، وتجمعها علاقات وثيقة مع قطر، كما تلعب دورًا مركزيًا في السياسة اللبنانية. وعلاوة على ذلك، تُعد المُنافس الأكبر للسعودية على مستوى القوة الإقليمية والقيادة في العالم الإسلامي.
يصف بن سلمان إيران بأنها "سبب كل المشاكل في الشرق الأوسط"، بما في ذلك التطرف الديني في المملكة الذي أرجعه ولي العهد إلى عام 1979، حيث اقتحم المتطرفون السُنّة أقدس موقع في الإسلام، المسجد الحرام في مكة المكرمة، ودعوا للإطاحة بآل سعود بدعوى "عدم كفاية التقوى".
فيما رد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، على تصريحات بن سلمان، قائلا إن "شغف ولي العهد السعودي بالسلطة قد تخطى حدوده ليتحول إلى مرض مزمن يصعب علاجه"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، الجمعة.
إضافة إلى ذلك، يبدو من تصريحات بن سلمان أن المملكة تعمل على تخفيف موقفها العام تجاه اسرائيل، بعد أن أقّر بالتعاون معها عبر قنوات خلفية دبلوماسية واستخباراتية، على مدى سنوات، لمواجهة إيران. "لدينا عدو مشترك، ويبدو أن لدينا العديد من المجالات المحتملة للتعاون الاقتصادي"، يقول ولي العهد للتايم.
وأضاف: "لا يمكن أن يكون لنا علاقة مع إسرائيل قبل حل قضية السلام مع الفلسطينيين، لأن كلا منهما لهما الحق في العيش والتعايش. وعندما يحدث ذلك، بالطبع في اليوم التالي سيكون لدينا علاقة جيدة وطبيعية مع إسرائيل، وستكون الأفضل للجميع".
كل ذلك يجعل من المملكة "سعودية جديدة" بشكل أو بآخر، وفق التايم.
بالنسبة للمُتابعين في الخارج، فإن الخطر السعودي الأكثر وضوحًا ينبثق من اندفاع بن سلمان في السياسة الخارجية، والحرب الدائرة في اليمن تُعد المثال الأكثر مُدعاة للقلق. يقول ستيفن سيش، سفير الولايات المتحدة السابق في اليمن: "كان ذلك تصرف متهوّر إلى حدٍ ما وغير حكيم ومرتجل، وهو ما يثير أسئلة حول ما إذا كان يستطيع تنفيذ خطط طموحة أخرى".
التحدّي الحقيقي أمام بن سلمان، في نظر المجلة، هو التوفيق بين القبضة الحديدية التي يفرضها على مُنافسيه في الداخل، والصورة الساحرة التي يُحاول تصديرها للخارج كقائد مُصلِح مُتفاني يسعى للتغير. يقول صعب إنه "يحاول حقًا تصدير صورة معينة، عمل عليها بكدّ للغاية".
فيما يقول ميلر من مركز وودرو ويلسون: "أضمن لك أن الأشخاص الذين جلس معهم بن سلمان يسألون أنفسهم: ما الجديد في الشرق الأوسط؟ 3 كلمات: المملكة العربية السعودية".
فيديو قد يعجبك: