لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

فورين بوليسي: كيف ربح الأسد الغوطة من أنياب المعارضة؟

09:00 ص الخميس 29 مارس 2018

الرئيس السوري بشار الأسد

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب - هشام عبد الخالق:

نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، اليوم الأربعاء، تقريرًا حول استراتيجية الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا، والتي أطلقت عليها لقب "فرّق تسُد".

وقالت المجلة، في بداية تقريرها: "في الوقت الذي يسترد فيه الرئيس السوري بشار الأسد سيطرته على الغوطة الشرقية آخر معاقل المعارضة في محيط العاصمة دمشق، انتشرت صورًا للمشاهد المعتادة من هذه المناطق: تصاعد أعمدة الدخان فوق الأبنية المتكسرة والمدنيين اليائسين الذين يحاولون ضمان سلامتهم، ولكن العنف الذي استخدمه الأسد ليس السر وراء انتصاره الأخير، فالخلافات الداخلية بين فصائل المعارضة، والمحادثات السرية كان لها دور في تشكيل الصراع السوري على مدار السنوات الماضية، بطريقة لم يلحظها الغرب أو حتى السوريين أنفسهم".

وتابعت المجلة، كانت المعركة الأخيرة في الغوطة الشرقية عنيفة للغاية، حيث تم إعادة توطين ما يقرب من 95 ألف مدني حتى الآن، ويتوقع أن يزيد الرقم في الفترة المقبلة، طبقًا لما ذكرته راشيل سيدر، مستشار في المجلس النرويجي للاجئين ومقره في عمان بالأردن، وتتهم منظمات حقوق الإنسان طيران الأسد باستهداف المدنيين والمستشفيات، وأحصت المعارضة ما يقرب ألفي قتيل في خلال شهر من القتال، وفي نفس الوقت قصف المتمردون مناطق مدنية في دمشق وقتلوا 35 شخصًا على الأقل في سوق محلي.

الوضع السياسي في الغوطة الشرقية معقد للغاية، وتتصيد المجموعات المسلحة الرئيسية هناك الأخطاء لبعضها البعض، وتتشاجر دائمًا حول تهريب المنافع، وقبل الهجوم الحالي انقسم جيب الغوطة الشرقية إلى ثلاث جبهات، في الشمال، يتحكم جيش الإسلام في مدينة دوما، أكبر مدن المنطقة، فيما يتحكم فيلق الرحمن - الخصم الأساسي لجيش الإسلام - في ضواحي دمشق ناحية الجنوب، جنبًا إلى جنب مع عدد قليل من الجهاديين، في الوقت الذي تسيطر فيه جبهة أحرار الشام على مدينة حرستا الأصغر حجمًا.

استطاع الأسد استغلال هذه الانقسامات جيدًا - فبحسب المجلة - عندما بدأ هجومه على الغوطة الشرقية في فبراير الماضي، اتّجه مباشرة إلى المنطقة السهلة بين حدود سيطرة المتمردين، ليقسم بذلك الغوطة إلى ثلاث مناطق صغيرة، وفي منتصف الهجوم بدأت وسائل الإعلام المؤيدة للأسد في بث مقاطع فيديو لمظاهرات في ضواحي الغوطة - وخاصة في مسرابا، كفر بطنا، وحمورية - لوّح فيها المدنيون بأعلام حملت صورة الأسد، وكان السبب في هذا أن مدنيي الغوطة كانوا دائمًا قلقين من سيطرة المتمردين على الغوطة، والذين يقفون في موضع اتهام بالاستغلال والحكم الاستبدادي في المدينة.

وأضاف التقرير، على الرغم من أن الاحتجاجات تم تنظيمها لتظهر أمام الكاميرات، إلا أنها كانت مهمة لإظهار أن الموالين للحكومة يشعرون الآن بالأمان الكافي ليخرجوا من مخابئهم، وأن الحكومة لديها نشطاء داخل الغوطة - شبكة من الجواسيس، المتعاطفين، وعلاقات يمكن استغلالها استطاعت الإفلات من اهتمام المحللين الغربيين.

حي مسرابا، الواقع بين فصائل المتمردين الثلاث، كان لها وضعًا خاصًا في اقتصاد الحرب الخاص بالغوطة الشرقية، ففي 2014، سلّم الجيش السوري الحي لرجل الأعمال محيي الدين منفوش، محتكر غير رسمي للتجارة داخل الجيب المحاصر، واستطاع عن طريق عمله مع كلًا من المعارضة والحكومة، أن يصبح محورًا أساسيًا في اقتصاد المنطقة السياسي، ويستطيع منفوش التحرك بانتظام عبر الخطوط الأمامية للحي بغرض إدارة مصنع الألبان في مسرابا، مما جعله مصدر واردات الطعام الوحيد في المنطقة التي لفّها الجوع، وعندما بدأ الهجوم استطاع منفوش تأمين صفقة لاستثناء مصنعه وبلده (مسرابا) من القتال، وسمح ذلك للجيش السوري بحصار مسرابا، وتقسيم الغوطة إلى ثلاث مناطق.

المنطقة التالية جبهة حرستا، والتي ينتمي المقاتلون هناك إلى جبهة أحرار الشام، والتي تدعمها تركيا وتسيطر على شمال غرب سوريا، وأغلبهم ينتمون إلى أحرار الشام لكونها المسيطرة هناك، فمعظم المقاتلين من أبناء حرستا ويرتبطون بشبكة من المهربين التي روجت لنفسها من قبل باسم الجيش السوري الحر، وكذلك يوجد بعض من الجهاديين المتشديين، وكل ما كان مناسبًا في ذلك الوقت، ولكنهم الآن يريدون عقد صفقة لوقف القتال.

في 22 مارس، هؤلاء من لم يستطيعوا أو لم يريدوا أن ينضموا إلى جانب الحكومة السورية، بدأوا في استقلال الحافلات بغرض إخلاء منازلهم والاتجاه إلى شمال سوريا، وبعد أن غادروا ظهر رجال مسلحين موالين للأسد على الفور، ليستولوا على المنطقة التي تُركت بدون حماية، متجاهلين مناشدات المفاوضين المعينين من قبل الحكومة، والذين وعدوا المتمردين بألا يحدث شيء من هذا القبيل.

ثم تأتي بعد ذلك المنطقة الثالثة، وتشمل ضواحي دمشق ناحية الجنوب، والتي استهدفتها القوات الجوية السورية والروسية، ويقول قائد فيلق الرحمن محمد لاهام: "تقتل روسيا الجميع، نساء وأطفال يلقون حتفهم أمام الرجال في أقبية المباني"، ولم يكن انهيار المعارضة في المناطق الجنوبية بسبب القصف فقط، بل كان نتيجة تمرد لصالح قوات الأسد نظمه بسام ضفدع، وهو واعظ صوفيّ يعمل في بلدة كفر بطنا المجاورة.

ويقول توماس بيريت، خبير حول حركات سوريا الإسلامية: "ضفدع شيخ من معهد الفتح في سوريا، والذي يمثل عمود المؤسسة السُنية المدعومة من الدولة، ويبدو أن ضفدع كان أحد الدارسين في المعهد والذي انضم إلى حركة الثوار في 2011 مثلما فعل غيره الكثيرون، وترشّح ضفدع لمجلس النواب في 2007 إلا أنه لم يُوفق، ومثل هذا العمل مع الحكومة يمكننا من فهم أسباب عودة ضفدع إلى أحضان الحكومة اليوم".

تقارير عام 2011، ادّعت أن ضفدع انضم إلى المعارضة، وقال البعض إنه عمل مع جناح فيلق الرحمن في كفر بطنا، ولكن يبدو أن تحوله إلى قضية المتمردين كان سطحيًا، ويقول أحد مصادر المعارضة رفض ذكر اسمه: "كان ولاء ضفدع ناحية النظام منذ بداية الثورة".

وفي الوقت الذي بدأ فيه الهجوم الأخير، نادى ضفدع باستسلام المتمردين وإجراء مباحثات سلام عن طريق مكاتب وزير الكهرباء في حكومة الأسد محمد زهير خربطلي، والذي تنحدر عائلته من كفر بطنا، وتوّعد قائد فيلق الرحمن عبد الناصر شمير، بالرد على أي محاولة لإجراء مفاوضات خارج رؤيته بـ "قبضة حديدية"، وردّ ضفدع بتحويل تلاميذه ومؤيديه في كفر بطنا إلى حرس مسلح، حيث كان من السهل الحصول على الأسلحة لأي شخص يمتلك أموال في الغوطة الشرقية، ومن الواضح أن ضفدع كان لديه الكثير من الأموال.

وقال مصدر رفض ذكر اسمه في الغوطة: "من الممكن أن تقول إنه كان هناك محاولات للسيطرة على مناطق عديدة في كفر بطنا، فقد هاجمت قوات النظام من اتجاهين في نفس الوقت بعد ساعتين فقط من نشر قواتهم، وتواصل ضفدع مع قوات الجيش السوري عندما دخلت إلى ضواحي دمشق.

وفي خلال أسبوع، تمت هزيمة فيلق الرحمن وحلفائه، ويوم 25 مارس بدأ المتمردون في استقلال الحافلات مع عائلاتهم للاتجاه نحو شمال سوريا، وبحلول يوم الثلاثاء، كان عدد من غادروا باتجاه إدلب ما يقرب من 13 ألف شخص تقريبًا.

استيلاء القوات الحكومية السورية على حرستا وضواحي دمشق، جعل مدينة دوما المدينة الوحيدة ولكنها أيضًا الأكبر والأكثر تحصينًا التي تسيطر عليها قوات المتمردين في الغوطة الشرقية، وصرحت أربعة مصادر من ضمنها قائدين بجيش الإسلام، أن مفاوضات السلام التي ترعاها روسيا بدأت في المدينة بالفعل، ولكن شدد الجميع على أن جيش الإسلام رفض فكرة الاستسلام والاتجاه إلى شمال سوريا.

وقال محمد بيرقدار من جيش الإسلام: "نعرف جيدًا أنها ستكون معركة صعبة وغير عادلة، ولكن هذه أرضنا ومنازلنا ولن نتخلى عنها لصالح المُحتلين الروس والإيرانيين، وأن جيش الإسلام أبقى الباب مفتوحًا للتفاوض لتجنب إراقة الدماء"، وصرّح مصدر آخر بأن التنظيم يستمر في البحث عن صفقة يجب أن تكون مقبولة وتسمح ببقاء المدنيين في المدينة.

وتوقفت محادثات السلام حتى الآن، في الوقت الذي حذرت فيه مصادر بالحكومة من تجدد الهجوم على دوما هذا الأسبوع، وعلى الرغم من أن استسلام المدينة قد يأخذ وقتًا أطول من مثيله في حرستا وضواحي دمشق الجنوبية، إلا أنه من المؤكد أن المدينة ستعود إلى سيطرة الأسد في النهاية.

وعلى الرغم من أن آخر معاقل المعارضة يتأرجح نحو الهزيمة، إلا أن الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة مستمر، مع اتهامات متبادلة بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن بخيانة الغوطة الشرقية.

وكما تقول المجلة، اتّضح أن الخلافات الداخلية بين المعارضة هي ورقة الأسد الرابحة الآن، والتي تسمح له بالسيطرة على مناطق المعارضة واحدة تلو الأخرى، مستخدمًا في ذلك التفوق الذي الاجتماعي والاقتصادي الذي يمنحه له النظام السوري، لتفرقة والتقليل من خصومه بطريقة يراها العالم الخارجي بشكل متقطع.

وتبدو الحرب السورية، من وجهة نظر المجلة، كدوامة لا نهائية من العنف، ولكن وراء كل هذا الموت الفوضوي والدمار، يحاول القادة المحليون العمل وفقًا لمنطقهم الخفي من العلاقات الشعبية غير الرسمية، مما يخلق طبقة غير مرئية من السياسة يفهمها فقط من يعيشون في وسط الأزمة، وهم السوريون أنفسهم، سجّانين ومساجين لمأساتهم الخاصة.

فيديو قد يعجبك: