كالابار التي كانت سوقا للعبيد تتحول معبرا للمهاجرين السريين
(أ ف ب):
يجتازون الاف الكيلومترات من غرب افريقيا حتى كالابار في جنوب نيجيريا، حيث يقودهم قارب إلى "حياة افضل".
هؤلاء لا يجتازون البحر المتوسط وهدفهم ليس اوروبا، بل بلدان النفط الافريقية الغنية الاقرب والرحلة اليها أقل خطورة.
يتحدر سيمفوريان هونكانرين، 35 عاما، من قرية كيتونو الغنية في بنين، وباستثناء الصيد "لا يفعل شيئا هناك" حيث توقف الشبان مثله عن الذهاب الى المدرسة في الصف الثاني متوسط. وذهب أخوته جميعا الى ليبرفيل في الغابون او الى مالابو في غينيا الاستوائية.
وبحماسة يقول هذا الشاب الذي يحلم بالالتحاق بهم، "العمل متوافر، يمكنك كسب كثير من المال هناك".
وأضاف "تستطيع العودة وبناء بيت جميل في القرية على غرار الذين يعيشون في اوروبا!".
وذكرت الامم المتحدة في 2012 بأن اكثر من نصف المهاجرين الافارقة يبحثون عن عمل في بلدان قارتهم.
وعلى غرار الغابون وسكانها الذين يناهز عددهم 1,8 مليون نسمة، تجتذب البلدان المنتجة للنفط والقليلة السكان، أعدادا كبيرة من العمالة الاجنبية سنويا.
ومن أجل الوصول إلى تلك البلدان، لا يتردد مواطنون من بوركينا فاسو ومالي ونيجيريا او من بنين ايضا، في القيام بالمجازفة ومواجهة المخاطر.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال ناصر افاغنون مندوب المنظمة الدولية للهجرة في بنين، "لا يعرف احد عدد الذين يغادرون ولا عدد الذين يموتون" في الطريق، لأن هذا النوع من الاحصاءات متوافر لدى عدد قليل جدا من الدول الافريقية.
وبفضل حرية التنقل في الفضاء الاقتصادي لغرب افريقيا، يصل القسم الأكبر برا إلى كالابار في نيجيريا.
وأصبح هذا المرفأ الهادىء في خليج غينيا الذي يبعد الاف الاميال المائية من البلدان المنافسة، محور تهريب المهاجرين في افريقيا الوسطى في السنوات الاخيرة.
أمام رصيف تكسوه القمامة، يعد موظف من الاتحاد البحري (النقليات البحرية) زبائنه برحلة مضمونة "من دون التدقيق في الهويات": سبعة آلاف نايرا (20 يورو) حتى مرفأ ليمبي الكاميروني. ومنه تنقلهم سفينة اخرى إلى الغابون ب 15 الف فرنك افريقي (23 يورو).
وللرحلة نفسها، يعمد البعض الى ابتزاز 350 الف فرنك افريقي (533 يورو) للمهاجر الواحد.
ويهيمن المهربون على طول الشارع في مارينا باي في وسط كالابار. وتطلق عليهم هنا تسمية "رجال الاعمال".
وخلال النهار، ينقلون ضمن الأطر الشرعية، الصيادين والبضائع الى المرافىء النيجيرية المجاورة. لكن نوعا آخر من البضاعة البشرية والصامتة، تنطلق على متن زوارقهم، قبل بزوغ الفجر.
في اواخر فبراير، دق جو ابانغ وزير العدل في ولاية كروس ريفر جرس الانذار. ونبه في اجتماع عام الى ان "كالابار اصبح مرفأ العبور للمهربين".
واضاف "انهم يستخدمون المرافىء ومختلف لغات المنطقة لنقل ضحاياهم الى بلدان مثل الكاميرون وغينيا الاستوائية والغابون". وقال "لكني سأقول لهم ما لا يسرهم: لم يكن كروس ريفر ولن يكون ملجأ للمجرمين".
إلا ان متحف المدينة الذي يشرف على البحيرة، يذكر بالبلدان التي ساهمت في جمع ثروات سكانها. ومن سخرية القدر المريرة، ان كالابار كان بين القرنين السابغ عشر والتاسع عشر مرفأ كبيرا لتجارة الرقيق الى العالم الجديد.
وحتى ان عناصر قبيلة الايفيك المحلية الذين كانوا يأسرون رجال القبائل الداخلية لمقايضتهم بالحلى مع الاوروبيين، كانوا معروفين بأنهم "مفاوضون بارعون جدا"، كما يتبين من الكتابات المتبقية على الجدران المتآكلة لهذا المقر
الاستعماري القديم.
وقال باسي ندم الوزير السابق في كروس ريفر "لقد جعلنا من العبوية مكونا من مكونات عقليتنا. لكن الافارقة هم الذين يلتمسون الان الصعود الى السفن".
قال ناصر افاغنون من منظمة الهجرة الدولية ان "عملاء عديمي الضمير" يعمدون الى تنظيم الرحلة التي تستغرق بضعة ايام، "تنظيما جيدا ويستقبلون المهاجرين في كل مرحلة". وقد اخذت المنظمة على عاتقها تنظيم العشرات
من رحلات العودة الطوعية العام الماضي. وهي محفوفة بالمخاطر ايضا.
وغالبا ما تحصل حوادث غرق الزوارق التي تحمل فوق طاقتها، ولا تحظى بالتغطية الاعلامية بالمقارنة مع الحوادث في البحر المتوسط، قبالة السواحل الاطلسية. وفي إحدى ليالي كانون الثاني/يناير الماضي، اختفى في البحر شاب
من قرية سيمفوريان. وانقطعت اخباره عن ذويه الذين كانوا ينتظرونه في الغابون.
وبلهجة قدرية قال الشاب البنيني الذي لم يثبط الحادث مع ذلك عزيمته، ان "هاتفه النقال قد انقطع بعيد الانطلاق من كالابار ولم نعد نعرف شيئا منذ ذلك الحين. وغالبا ما تتحطم السفن".
وغالبا ما تكون اجهزة الهجرة المحلية عاجزة حيال تهريب المهاجرين الذي تسهله حدود بحرية سهلة الاختراق.
وقال شرطي اشترط التكتم على هويته "في معظم الحالات، لا نكتشفهم". واضاف "يجددون مساراتهم، ولا يتوافر لدينا العدد الكافي من السفن لتوقيف المهربين" في متاهات الخلجان والانهار في المنطقة.
ويقع قاصرون في فخ شبكات المهربين الذين يأتون الى بلدانهم بحثا عنهم، بعد ان يقدموا الى عائلاتهم وعودا بارسالهم الى المدرسة.
ولدى وصولهم الى البلد المخصص لهم، يعمد "اعمام او عمات مفترضون" الى تشغيلهم خداما في المنازل في او باعة في الشوارع، كما يقول موظف الهجرة. ويضيف "انها العبودية في الواقع". هذا تذكير واضح بماض... ليس سحيقا.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: