في نيويورك تايمز: هل أوشكت أوروبا على الانهيار؟
كتبت - هدى الشيمي:
يتوقع الكاتب والصحفي الأمريكي توماس فريدمان أن تقود الأحداث التي تشهدها أوروبا الآن إلى نهاية مأساوية، لاسيما مع انتشار الاحتجاجات في أكثر من مكان- فرنسا وهولندا وبلجيكا-، وادارة بريطانيا ظهرها للاتحاد الأوروبي، واستقالة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
يقول فريدمان إنه منذ الحرب العالمية الثانية، أسست الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة في أوروبا المعروفة الآن بـ"الاتحاد الأوروبي" النظام العالمي الليبرالي الذي نشر المزيد من الحريات والازدهار والرخاء حول العالم أكثر من أي وقت مضى في التاريخ.
والآن، يوضح فريدمان أن هذين المركزين من الأسواق الحرة والأشخاص الأحرار والأفكار الحرة يتعرضان لهزّة قوية من التمردات التي تحدث في المناطق الريفية وبعض الضواحي، حيث يعيش العاملون من الطبقات المتوسطة والفقيرة، الذين لم يستفيدوا كثيرًا من الانفتاح والعولمة والتطور التكنولوجي الذين أحدثوا طفرة في بعض المدن مثل لندن وباريس وسان فرانسيسكو.
يقول فريدمان، في مقال نُشر اليوم في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إنه بالنظر إلى الظروف الحالية في أوروبا بإمكاننا جميعًا توقع حدوث تغييرًا كبيرًا في القارة العجوز، فقد شاهد لتوّه مناظر مروّعة للمحلات الباريسية التي حصنّت أبوابها ونوافذها جيدًا قبل احتفالات أعياد الميلاد، لكي تتفادى الأضرار التي قد تصيبها خلال احتجاجات حركات السترات الصفراء في جادة الشانزليزيه الشهيرة.
كذلك يشير فريدمان إلى إعلان إيطاليا، وهي أحد الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي، إنها قد تتخلى عنه وعن اليورو في ظل الائتلاف الحاكم الجديد، وقد أصيبت بريطانيا بالشلل من خلال العمل على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه يُشيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفكرة تفكيك الاتحاد الأوروبي.
يرى الكاتب الأمريكي أن التحدي الأساسي بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واحد، فإن التطور التكنولوجي السريع وأشكال العولمة الجديدة ساعدوا على وصول المهاجرين إلى العديد من المناطق النائية في مجتمعاتهم، والذين باتوا يهيمنون على الإسكان العام في فرنسا الآن، كذلك تغيرت الأعراف الاجتماعية الثابتة، مثل قبول زواج المثليين ومطالبة المتحولين جنسيًا بحقوقهم، في الوقت نفسه لم يعد موظفي الطبقات المتوسطة يحصلون على أجور تساعدهم على الحفاظ على أنماط حياتهم.
الطبقة المتوسطة التي ساعدت على نمو وصعود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في القرن العشرين كانت تعتمد في الأساس على ما يُسمى بـ" الوظيفة ذات الأجر العالي والمهارات المتوسطة"، إلا أن ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدام الروبوتات المستوردة من الصين قضى على الكثير من الوظائف الروتينية.
أما الآن فقد تغيرت الأوضاع كثيرًا، يقول فريدمان إنه أصبح هناك وظائف عالية الأجر تعتمد على مهارات كبيرة، ووظائف متدنية الأجور لا تتطلب مهارات كبيرة، ما يضع الطبقة المتوسطة في أزمة كبيرة.
ثم يضيف الكاتب الأمريكي: "عندما تجتمع كل هذه الظروف في آن واحد، ويجد المواطنون أنفسهم أمام الكثير من التحديات التي تؤثر على احساسهم بالوطنية، وأمنهم الوظيفي، وسبل تحقيق النمو، والقيم والمعايير الاجتماعية التي شكلت حياتهم وثقافتهم، فمن الضروري أن يحدث فوران كما حدث مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال الأسابيع الماضية".
يرى فريدمان أن الخروج من هذه الأزمة يتطلب توصل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى استراتيجية استثنائية، تساعدهم على رأب الصدع.
يحتاج قادة العالم الآن، حسب فريدمان، إلى استراتيجية تمكنهم من تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي وإعادة التوزيع، ورعاية هؤلاء الذين يشعرون بأنهم منسيين وتركوا في الخلف ودعم الأجيال الجديدة في الوقت نفسه.
كذلك يؤكد الكاتب الأمريكي على ضرورة السماح بحرية الانتقال عبر الحدود، للسماح بتدفق المواهب والأفكار الجديدة، ومساعدة الناس على استرداد شعورهم بالوطنية والانتماء إلى بلادهم، حتى يتوفقوا عن الشعور كالغرباء في أوطانهم.
أثار تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكسيت) استغراب كثيريين، إلا أن فريدمان لم يكن منهم لأنه يعي جيدًا لماذا وافقوا على هذا الطلاق، ويقول: "تم اقناع الشعب بأنهم من خلال البريكسيت قادرين على التخلي عن الأشياء التي لا تعجبهم مثل كثرة العمالة الأجنبية، والاحتفاظ بالأشياء التي يحبونها مثل حرية المملكة البريطانية واستقلالها".
أما في فرنسا، فيقول فريدمان إن الرئيس ماكرون كانت لديه الجرأة لفعل بعض الأمور لزيادة نمو فرنسا، ونجح في فعل ذلك لأول مرة، ولكن المشكلة هنا تمثلت فيه أنه لم يفهم الفرق بين فعل الشيء الصواب، والقيام به بطريقة صحيحة.
وينقل فريدمان قول الخبير الاقتصادي الفرنسي لودوفيك سبران قوله بإن "ماكرون لم يفهم كيف أثرت سياساته بشكل مختلف على شاربي البيرة (الفقراء والطبقة المتوسطة) وشاربي النبيذ (الأغنياء)".
ولإنقاذ رئاسته، تراجع ماكرون عن فرض الضريبة عن الوقود، وأعلن رفع الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو، وألغى الضريبة المُخططة على المعاشات التقاعدية، ولكن لأن السترات الصفراء ليس لهم قائد فلا يعرف أحد ماذا سيحدث.
والآن باتت فرنسا بلد لها زعيم بلا أتباع ومعارضة بلا زعماء، على حد قول خبير السياسة الخارجية الأمريكي مايكل ماندلباوم.
ونقل فريدمان عن دومينيك مويزي ، أحد كبار محللي السياسة الخارجية في فرنسا، كلماته التي تشرح الوضح بإيجاز: "في الوقت الذي انسحبت في الولايات المتحدة من الساحة الدولية، بعد أن كانت حائط الصد الذي يحمي الاتحاد الأوروبي من التهديدات الشرسة القادمة من الشرق، وتعاظم الوجود الروسي في الشرق الأوسط بهدف الانتقام من السياسة العالمية، ولم تعد ألمانيا تهتم إلا بشؤونها الداخلية، وتمردت إيطاليا على الاتحاد الأوروبي، وأصبحت كل الطرق تؤدي إلى بكين، وبريطانيا مصرة على الانتحار بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وإذا فشل ماكرون فإن أوروبا التي عرفناها ستنتهي تمامًا".
فيديو قد يعجبك: