نيويوركر تكشف دور صهر ترامب في تغيير الشرق الأوسط
كتبت- هدى الشيمي ورنا أسامة:
بعد أيام من تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2017، قرر صهره ومستشاره لشؤون الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، البحث عن أفضل طريقة لإعادة هيكلة الشرق الأوسط. كان ترامب قد تعهد خلال حملته الانتخابية، بعمل تغييرات كبيرة في المنطقة.
قال ستيف بانون، كبير المستشارين الاستراتيجيين السابق في إدارة ترامب، في حوار مع مجلة "نيويوركر" ضمن تقرير مطول عن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إن "خطتنا هي القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق، ثم الذهاب إلى إيران. ثم إجبار دول الخليج على الامتناع عن تمويل الجماعات الإسلامية المتشددة".
وبحسب بانون، فإن مبادرة الشرق الأوسط، كانت واحدة من النقاط القليلة التي كانت محل اتفاق داخل البيت الأبيض، خاصة بينه وبين كوشنر. يقول: "جاريد وأنا في حالة حرب بخصوص عدة موضوعات إلا أن هذا الموضوع ليس من ضمنها"، في إشارة منه إلى موقفهما من قضايا الشرق الأوسط.
أصبح كوشنر، صهر ترامب، المسؤول عن السياسات المتعلقة بالمنطقة، وأوكل إليه الرئيس الأمريكي ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، رغم أنه ليس لديه أي خبرة دبلوماسية، وليس لديه أي دراية بسياسات الشرق الأوسط. فكوشنر، 36 عامًا، قضى حياته يعمل في شركات عائلته في نيوجيرسي ونيويورك، ويدير مجلة نيويورك أوبزرفر، التي كرسها لتغطية أخبار ترامب خلال حملته الانتخابية.
قال مسؤول أمريكي سابق في وزارة الدفاع للمجلة، إن كوشنر قضى وقتًا طويًلا لاكتساب خبرة في السياسة الخارجية. وأضاف "إنه ليس ضليعًا في هذه الأمور"، ولكنه اكتسب خبرة من التعامل والتحدث مع المسؤولين عن اتخاذ القرارات في هذا الجزء من العالم.
وأضاف: "يمكنك أن تقرأ الكثير من الكتب، ولكنك لا تكتسب على هذا النوع من الخبرة والمعرفة، إلا من خلال التحدث مع الباحثين والعلماء في كسينجر، وبترايوس"، وهي مراكز بحثية مرموقة.
"المحرك الرئيسي"
بعد عدة أسابيع، أي بعد التنصيب بفترة وجيزة، بدأ كوشنر محاولاته لتعزيز علاقاته بالمملكة العربية السعودية. تضمنت خطته، زيارة ترامب للعاصمة السعودية الرياض وعقد قمة يحضرها زعماء 55 دولة ذات أغلبية مُسلمة. قال مسؤول سابق في وزارة الدفاع، إن "جاريد كان المُحرك الرئيسي لكل ذلك".
قالت المجلة إن ترامب، تمكن من خلال تجمع واحد، تقديم نفسه للعالم الإسلامي، وإصلاح العلاقات الأمريكية الإسلامية، وتهديد إيران.
في غرفة الاجتماعات في البيت الأبيض، التقى كوشنر بالمستشارين من مجلس الأمن القومي. قال المسؤول السابق في وزارة الدفاع: "بحثنا الخريطة وقيمنا الوضع". وبالنظر إلى ما يحدث في المنطقة، قالت المجلة إن مستشاري الرئيس استنتجوا أن إيران تستحوذ على الجانب الشمالي من المنطقة، لاسيما مع سيطرة حزب الله على لبنان، وهو أحد وكلاء إيران في المنطقة.
في سوريا، ساعدت إيران الرئيس السوري بشار الأسد على الخروج من مأساته العسكرية، وتعزز الآن مستقبله السياسي. أما في العراق، فالحكومة تحت السيطرة الإيرانية. وقال مسؤول أمريكي للمجلة :" قلنا لأنفسنا.. ماذا الآن؟ اصدقائنا كانوا إسرائيل والسعودية. فلا يمكن أن ننجح في الخليج بدون المملكة"، ما يعني تغيير النهج الأمريكي الذي أيده أوباما، على عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين، والذي أغضب السعوديين بشدة، لاسيما مع تساهله مع إيران وتوقيعه لاتفاق نووي معهم.
كان أوباما يأمل أن يخلق توازنًا بين الرياض وطهران. وقال للصحفي جيفري جولدبيرج، في مارس 2016، أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يتطلب من واشنطن أن تقول لحلفائها وكذلك الإيرانيين أنهم بحاجة للتوصل إلى طريقة فعالة للمشاركة، والتوصل إلى مبادرة سلام.
"صديقان مقربان"
وهذا ما لم يرغب فيه ترامب وكوشنر. وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع للمجلة، إنهما فعلا أي شيء وكل شيء قد يحسن العلاقات الأمريكية السعودية. وفوق كل ذلك، عملا على تشكيل تحالف مع نائب ولي العهد الجديد، وقتذاك، الأمير محمد بن سلمان.
مع تزايد التعقيدات في الشرق الأوسط أمام كوشنر، بدأ محادثاته مع بن سلمان، عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني. قال مسؤول أمريكي سابق إنهما أصبحا مقربين جدا بسرعة. "أنهما يران العالم بنفس الطريقة، فهما يعتبران أنفسهما بارعان في عالم المال والتكنولوجيا".
تابع كوشنر زيارته للرياض، وفي أول رحلة يقوم بها من بين ثلاث رحلات، استمرت محادثاتهما حتى الفجر تقريبًا، حيث ناقشا مستقبل بلادهما.
كما علم كوشنر، فإن بن سلمان كان متورطًا في حرب على الخلافة، حذرت الولايات المتحدة من أنها قد تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة. وكان لدى بن سلمان أفكاره الخاصة عن إعادة هيكلة الشرق الأوسط، بحسب ما قاله ستيف بانون للمجلة.
ووفقا لبانون، فإن الرسالة التي رغب هو وكوشنر في أن يرسلها ترامب لقادة الشرق الأوسط، هي أن الأوضاع تغيرت تماما. قال بانون: "أخبرناهم، وترامب أخبرهم، بأننا سندعمهم، ولكننا نريد أفعال"، ولم يبدُ أحد رغبة في سماع هذه الرسالة وتنفيذها أكثر من نائب ولي العهد، وقتذاك، بن سلمان.
في أواخر أكتوبر الماضي، أجرى كوشنر زيارة غير مُعلنة لولي العهد، في ثالث زيارة له إلى المملكة منذ الانتخابات. وبالرغم من أنه كان يُفترض أن يركز في محادثاته مع بن سلمان على خطة السلام بين إسرائيل وفلسطين، المعروفة باسم "صفقة القرن"، قرّر بوضوح أن يصب اهتمامه نحو الهدف الأكثر إلحاحًا في المنطقة وهو: توحيد الشرق الأوسط ضد إيران.
بعد وقت قصير من مغادرة كوشنر، عقد بن سلمان لقاءًا مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لبحث آفاق السلام في الشرق الأوسط. ووفقًا لمسؤول سابق في إدارة أوباما، قدّمت السعودية خطة كانت مواتية بشكل جذري لإسرائيل؛ إذ تعترف بأحقية إسرائيل المزعومة في القدس المحتلة وتُصادق على جميع مستوطناتها تقريبًا في الضفة الغربية، ما يمنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.
ونقلت النيويوركر عن مسؤول فلسطيني كبير، لم تذكر هويته، قوله إن القادة العرب يمارسون ضغوطًا مكثفة على عباس، يبدو أنها تُجرى بالتنسيق مع إدارة ترامب، وقال إن "الفكرة كلها تتمحور حول تسوية قضية القدس، حتى يتمكن البيت الأبيض من إقامة جبهة موحّدة ضد إيران"، لكنه يعتقد أنه "إذا طُرِحت قضية القدس على الطاولة، فلن نقوى على ذلك أبدًا".
"تخوفات وشكوك"
وفي هذا الشأن، أعرب مسؤولون حكوميون كبار عن قلقهم من طريقة تعامل كوشنر مع القضايا الخارجية الحساسة في ظل نقص خبرته الدبلوماسية، وأظهروا قلقهم من أن المسؤولين الأجانب قد يحاولون التأثير عليه من خلال عقد صفقات خارجية مع عائلته. وفحص روبرت مولر، المستشار الأمريكي الخاص المُكلف من مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق في مزاعم تورط روسيا في الانتخابات الأمريكية، علاقات المستشار الأمريكي التجارية بالدول الأجنبية في إطار التحقيقات التي يقوم بها.
وكانت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قد نشرت تقارير يُفيد بأن وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي الجنرال ماكماستر أعربا عن قلقهما من تلاعب كوشنر بالسياسة الخارجية. وبحسب الصحيفة فإن تيلرسون قال للموظفين في البيت الأبيض في غضب: "من وزير الخارجية هنا؟".
وفي أواخر فبراير الماضي، قرر جون كيلي، كبير موظفي البيت الأبيض، فرض قيود على التصريحات الأمنية المؤقتة، وإعادة النظر في الإجراءات المتبعة في هذا الشأن، بعد أن تبين أن روب بورتر، المستشار السابق في البيت الأبيض، عمل لأشهر طويلة دون أن يكون لديه تصريح أمني كامل، ما خوله من الوصول يوميا إلى المكتب البيضاوي والإطلاع على وثائق بالغة السرية، الأمر الذي أثار خشية مسؤولين حاليين وسابقين عن عملية مفاوضات السلام في الشرق الأوسط، من قد يؤثر فقدان كوشنر حق الاطلاع على المعلومات سرية، على دوره في الوصول إلى خطة سلام فلسطينية إسرائيلية.
فيديو قد يعجبك: