مدارس اليمن وأحلام طلابه في مرمى نيران النزاع
(أ ف ب):
قصفت مدرسة رؤى أحمد في تعز جنوب اليمن، لكن الطفلة الحالمة بأن تصبح معلمة لغة عربية لم تتوقف عن محاولة العودة للدراسة في خضم نزاع وضع أحلامها وأحلام نحو مليوني طفل يمني آخر في مرمى طائراته ومدافعه، مغلقا أبواب مئات المدارس.
رؤى، 12 عاما، التي تهوى الرسم، انتقلت بعيد قصف مدرستها "اسماء" في سبتمبر إلى مسجد لاستكمال تعليمها، لكنها فرت من تعز بعد شهرين بسبب المعارك، فقطعت مع عائلتها سيرا مسافة عشرة كيلومترات تحت نيران القناصة، إلى أن خرجوا من المدينة محملين بملابسهم فقط فاستقلوا سيارة وتوجهوا نحو صنعاء.
وتقول رؤى لوكالة فرانس برس وهي تراقب بعينيها الواسعتين اطفالا يلهون بكرة زرقاء بالقرب منها "اصبحنا نازحين في صنعاء. حاولت أن اسجل نفسي في مدرسة هنا، لكن طلبي رفض بسبب ازدحام الصفوف بالطلاب".
وتضيف "دراستي كلها توقفت بسبب الحرب. لا أعرف ما ذنبي، فانا لم أفعل شيئا".
بدأ النزاع في اليمن بين قوات الحكومة والمتمردين الحوثيين الشيعة عام 2014، وتفاقم في مارس 2015 مع قيادة المملكة العربية السعودية تحالفا عسكريا عربيا في البلد الفقير لمساندة قوات الحكومة إثر سيطرة المتمردين المدعومين من طهران على صنعاء ومناطق اخرى.
وقتل في اليمن أكثر من 7700 شخصا غالبيتهم من المدنيين، بينهم 1546 طفلا على الأقل وفقا للأمم المتحدة، في المعارك بين الطرفين وأعمال القصف بحرا وبرا وجوا منذ انطلاق الحملة السعودية التي تدخل الأحد عامها الثالث.
لكن فاتورة النزاع لا تقتصر فقط على القتل: 1640 مدرسة، من بين نحو 16 ألفا، توقفت عن التعليم، 1470 منها دمرت أو تضررت، والبقية تحولت إلى ثكنات أو ملاجئ للنازحين، بحسب منظمة الامم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
وحرم توقف المدارس عن التعليم 1,84 مليون طفل من الدراسة لينضموا الى نحو 1,6 مليون طفل اخر لا يرتادون المدرسة منذ فترة ما قبل النزاع، كما أشار راجات مادهوك من اليونيسف. ويبلغ عدد سكان اليمن اكثر من 27 مليون نسمة، نصفهم دون سن ال18.
ودفع هذا العدد الهائل وكالات الأمم المتحدة إلى التحذير من عواقب اجتماعية وأمنية وخيمة قد تستمر لعقود.
وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في اليمن شابيا منتو لفرانس برس "هناك جيل بكامله يخشى أن يخسر مستقبله".
وحذرت اليونيسف من جهتها من آثار طويلة الامد، ورأت في تقرير أن "الابتعاد عن المدرسة يخلق جيلا جديدا من المتوقع ان يواصل دوامة العنف".
وجد بعض الطلاب الذين اضطروا للابتعاد عن مدارسهم بسبب النزاع أنفسهم مضطرين للبحث عن عمل، بينما عمد آخرون إلى التسول، فيما تعرض أكثر من 1500 منهم وجميعهم من القاصرين إلى التجنيد من قبل الاطراف المتقاتلة بحسب المفوضية العليا لحقوق الانسان التابعة للامم المتحدة.
في مأرب شمال شرق صنعاء، يعيش أحمد سالم، 16 عاما، منذ أن فر من منزله بسبب المعارك في خيمة في مخيم للنازحين. وبعيدا عن مدرسته، لم يجد الفتى مفرا من السعي يوميا لتأمين الغذاء لعائلته.
وروى أحمد "تركت الدراسة من يوم ان بدأت الحرب في منطقتنا صرواح - نحو 40 كلم غرب مأرب- ، والآن، كل يوم اخرج في الصباح لكي أؤمن لقمة عيش لأسرتي. اتردد على المنظمات من أجل الحصول على المساعدات".
لكن على النقيض من رؤى، فقد أحمد أمله بالعودة إلى الدراسة. وقال لفرانس برس "الحرب لا توفر لنا جوا ملائما لنواصل التعلم. وما الفائدة من ذلك (...) إذا انتهت الدولة؟".
وحتى في المناطق القليلة التي تشهد هدوءا أمنيا نسبيا وتفتح مدارسها أبوابها، فإن اكتظاظ الصفوف بالطلاب، والاضرابات التي ينفذها استاذة احتجاجا على عدم تسلم رواتبهم، وعجز الأهالي عن تأمين مستلزمات الدراسة، تمثل تحديات اضافية أمام قطاع ينهار بسرعة.
وإلى جانب كل هذه التحديات، هناك أيضا الخشية من التعرض لقصف جوي. فمنذ بداية التدخل السعودي، أحصت اليونيسف 212 هجوما مباشرا على مدارس بينها غارات قتل فيها طلاب واتهم التحالف العربي بشنها. وفي اغسطس الماضي، استهدفت مدرسة في شمال اليمن بغارة قتل فيها 10 اطفال.
ويرى عبدالله محمد العزي الاستاذ في مدرسة الحسين بن علي في صنعاء أن "هناك عدم استقرار حتى في نفوس الطلاب الذين لا يزالون يتلقون تعليمهم. فعندما ياتي الطالب إلى المدرسة يخاف من تحليق الطائرة. يخافون من القصف".
ويزيد ابتعاد الطلاب عن مدارسهم من خطر تجنيدهم ليس فقط من قبل الاطراف المتقاتلة، بل أيضا من قبل الجماعات المتطرفة التي استغلت النزاع لتعزز نفوذها في بعض المناطق وخصوصا الجنوبية منها.
ويقول الأستاذ في إحدى مدارس تعز ابراهيم ناجي "في أحسن الاحوال يتجه الطلاب لمراكز تعليم دينية غير نظامية، أو حلقات المساجد، ظنا منهم أن هذا البديل المناسب عن التعليم النظامي في المدارس".
في صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين، تواصل رؤى سعيها للعودة إلى الدراسة. لكنها تأمل ايضا بأن تنتهي الحرب قريبا حتى تعود الى مدرستها في تعز.
وتقول الطفلة التي تعيش في منزل أحد اقربائها في مدينة تقف عند حافة المجاعة "عندما أتذكر استاذتي وزميلاتي، انهار بكاء. أريد ان تعود حياتي هادئة كما كانت".
وتضيف بهدوء "والله سأفرح كثيرا لو انتهت الحرب".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: