خبيرة ألمانية: "جيل الصدمة" في سوريا قد يتحول إلى حالة اكتئاب جماعية
(دويتشه فيله)
ينمو ويترعرع جيل من أطفال في سوريا يمكن تسميته بـ "جيل الصدمة"، كثير من هؤلاء الأطفال لم يعرفوا سوى الحرب. والتعامل مع هذه الحالات ومعالجاتها أمر صعب جدا، كما تقول باحثة علم النفس اِليزه بتنبندر في حوارها مع DW.
في سوريا حوالي ثلاثة ملايين طفل لا يعرفون سوى الحرب والموت والدمار. ماذا يعني لك ذلك؟
اِليزه بتنبندر: كل واحد منا تعرض لصدمة كبيرة أو صغيرة، وعادة، تعالج هذه الصدمات وتزول، ونعود إلى حياتنا الطبيعية وتصبح هذه التجربة (الصدمة) جزءا من الماضي. أما الأطفال في مناطق الحرب، فيعانون كثيرا من الصدمة والخسارة التي تلحق بهم مثل موت الأهل والأصدقاء وضياع المدرسة أو الوطن حين يجبرون على النزوح.
البعض تتطور الصدمة لديهم وتتحول إلى أعراض وسبب لأمراض أخرى مثل الصداع والأرق والصعوبة في التركيز وسلس البول الليلي. أو عدم معرفة الزمن، أي هل هو في الحاضر أم الماضي أم يعيش الحالة من جديد؟ وهذا خوف مرضي يبقى قائما حتى بعد مضي التجربة (الصدمة).
وقد وصف طفل في الحادية عشرة الحالة بشكل ممتاز بقوله "إنني دائما متعب، علي التفكير دائما بصور محددة تخيفني كثيرا. لذلك لا أستطيع التركيز في المدرسة. حيث دائما لدي الخوف من حدوث شيء لأهلي. وكل هذا يسبب لي ألماً ولا أستطيع أن آكل".
هل لدى الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية بسبب الحرب، فرصة للعودة إلى الحياة الطبيعية؟
حين نتحدث مع أطفال أو كبار من مناطق الحرب، يقولون إنهم يريدون نسيان التجارب السيئة وعيش حياة طبيعية عادية. وحين نقول لهم هذا غير ممكن، يحني كثيرون رأسهم حزنا. إذن يبدو أنهم يعرفون بأن التجارب سترافقهم دائما. لكن ما يمكن أن يكون مفيدا، هو أن تستعيد أمور حياتية أخرى أهميتها من جديدة وتنال الأولوية، وأن تصبح التجارب الصعبة (الصدمة) غير ذات أهمية ولا تسيطر على حياة الشخص.
وكيف يمكن أن يحدث هذا؟
حسب كل حالة، أي أن هناك مجالات وإمكانيات وفرص متاحة لعلاج الصدمة النفسية. لكن المهم هو أن تكون لدى الطفل آفاق مستقبلية وتجارب تجعله يشعر بالثقة بالنفس والإبداع وليس العيش كمصاب فقط. ويمكن تحقيق ذلك من خلال الرياضة أو التواصل والعيش المشترك أو مجموعة عائلية. لكن يمكن أن يكون من المفيد بالنسبة لبعض الأطفال أن يفهموا لماذا تؤثر هذه التجارب عليهم كثيرا ولمَ لا يستطيعون نسيانها.
ماذا يحدث حين لا يتلقى الأطفال المساعدة؟
حين يعاني الأطفال من أعراض صدمة شديدة ولا يتلقون المساعدة، يمكن أن يتحول ذلك إلى مرض دائم. ونعلم أن ذلك يبقى مرافقا لهم مدى الحياة ويمكن أن ينتقل إلى الجيل التالي أيضا. وهناك دلائل أيضا على أن من لا يتلقون العلاج المطلوب ولا يشفون بسبب عدم مساعدتهم أو اليأس، فإن ذلك يتحول لديهم إلى غضب وعدوانية. فإذا لم يكن لدى المرء الإمكانية لتجاوز الصدمة والشفاء منها، يمكن أن يصبح عنيفا أيضا!
تشير دراسة لمنظمة "أنقذوا الأطفال" إلى قيام ملايين الأطفال والشبان السوريين بجرح أنفسهم أو تناول الكحول أو المخدرات للتخلص من الإرهاق الذي تسببه لهم الحرب! ماذا يعني هذا العدد الهائل من الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية، بالنسبة لمستقبل البلاد؟
لو فكرنا بما حصل في ألمانيا بعد الحرب العالمية، فقد كان هناك أيضا كثير جدا من الأطفال والكبار الذين يعانون من الصدمات النفسية. وما ساعد فيما بعد، كان الشعور العام المشترك بأننا سنعيد بناء البلاد معا. وساهمت المعجزة الاقتصادية فيما بعد، على أن يركز الناس على شيء جديد. والمثال العكسي هو كوسوفو، حيث المشكلة الكبرى هي أنه ليس لدى الشباب فرص، لأن الوضع الاقتصادي سيء.
إذن، ما هي نتائج صدمة الحرب والانهيار الاقتصادي؟
إن ذلك لا يؤدي إلى فقدان آفاق مستقبلية شخصية فقط، حيث مررت بتجربة سيئة صعبة جدا لا أستطيع التخلص منها ولا بدء حياة جديدة لأنه ليس هناك أي أفق اقتصادي. وحين يعاني كثيرون في مثل هذا الوضع، يعني ذلك أن كل البلاد متأثرة بذلك ويمكن أن يتحول الأمر إلى حالة اكتئاب جماعية عامة.
فيديو قد يعجبك: