بعد قرار ترامب بشأن القدس.. هل تصبح فرنسا بديلا لأمريكا في الشرق الأوسط؟
كتبت- هدى الشيمي:
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إنه لم يتوقع أحد العام الماضي أن يكون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مُمثل الدبلوماسية الغربية في الشرق الأوسط، إلا أن الوضع تغير الآن.
وذكرت الصحيفة الأمريكية، في تقرير على موقعها الإلكتروني، أن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ومطالبته بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى المدينة المحتلة، الأربعاء الماضي، سيتسبب في تراجع الدور الدبلوماسي الأمريكي في الشرق الأوسط.
وبحسب الصحيفة فإن تراجع أمريكا يعطي مساحة لهؤلاء الذين يرغبون في زيادة تأثيرهم ووجودهم على الساحة العالمية، ومن بينهم ماكرون، والذي تمكن من الحصول على دور كبير في الشرق الأوسط، لاسيما وأن بريطانيا وألمانيا أصبحتا منشغلتين بمشاكلهما الداخلية بشكل أعمق.
وقال الرئيس الفرنسي، عقب قرار ترامب، إن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يثير قلق فرنسا.
"أزمات"
وكان لماكرون دورا كبيرا في انهاء الأزمة اللبنانية التي حدثت الشهر الماضي، بعد إعلان رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته في خطاب متلفز من العاصمة السعودية الرياض، ما أثار اتهامات للملكة باجباره على الاستقالة ومنعه من السفر إلى الخارج، وهذا ما نفاه الحريري، والسعودية.
كما توصل ماكرون إلى خطة لوقف تدفق المهاجرين من الصحراء الكبرى قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى ليبيا، ويعمل الآن على تشكيل الوضع السياسي في سوريا بعد الحرب.
وفي المقابل، تقول الصحيفة إن الولايات المتحدة تبدو مترددة لاتخاذ أي قرار متعلق بالوضع في سوريا بعد الحرب، ما ترك المجال مفتوح أمام روسيا للعب الدور الأكبر.
ويرى جيلز كيبيل، الخبير في الحركات الإسلامية والاستاذ بجامعة سيايتس بو الفرنسية، إن كان هذا حدث قبل خمس سنوات، لرأى العالم بأكمله تدخلا دبلوماسيا أمريكا لانتزاع رئيس الوزراء اللبناني من قبضة السعودية.
وأضاف: "لا يمكن توقع تحركات الإدارة الأمريكية، لأن الرئيس يكتب أشياءً على تويتر صباحا، ويفعلها نقيضها ظهرا".
وهذا ما يراه العديد من الخبراء السياسيين والدبلوماسيين أيضا.
ويقول ريان كروكر، الدبلوماسي المتقاعد والخبير في شؤون الشرق الأوسط تحت حكم الرؤوساء الديمقراطين والجمهوريين، إنه من الواضح أن الولايات المتحدة لعبت دورا كبيرا في الأزمة اللبنانية، ولكن من الواضح أن السعودية فعلت ذلك مع الحريري دون اخبار الإدارة الأمريكية أي شيء.
ويتابع: "وهذا يقول لنا شيئا ما".
ووفقا لريان كروكر، فإن أزمة الحريري كانت قضية سعودية أكثر منها لبنانية، يقول: "في الظروف الطبيعية لكنا منغمسين في هذه الأزمة كثيرا".
"تمثيل دبلوماسي"
وقالت نيويورك تايمز إن ما يؤكد انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط، هو عدم وجود بعض سفراء لواشنطن لدى بعض الدول التي يراها ترامب كأصدقاء لها، من ضمنها السعودية التي يمثلها قائم بأعمال في السفارة الأمريكية لدى الرياض، بالإضافة إلى ستة دول أخرى في المنطقة.
ووفقا للصحيفة فإن نقطة مرجعية الرئيس الأمريكي في الشرق الأوسط هي إسرائيل، الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا يعيش فيها أغلبية مسلمة، بينما أعرب عن دعمه للقادة العرب السنة، ومساندته لهم في الكثير من المشاكل.
ومع ذلك، تجد نيويورك تايمز أنه من الصعب أن توسع الولايات المتحدة من نفوذها في المنطقة بدون سفراء لدى الدول العربية لتعزيز رسالتها، لاسيما وأن هذا الجزء من العالم يقدّر البروتوكول.
علاوة على ذلك، تقول الصحيفة إن ترامب ركز اهتمامه على القضاء على تدمير تنظيم داعش وعزل إيران، ولكنه تجنب التدخل في المشاكل السياسية التي تعاني منها الدول الإسلامية.
"زيارات وصفقات"
وعلى النقيض كانت الحكومة الفرنسية، إذ أن باريس تعمقت في مشاكل بلاد شمال أفريقيا والشرق الأوسط، واستطاعت مؤخرا الفوز بدعم الدول العربية السنية بعد إعلان رفضها التدخل الأمريكي في العراق، وتأكيد اعتزامها على محاربة الرئيس السوري بشار الأسد.
وبحسب الصحيفة، فإن فرنسا تعد مركز الصادرات الحربية للعديد من الدول العربية، منها السعودية، وقطر، ومصر. كما وقعت الدوحة وباريس عقودا تجارية تفوق قيمتها 10 مليارات يورو، وتضم شراء قطر 12 طائرة "رافال" قتالية على الأقل و50 طائرة "إيرباص إي 321"، وذلك خلال زيارة الرئيس الفرنسي للأماراة الخليجية.
وتوجه ماكرون إلى الجزائر الأربعاء الماضي، وهي زيارته الأولى إلى البلاد منذ انتخابه العام الماضي، وقالت مصادر رئاسية فرنسية إن الزيارة هي "زيارة عمل وصداقة".
وقالت الصحيفة الأمريكية إن ماكرون الذي وصل إلى الرئاسة وهو لا يملك الكثير من الاتصالات بالشرق الأوسط، وضع في فريقه أشخاصا على معرفة قوية بالمنطقة، ومشاكلها.
وشغل وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان منصب وزير الدفاع السابق ولديه شبكة اتصالات كبيرة مع الجيوش العربية، كما يوجد في فريق الرئيس الفرنسي عدد من المسؤولين السابقين في وزارة الخارجية، من بينهم السفير الفرنسي السابق لدى لبنان، والذي عمل أيضا في السعودية وإيران، علاوة عن دبلوماسيين علموا لسنوات طويلة في الشرق الأوسط.
"سياسة مختلفة"
ويقول هوبير فيدرين وزير الخارجية الفرنسي الأسبق في حكومة جاك شيراك، إن ماكرون ينتهج سياسات مختلفة عن أسلافه السابقين فرانسوا هولاد، ونيكولا ساركوزي.
ويتابع: "يريد البقاء على تواصل مع السعوديين، والقطريين، والإماراتيين، وقال إنه سيتوجه إلى إيران يوما ما، وهذه تصرفات شخص لا يريد أن يميل إلى جانب على حساب الآخر".
وذكر فيدرين إن ماكرون علم جيدا نتائج انحياز ساركوزي إلى قطر، وهولاند للسعودية.
ومع ذلك، يرى عدة دبلوماسين إن فرنسا لن تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة، لأنها دولة أصغر وليس لديها المقومات التي تسمح لها بالزعامة في الشرق الأوسط.
سافر ماكرون إلى الرياض والتقى بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأجرى عدة محادثات معه، وأعقبها زيارة سعد الحريري إلى فرنسا، ثم عودته إلى لبنان.
ويرى ريان كروكر، السفير السابق في العديد من الدول بالمنطقة، أن السؤال الأهم هنا هو هل سيتمكن ماكرون من الانخراط مع السعودية، ونقلها إلى مكان مختلف؟
ويتابع: "إذا كان الأمر كذلك.. فهذا ضخم".
فيديو قد يعجبك: