أسكاس أماينو: ماذا تعرف عن التقويم الأمازيغي؟
برلين (دويتشه فيله)
يحتفل السكان الأصليون في دول شمال إفريقيا الجمعة برأس السنة الجديدة حسب التقويم الأمازيغي. كيف تحتفل دول المغرب العربي بهذه المناسبة؟ وفي أي بلد يعتبر هذا اليوم عيداً رسمياً؟
يعتبر الأمازيغ (البربر) من السكان الأصليين لشمال إفريقيا، والذين سكنوا المنطقة الممتدة من واحة سيوة في مصر شرقاً إلى سواحل المحيط الأطلسي للقارة الأفريقية غرباً. ويمتد وجودهم من البحر الأبيض المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً.
يختلف المؤرخون في أصل تسمية "البربر"، ولكن المؤكد أنها كلمة إغريقية أطلقها اليونانيون على من لا ينتمي لحضارتهم، وكذلك استخدمها الرومان لنفس الغرض. ويعود أصل كلمة "الأمازيغ" إلى مفرد كلمة "أمازيغ"، التي تعني الرجل الحر في لغة قبائل الطوارق الأمازيغية القديمة.
ينتشر الأمازيغ في دول المغرب العربي، ويعود تاريخهم إلى ما قبل الإسلام. وتجمع اللغة الأمازيغية بينهم، وإن كانت تتوزع بين لهجات عدة. وتسعى جمعيات تدافع عن الهوية الأمازيغية للحصول على اعتراف أكبر ورسمي بهؤلاء السكان الأصليين.
هذا ويعتمد التقويم الأمازيغي المستلهم من التقويم اليولياني (الروماني) على الفصول الزراعية والعمل في الحقول. وتم اختيار تاريخ تنصيب فرعون البربر شيشنق الأول على عرش مصر سنة 950 قبل الميلاد للبدء بذلك التقويم. ويوافق عام 2018 في التقويم الميلادي الحالي عام 2968 في التقيوم الأمازيغي، أي بإضافة 950 سنة. و يحتفل الأمازيغ، الذين يسبق وجودهم تعريب المنطقة، الجمعة ببداية سنة 2968.
يشار إلى ان التقويم الأمازيغي يتألف من 12 شهراً أسماؤها مشتقة من اللاتينية. ويبلغ طول السنة وطول الشهور بالتقويم الأمازيغي نفس التقويم اليولياني (الروماني). أما تأخر رأس السنة الأمازيغية عن التقويم الروماني بـ12 يوماً يرجع إلى معتقدات أمازيغية.
الجزائر
تحتفل الجزائر، التي يشكل الأمازيغ ربع سكانها، الجمعة بعيد "يناير"، أو رأس السنة الأمازيغية، الذي أقر إجازة رسمية لأول مرة في البلاد حيث تطالب هذه الأقلية بالاعتراف بهويتها.
وككل سنة، يحتفل الجزائريون بحلول السنة الأمازيغية الجديدة بإعداد أطباق شهية كبيرة مثل الكسكسي بالدجاج أو لحم الضأن، وبالأهازيج والرقص والألعاب التقليدية والعروض المسرحية وعروض الفروسية، ولكن يضاف إليها هذه السنة العديد من الفعاليات الرسمية التي ترعاها المؤسسات الحكومية في مختلف أنحاء البلاد، خاصة بعد اكتسابها هذه السنة صفة رسمية عندما أعلنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في السابع والعشرين من ديسمبر عيداً رسمياً في كل أنحاء الجزائر بهدف تعزيز "الوحدة الوطنية".
ويتركز القسم الأكبر من السكان الأمازيغ في المنطقة الجبلية إلى الشرق من العاصمة الجزائر (منطقة القبائل في تيزي وزي)، علماً أن عدد الناطقين بلغة الأمازيغ يصل إلى عشرة ملايين شخص في عموم البلاد، يتوزعون في منطقة القبائل، والمزابية في وادي مزاب في وسط البلاد، والشاوية في الأوراس في الشرق، والطوارق في الجنوب. ويحتفل أمازيغ الجزائر بعيد يناير منذ زمن طويل، لاسيما في المناطق الناطقة بالأمازيغية.
وضمن العادات الأمازيغية في الأعياد ارتداء النساء الملابس التقليدية المطرزة ذات الألوان الزاهية التي يطغى عليها الأحمر والأصفر وإعداد الطعام وترديد الأغاني التقليدية القديمة التي تثني على الخيرات التي يجلبها معه "يناير"، الذي يمثل رديفاً للوفرة والرخاء.
تجدر الإشارة إلى أن أهالي منطقة القبائل يطالبون منذ ستينيات القرن الماضي بالاعتراف بالهوية والثقافة القبليتين بصورة خاصة والبربريتين بصورة عامة، واللتان تعرضتا للإنكار وحتى القمع من قبل أجهزة السلطة التي سعت إلى توحيد البلاد عن طريق حركة التعريب.
لكن الجزائر اعترفت باللغة الأمازيغية لغة وطنية في مارس 2002 بعد احتجاجات دامية أطلق عليها اسم "الربيع الأسود"، أوقعت 126 قتيلاً في سنة 2001 في منطقة القبائل، بعدها تم الاعتراف بها بصفتها اللغة الرسمية الثانية في البلاد بعد العربية في تعديل دستوري اعتمد سنة 2016.
المغرب
يضم المغرب أكبر عدد من السكان الأمازيغ في دول شمال أفريقيا. وتنادي أصوات عديدة هناك باعتبار رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة رسمية، مثل رأس السنة الميلادية أو الهجرية، ويستندون في ذلك إلى اعتراف الدستور الجديد الصادر سنة 2011 بلغتهم كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. ومن نتائج هذا الاعتراف ظهور حروف "تيفيناغ" التي تكتب بها اللغة الأمازيغية على واجهات المباني الحكومية إلى جانب العربية والفرنسية.
ومنذ 2010، بدأت قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الأمازيغية، تمازيغت تي في، في البث في المغرب وتركز على الترويج للثقافة الأمازيغية. وينص مشروع قانون ما يزال قيد الدراسة في الحكومة على تعليم اللغة الأمازيغية في المدارس بهدف تعميم استعمالها.
ويظهر العلم الأمازيغي بكثرة خلال التظاهرات الاحتجاجية في مناطق ذات غالبية أمازيغية مثل الريف المغربي. ويحمل شعار "إيمازيغن" - جمع "أمازيغ" - وتعني الكلمة "الرجال الأحرار".
وبحسب إحصاء أجري عام 2004، فإن 8.4 مليون مغربي من أصل أكثر من 30 مليوناً يتكلمون إحدى اللهجات الثلاث المنتشرة في البلاد، وهي تاريفت وتمازيغت وتشلحيت. ويقيم الأمازيغ كل سنة احتفالات لمناسبة يناير في المناطق التي يتركز وجودهم فيها، لا سيما في الجنوب.
ليبيا
بعد عقود من الاضطهاد في ظل الحكم الدكتاتوري لمعمر القذافي، الذي لم يكن يعترف بوجودهم، يشكو الأمازيغ في ليبيا من التهميش ويطالبون بـ"حق" الاعتراف الرسمي بلغتهم إلى جانب اللغة العربية، والتمثيل العادل في البرلمان.
ويمثل الأمازيغ 10 في المائة من السكان ويعيشون خصوصاً في الجبال الواقعة غرب طرابلس أو في الصحراء جنوباً. ومنذ سقوط نظام القذافي في 2011، أصبحت مطالب السكان الأمازيغ أكثر ظهوراً وإلحاحاً. وظهر العلم الأمازيغي على كل المباني الحكومية جنباً إلى جنب مع العلم الليبي، وفي بعض الأحيان وحده في المناطق التي تقطنها أغلبية أمازيغية.
كما ظهرت كتب مدرسية باللغة الأمازيغية، ولو أنها غير معترف بها من وزارة التربية (التابعة لحكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً). ويطالب الأمازيغ بآليات تسمح لهم بإبراز خصوصياتهم الثقافية في الدستور، على أساس التوافق.
وينص مشروع الدستور الذي صادق عليه البرلمان وينتظر الاستفتاء عليه على الاعتراف باللغات التي تتحدثها مختلف المجتمعات، ومنها الأمازيغية، كجزء من التراث الثقافي الليبي. لكن اللغة العربية تظل هي اللغة الرسمية الوحيدة. ولا ينص هذا الدستور على أي تفريق بين الليبيين على أساس اللغة أو العرق أو اللون.
تونس
لا يُعرف الحجم الديمغرافي للأمازيغ في تونس، على اعتبار أن الإحصاء على أساس عرقي ممنوع. وإضافة للمناطق الجنوبية، فإن أغلب الأمازيغ يقطنون العاصمة تونس بفعل النزوح الريفي.
ويعتبر الأمازيغ أنفسهم ضحايا تهميش وإنكار لخصوصياتهم الثقافية من طرف دولة ينص دستورها على أن لغتها هي العربية ودينها هو الإسلام. وبحسب رئيس الجمعية التونسية للثقافة الأمازيغية، جلول غاكي، فإن 50 في المائة من التونسيين ينحدرون من أصل أمازيغي، لكن أقل من واحد في المائة فقط يتحدثون اللهجة الشلحية. من ناحية أخرى، يأسف الناشط نوري نمري لـ"عدم وجود أي إرادة لدى الدولة للحفاظ على التراث الثقافي الأمازيغي الذي يكاد يكون غائباً من البرامج الدراسية".
ويأمل الناشطون بـ"إصلاحات بخطى صغيرة" بهدف "أن يعترف الشعب التونسي بالثقافة الأمازيغية كجزء من الهوية التونسية" من خلال تخصيص مثلاً "مساحة لها في الاعلام".
ومنذ ثورة 2011، أصبحت وسائل الإعلام والمجتمع المدني أكثر انفتاحاً. وتمنى وزير حقوق الإنسان التونسي عاماً سعيداً لمواطنيه الأمازيغ بمناسبة يناير في عام 2017.
فيديو قد يعجبك: