أسوشيتد برس: هل تهدأ نيران الشرق الأوسط في 2018؟
كتب - سامي مجدي:
العنوان أعلاه سؤال طرحته وكالة أسوشيتد برس في تحليل نشرته قبل أيام على موقعها الإلكتروني. تقول الوكالة إن هناك بصيص أمل في إمكانية حصول تغيير في المنطقة رغم الشكوك التي تحيط بذلك الأمر يمكن تفهمها.
المعركة ضد تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية انتهت في معظمها، والحرب في سوريا ربما تتوقف تدريجيا في النهاية. كما أن المنطقة تنتقل من مرحلة خوض تلك الحروب إلى مرحلة التعامل مع آثارها - التعامل مع الدمار ومع تشتت السكان الذي أحدثته هذه الحروب، والتعامل مع التداعيات السياسية.
قالت أسوشيتد برس إن نفوذ إيران نما بعد نجاح وكلاءها في الشرق الأوسط بشكل عام، وحتى اتفاقها النووي مع الغرب لا يزال قائما. أما في منافستها السعودية، فهناك زعيم شاب يعد بعمليات تحديث واعدة في الداخل - تأخرت لزمن طويل - ومواجهة أكبر مع إيران في المنطقة.
وسط هذه التطورات، يضيف دونالد ترامب من البيت الأبيض عنصرا متقلبا إلى منقوع قابل للاشتعال على نحو مفرط، بحسب الوكالة.
أضافت الوكالة إنه إذا كان التشاؤم قد ساد، فإن الكثير من الأمور يمكن أن تعزى إلى فشل ثورات الربيع العربي التي اندلعت عامي 2010 و2011 ضد الاستبداد؛ فبدلا من تسونامي الديمقراطية الذي تخيل كثيرون أنه سيسود، أعقب تلك الثورات سلسلة من الحروب.
فليبيا يبدو أنها محكوم عليها أن تعيش في فوضى، في حين باتت الحرب في اليمن أزمة إنسانية حقيقية. أما في العديد من الأماكن الأخرى في المنطقة، فالحرس القديم لا يزال في مكانه. الأمر المثير أنه لا يوجد أحد تقريبا يشير إلى الربيع العربي دون سخرية.
مصر، التي استحوذت على اهتمام العالم عندما أطاحت مظاهرات الشوارع - ومعها الجيش - بحسني مبارك قبل سبع سنوات، ربما تكون أفضل مثال على تقلص مستوى الطموح. فبعد عدة سنوات من الفوضى تبدو البلاد أكثر استقرارا الآن، حيث بدأ الاقتصاد في النمو والسياحة في الصعود.
غير أن الإرهاب لا يزال يمثل مشكلة، لا سيما في شبه جزيرة سيناء وضد المسيحيين. أما الحريات فتقلصت، مع ذلك يوجد القليل من الإثارة في الشوارع - حيث تفرض قيود شديدة على الاحتجاجات.
وباستثناء حدوث مفاجأة، فإن بإمكان الرئيس عبد الفتاح السيسي الفوز بفترة رئاسية ثانية بعد إعادة انتخابه في عضون أشهر قليلة.
على الجانب الآخر من الحدود في إسرائيل، هناك احتمال أكبر للتغيير حيث يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحقيقات فساد يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة به من منصبه الذي يشغله منذ فترة طويلة أو إلى إجراء انتخابات مبكرة.
نتنياهو، ولو أنه مولع بالقتال، كان حذرا - لكنه يبدو أيضا متشابكا مع الوضع المدمر الراهن مع الفلسطينيين. ويمكن استبدال نتنياهو بشخصية مثيرة أكثر للمشاكل أو بشخصية معتدلة من يسار الوسط، ما سيخلق فرصا جديدة.
ألقت الوكالة نظرة على بعض الانعطافات المحتملة في 2018:
هل التزم الجميع الهدوء على الجبهة السورية؟
لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد في ورطة منذ اندلعت الحرب في بلاده قبل نحو سبع سنوات، عندما كانت الإطاحة به متوقعة على نطاق واسع في وقت مبكر من تلك الحرب.
لكن يبدو أن الأسد - حتى الآن - سوف ينجو من هذا المصير مع اقتراب الحرب من الانتهاء، بحسب أسوشيتد برس، التي تشير إلى أن حدة العمليات العسكرية الرئيسية خفت في وقت يسيطر فيه الأسد على المناطق الرئيسية في البلاد، كما أن الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية انتهت معظمها باستعادة المدن التي كان يسيطر عليها التنظيم المتطرف.
بين أنه من المنتظر أن يستمر سفك الدماء في 2018، إذا حاول الأسد الاستيلاء على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، ومن ضمنها بعض المناطق القريبة من العاصمة وفي محافظة إدلب شمال البلاد.
وقالت الوكالة إن وقف إطلاق النار على الصعيد المحلي الذي توسطت فيه روسيا وإيران وتركيا أدى إلى خفض كبير في المذابح اليومية التي أبقت سوريا في صدارة نشرات الأخبار حول العالم.
كما أن الدمار شديد، إضافة إلى تشريد نصف سكان البلاد ومقتل نصف مليون شخص تقريبا. هناك أيضا عشرات الآلاف في عداد المفقودين، كما يعتقد أن الكثيرين محتجزون في مراكز السجون الحكومية.
ويحكم الأكراد السوريون في شمال البلاد قبضتهم على حوالي 25 في المئة من مساحة البلاد، في حين تحافظ كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة وإيران ولبنان على قواعد لها في سوريا. من المرجح أن تبقي هذه القواعد قائمة في الوقت الراهن.
أما مصير الأسد، الذي أدى حكم أسرته شديد الوطأة القائم منذ عقود، إلى اندلاع الثورة، فقد ظل هذا الأمر ذو تأثير سيء أدت إلى إبطال كافة الجهود الدبلوماسية التي بذلت في سبيل السلام.
تقول الوكالة إن الأسد يبدو أنه فاز بالحرب، بدعم من روسيا وإيران، في ظل تحول عدد كبير جدا من خصومه المحبطين إلى جماعات متطرفة - بالنسبة للولايات المتحدة والغرب - مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
لكن نهاية اللعبة لا تزال مفتوحة، على ما تقول أسوشيتد برس.
دمار على ضفتي دجلة
انتهت الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية بعد أربع سنوات من الوحشية، التي تضمنت انتهاكات بشعة: استعباد النساء وقتل مجتمعات بأكملها بوحشية وإرهاب جماعي في أجزاء كبيرة من العراق. حولت تلك الحرب مناطق شاسعة إلى أطلال محترقة.
كانت معركة التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، شاقة في الفلوجة والرمادي والحويجة وتلعفر والموصل في النهاية.
هل يمكن إعادة إعمار العراق؟
هذه هو السؤال الرئيسي في 2018؛ حينئذ فقط ستستعيد بغداد سلطة الحكم على البلاد بأسرها، بحسب أسوشيتد برس.
تقدر الحكومة العراقية، التي تعاني من ضائقة مالية، إعادة الإعمار ب100 مليار دولار - في حين يقول قادة الموصل إن هذا المبلغ يكفي مدينتهم فقط.
ولا تزال مصادر التمويل غير واضحة، ويبدو أن الولايات المتحدة - الذي أسقط تحالفها ما يقرب من 27700 صاروخ حول الموصل من أكتوبر 2016 وحتى يوليو الماضي - ستنأى بنفسها عن ذلك، بحسب الوكالة.
تقول أسوشيتد برس إنه بينما عاد 2.7 مليون عراقي إلى مناطق كانت في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية، لا يستطيع أكثر من ثلاثة ملايين القيام بذلك - وبينهم نحو 600 ألف من الموصل.
وقالت السلطات هناك إن القتال تسبب في مقتل آلاف المدنيين، بالإضافة لتضرر أو تدمير أكثر من 70 في المئة من مناطق الرمادي.
ومن بين الأمور الأخرى، الانقسامات الطائفية التي لا تقتصر على العراق فحسب، بل امتدت إلى سوريا ولبنان وأجزاء أخرى من المنطقة التي رسم الأوروبيون حدودها في الغالب فيما عرف باتفاقية سايكس بيكو في مطلع القرن العشرين.
المناطق المدمرة سنية إلى حد كبير، في حين أن حكومة بغداد يهيمن عليها الشيعة. وإذا فشلت جهود إعادة الإعمار، فمن المرجح أن تصبح المناطق السنية مضطربة مرة أخرى، وفقا للوكالة.
الوعود والمخاطر في السعودية
تقول أسوشيتد برس إن الممالك في المنطقة - من المغرب إلى الأردن إلى الخليج - كانت الأقل تضررا من الربيع العربي، أبرز تلك الممالك هي السعودية، حليفة الولايات المتحدة والقوة النفطية الرئيسية التي يتهمها منتقدون بأنها تنشر التفسير الوهابي المتشدد للإسلام في جميع أنحاء العالم.
لكن يبدو أن هناك تغييرا يلوح في الأفق بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 32 عاما، والذي يتوقع على نطاق واسع أن يجلس على عرش المملكة خلفا لوالده في عام 2018.
تشير أسوشيتد برس إلى أن بن سلمان يبذل جهودا من أجل رؤية أكثر اعتدالا للدين الإسلامي، وينسب له على نطاق واسع عدة قرارات منها إنهاء حظر طويل الأمد على قيادة النساء للسيارات، وإعادة افتتاح دور للسينما في المملكة المحافظة.
كما ينظر لولي العهد على أنه وراء اعتقال عشرات الأمراء السعوديين بتهمة الفساد. بيد أن قلة فقط هم من يشعرون بالاندهاش من مزاعم الفساد. ويرى منتقدون للأمير الشاب أن هذه الحملة تهدف إلى الإمساك بتلابيب السلطة.
ولا تزال أعداد المعتقلين في تصاعد داخل فندق فاخر بالرياض (الريتز-كارلتون)، والذي أصبح سجنهم غير المتوقع..
كما قادت السعودية تصعيدا سياسيا واقتصاديا عربيا ضد دولة قطر الصغيرة، واتهمتها بدعم الإرهاب وبقربها الشديد من إيران. ورفضت الدوحة سلسلة من المطالب، مثل إغلاق شبكة تلفزيون الجزيرة المملوكة للدولة، دون سابق إنذار، ويبدو أن هذه المقامرة غارقة في الجمود منذ بدايتها في الخامس من يونيو/ حزيران.
الحرب السورية هي، إلى حد ما، معركة بالوكالة بين القوتين الإقليميتين، حيث تدعم طهران الأسد وتدعم الرياض العديد من مقاتلي المعارضة. دفع ذلك أيضا إلى استقالة بدت أنها بإيحاء سعودي لكنها باءت بالإخفاق لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، الذي بدا وكأنه لين الجانب للغاية تجاه حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، والذي يقاتل في سوريا إلى جانب الأسد.
وفي اليمن، حيث دعم السعوديون الحكومة المعترف بها دوليا بضربات جوية ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. قتل عدة آلاف من المدنيين، ولا يزال المتمردون يسيطرون على أجزاء رئيسية من البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء. أدت الحرب أيضا إلى انتشار وباء الكوليرا ودفعت باليمن إلى جافة مجاعة، وسط تحذير دولي من تفاقم الأوضاع في أفقر بلد عريس.
كبيرة جدا حجم الكراهية التي تكنها المملكة العربية السعودية وغيرها من القوى السنية لإيران لدرجة أن بعض المراقبين يعتقدون أنها تتجاوز معارضتهم للصهيونية؛ حيث في القدس المحتلة يتهامس مسؤولون بشكل جدي عن بوادر محور سني إسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية، بحسب أسوشيتد برس.
اتفاق قبل أخير؟
يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتحدث مرارا وتكرارا عن "صفقة نهائية" مستوحاة من الاخفاقات الكبيرة التي قام بها أسلافه مؤخرا لإقناع الإسرائيليين والفلسطينيين بسلام نهائي.
ولكن من الصعب حتى تصور زعيم إسرائيلي أكثر اعتدالا يفي بشروط الفلسطينيين التي تشمل تقسيم أو تقاسم القدس ومدينتها القديمة المقدسة عند الديانات الثلاث. وحتى لو وافقوا بطريقة أو بأخرى على التقاسم، فإن إسرائيل وفلسطين المستقبلية بحاجة على الأرجح إلى حدود تمتد عبر المدينة للفصل بين رافضي السلام من الجانبين.
ويطالب الفلسطينيون بالاعتراف "بحق العودة" النظري على الأقل لملايين من أحفاد اللاجئين، وهو ما يفكر فيه عدد قليل من الإسرائيليين. لكن المفاوضات في هذا الشأن فشلت على مدار عقدين من الزمن.
وبهذه الخلفية غير المستقرة، يتحدث العديد من الفلسطينيين عن خرق استراتيجية حل الدولتين ويطالبون بالاندماج والحقوق المتساوية بدلا من ذلك. ومن شأن ذلك أن يجعل إسرائيل دولة ثنائية القومية مقسمة بالتساوي، وهو أمر من المتوقع أن تقاومه حكومتها، حتى وإن كانت تواجه اتهامات محتملة بالفصل العنصري.
ويتوقع بعض فريق ترامب أن يحاول صياغة صفقة جزئية بدلا من ذلك: دولة فلسطينية على بعض الأراضي التي تسعى إليها فقط، مع ترك القدس واللاجئين لمفاوضات لاحقة بين الجانبين. وهذا بات أمرا صعبا مع القرار الأمريكي الأخير في السادس من ديسمبر/ كانون الأول بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إليها.
قد تأمل واشنطن في الحصول على مساعدة من الرياض وربما القاهرة في الضغط على الفلسطينيين. ولكن هذا لم يحدث في الماضي، حتى مع عروض ذات احتمالية أكبر للإغراء على الطاولة.
فيديو قد يعجبك: