مائة عام على "بلفور".. بريطانيا تحتفل وفلسطين لن تنسى الوعد المشؤوم
كتبت – إيمان محمود:
مشهدان متناقضان طغا على أحداث الذكرى المائة لوعد بلفور، فبالرغم من أن الحدث واحد لكن فلسطين المنكوبة لم تراه كما رأته بريطانيا المتسببة في نكبتها، ليشهد البلدان مسيرات منددة ووقفات احتجاجية مقابل احتفالات بمرور قرن كامل على "وعد من لا يملك لمن لا يستحق".
فمع بدايات صباح اليوم، الثاني من نوفمبر، انطلقت مسيرات غاضبة في جميع أنحاء فلسطين وخارجها للتذكير بجريمة بريطانيا ضد الشعب الفلسطيني، والتي تمثلت بإطلاق رئيس وزرائها آرثر جيمس بلفور بما أطلق عليه "إعلان بلفور"، والذي تضمن وعدًا صريحًا من الحكومة البريطانية بإقامة وطن لليهود على أرض فلسطين.
وشهدت البلاد خروج مئات الآلاف إلى الشوارع، ورفع المشاركون الأعلام الفلسطينية وشعارات تطالب الحكومة البريطانية بالاعتذار عن الوعد المشؤوم، ومن الشعارات "الاعتذار- الاعتراف - التعويض، والشعب الفلسطيني لن ينسي ولن يغفر".
وتخللت الفعاليات رفع الرايات السوداء وإطلاق البالونات السوداء، مرددة الشعارات الوطنية، وتعبيرًا عن المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.
كما تظاهر آلاف المواطنين أمام مقر الأمم المتحدة في قطاع غزة، بالإضافة إلى انطلاق الفاعليات في المدارس، لتعريف الأطفال بتفاصيل وعد بلفور المشؤوم على الشعب الفلسطيني.
وقالت وكالة أنباء "معا" الفلسطينية، إنه من المقرر أن يسلم طلبة المدارس 100 ألف رسالة لرئيسة وزراء بريطانيا، والتي جرى تسلميها أمس للقنصلية البريطانية في القدس عبروا فيها عن رفضهم لوعد بلفور وطالبوا بريطانيا بالاعتذار.
ونظم طلاب الجامعات فعاليات منددة بالذكرى، وارتدى الطلاب ملابس سوداء كتب عليها "سيسقط وعدكم وينتصر حقنا".
وانطلق مئات الطلاب في مسيرة باتجاه المركز الثقافي البريطاني لتسليم رسالة باللغة الانجليزية رافضة لوعد بلفور، إلا أن المسؤولين أغلقوا أبواب المركز ورفضوا استلام أي رسائل، بحسب وكالة أنباء "صفا".
كما حث برلمانيون بريطانيون وأعضاء في مجلس اللوردات، وشخصيات مرموقة من المجتمع المدني البريطاني الحكومة البريطانية على الاعتراف الفوري بدولة فلسطين إلى جانب دولة إسرائيل على أساس حدود ما قبل يونيو عام 1967.
وطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بريطانيا، بالاعتراف بـ"الخطأ التاريخي" الذي شكله هذا الإعلان تجاه الشعب الفلسطيني، متخوفًا أن وعد الدولتين بات تحقيقه مستحيلا مع مرور الوقت.
وفي مقال نشره الرئيس الفلسطيني في صحيفة "الرأي" الأردنية بعنوان "وعد بلفور ليس مناسبة للاحتفال" قال: "التوقيع على وعد بلفور هو فعل حصل في الماضي، وهو أمر لا يمكن تغييره، لكنه أمر يجب تصحيحه، وهذا يتطلب التواضع والشجاعة، ويتطلب تقبل الماضي، والاعتراف بالأخطاء واتخاذ خطوات ملموسة لتصحيح تلك الأخطاء".
وأكد عباس، أنه منذ العام 1917، تاريخ حصول الوعد، قدم الفلسطينيون تنازلات مؤلمة وكبيرة من أجل السلام، بدءا بقبول قيام دولة فلسطينية على 22 في المائة فقط من مساحة فلسطين التاريخية، "والاعتراف بدولة إسرائيل دون الحصول على أي اعتراف مماثل حتى يومنا هذا، وتبنينا حل الدولتين على مدى السنوات الثلاثين الماضية والذي بات تحقيقه مستحيلا مع مرور الوقت" على حد قوله.
الحكومة البريطانية تحتفل
وعلى الجانب الآخر، رحبت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، بنظيرها الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في داوننج ستريت حيث مقر ماي في لندن، وذلك للاحتفال بما أسموه "حفل عشاء بلفور المئوي".
ورفضت بريطانيا مطالب الفلسطينيين والعرب بالاعتذار عن وعد بلفور، حيث تؤكد بريطانيا أنها فخورة بالدور الذي أدته في إقامة دولة لليهود.
وتحذر ماي خلال الحفل من استخدام انتقاد إسرائيل كغطاء لمعاداة السامية، بحسب الأجزاء التي كشف عنها من الخطاب، ونشرته "بي بي سي".
كما تقول ماي إنه يوجد اليوم "شكل جديد وخبيث من معاداة السامية، يستخدم انتقاد تصرفات الحكومة الإسرائيلية كتبرير مهين لرفض حق إسرائيل في الوجود. هذا أمر مقيت، ولن نقبل به".
فيما شكر نتنياهو ماي على دعوته للمشاركة بالذكرى المئوية لما وصفه بـ"الحدث الكبير" في التاريخ اليهودي والبريطاني والتاريخ العالمي، بإقامة دولة لليهود على ارض الفلسطينيين، مؤكدا ان بريطانيا واسرائيل مازالتا شريكتان وحليفتان قويتان.
وقال نتنياهو لنظيرته ماي "بعد مرور 10 عام على إعلان بلفور .. على الفلسطينيين أن يقبلوا أخيرا بوجود بيت قومي يهودي ودولة يهودية"، وحينها سيكون الطريق إلى السلام أقرب، قائلا "إسرائيل ملتزمة بالسلام".
وأضاف نتنياهو أن "الفلسطينيين يقولون إن وعد بلفور كان مأساة.. إنه لم يكن مأساة، والمأساة هي ما يرفضون القبول به بعد مئة عام".
وردًا على مطالب الفلسطينيين بالاعتذار، قال السفير الإسرائيلي لدى لندن مارك ريجيف إن "الرئيس عباس يعرف أن بريطانيا قدمت مرارًا مقترحات كانت ستؤدي إلى استقلال فلسطيني".
وكتب يقول إنه "بالعودة للوراء خلال العقد الماضي، من السهل بالنسبة للفلسطينيين أن يلقوا باللوم على إسرائيل وبريطانيا وآخرين، بينما يتجاهلون أن يلوموا أنفسهم بما في ذلك تحالف المفتي الأكبر مع هتلر".
رفض بريطاني
رغم إصرار الحكومة البريطانية على موقفها، إلا أن هناك العديد من البريطانيين الذين رفضوا احتفال تيريزا ماي بوعد بلفور واستفزازها للشعب الفلسطيني الغاضب.
جاء على رأس هؤلا الغاضبين، زعيم حزب العمال، جيرمي كوربن، الذي ينتقد سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، حيث رفض دعوة لحضور حفل عشاء رئيس الوزراء الإسرائيلي مع ماي، وحضر نيابة عنه وزيرة الخارجية في حكومة الظل، إميلي ثورنبيري.
كما نظمت حملة التضامن مع فلسطين –والتي يشارك بها عرب وبريطانيين- بالإضافة إلى منظمات أخرى، وقفات احتجاجية كبيرة في العاصمة البريطانية لندن، : "العدالة الآن: اجعلوها حق لفلسطين".
كما شارك وفد بريطاني مكون من 100 شخصية، اليوم الخميس، في مؤتمر دولي عقدته في حركة "فتح" لتقديم اعتذار عن صدور وعد بلفور البريطاني.
وقال الكاهن البريطاني كريس روز، خلال المؤتمر الذي عقد في رام الله، إنهم حضروا إلى الضفة الغربية مشيًا على الأقدام من بريطانيا على مدار 147 يوما عبر 11 دولة "للتعبير عن أسفنا العميق لوعد بلفور والآثار الكارثية التي سببها للشعب الفلسطيني".
وأضاف مخاطبا المؤتمر "إن الأرض الفلسطينية هي للفلسطينيين وليست لأحد غيركم، ويجب علينا الاستمرار في حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها لتحقيق المستقبل للشعب الفلسطيني".
وأكد روز على أنه "لن يكون أحد حرا إلا إذا تحرر الفلسطينيون".
فيديو قد يعجبك: