"إصلاحات بن سلمان".. هل تمثل تغييرًا حقيقياً للسعودية؟
كتب - هشام عبدالخالق:
نشرت صحيفة "آي" البريطانية، مقالًا للكاتبة فران يومان، تناولت فيه الإصلاحات التي يقوم بها الأمير السعوديّ محمد بن سلمان داخل المملكة.
وأضافت الكاتبة، في المقال المنشور -الجمعة- أن تطبيق "المنطق" على تصرفات محمد بن سلمان يُعد مستحيلاً، مشيرة إلى أن تصرفاته تُثير استياء نشطاء حقوق الإنسان، إضافة إلى دول مثل إيران، وقطر واليمن، كما أنها تُضيق الخناق على رجال الأعمال خاصة بعد حملته "ضد الفساد".
وربما تكون زيارة الأمير محمد بن سلمان التالية إلى بريطانيا الأسبوع المقبل، الأولى له كوليّ للعهد، وفقًا للكاتبة التي قالت "من الواضح أنه سيستقبل نقدًا جلياً من رئيسة الوزراء تيريزا ماي، على الرغم من كونها حليفة له مع وزير الخارجية بوريس جونسون".
وفي 2016، تم توبيخ بوريس جونسون من قبل رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بسبب ما قاله حول حروب المملكة العربية السعودية الخارجية، ومنذ هذا كوّن جونسون علاقة وطيدة مع وليّ العهد السعودي.
وكتب جونسون بصحيفة "التايمز" في 2016، محاولًا أن يوقف المظاهرات التي سوف تحيط بوصول الأمير إلى بريطانيا، بقوله: "منذ تقلّد الأمير منصبه في يونيو 2016، تقدم السعودية الإصلاحات التي دعونا إليها طوال الوقت".
وتضيف الكاتبة بقولها "بوريس جونسون لا يقصد بهذا التغييرات الاجتماعية الكبرى التي قامت بها المملكة منذ ذلك الوقت، والتي تتمثل في افتتاح السينما، والسماح للنساء بقيادة السيارات وحضور الأحداث الرياضية، وهي القوانين التي صدرت على الرغم من معارضة المتشددين، لكن ما يقصده جونسون هو الإصلاحات الاقتصادية التي قام بها الأمير السعودي ووالده الملك سلمان، وقد ترى فيها حكومة بريطانيا فرصة".
ويحاول بن سلمان، تنفيذ رؤيته لـ2030، التي تقضي بتقويم اقتصاد المملكة العربية السعودية، وتقليل اعتمادها على النفط، وتطوير مجالات مثل الصحة، التعليم، الترفيه والسياحة، وهي المجالات التي تمتلك فيها بريطانيا خبرة، وسوف تكون متعطشة للتعاون التجاري بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي.
ويخطط الأمير السعوديّ أيضًا لضخّ استثمارات كبرى في دولته، عن طريق خصخصة جزء من شركة "أرامكو" الحكومية للنفط، والتي يُقدر بعض المُحللين قيمتها بـ2 تريليون دولار، وسيريد سوق لندن للأوراق المالية الاسثتمار في هذه الشركة بالطبع.
ولكن في الوقت الذي يدّعي فيه مجلس الوزراء البريطاني، أن زيارة بن سلمان ستكون بداية جديدة للعلاقات الثنائية بين الدولتين، ما زال هناك شيء مثير للجدل بينهما، وهو تجارة الأسلحة.
مقال جونسون - كما تقول الكاتبة - زاد من قيمة صادرات المملكة المتحدة إلى السعودية، ولكنه لم يوضح أن جزءًا كبيرًا من تلك الصادرات عبارة عن أسلحة، حيث سمحت الحكومة البريطانية بتصدير أسلحة قيمتها 4.6 مليار جنيه إسترليني إلى الرياض، منذ بدأت الأخيرة قصفها لليمن لاستعادة ما تدّعي أنها مناطق سيطر عليها متمردون تدعمهم إيران في 2015.
وكان التدخل العسكري في اليمن إحدى أفكار محمد بن سلمان عندما كان وزيرًا للدفاع، وهو القرار الذي تسبب -كما وصفته الأمم المتحدة- في ظهور أسوأ أزمة إنسانية، حيث يعتمد -الآن- ما يقرب من 22 مليون شخص على المساعدات بشكل كامل.
رئيسة الوزراء تيريزا ماي، ادّعت هذا الأسبوع، أن علاقة بريطانيا القوية مع السعودية، هي التي تسمح لنا بحديث بناء حول القضايا التي تهم كلًا منّا مثل اليمن، ولكن يقول روب ويليامز، مدير فرع منظمة "أطفال الحرب" في المملكة المتحدة: "من المقزز أخلاقيًا أن حكومة بريطانيا تسمح للشركات بالاستفادة من موت الأطفال".
ومن المتوقع أن تشهد بريطانيا مظاهرات وقت زيارة بن سلمان، وهو ما ظهر جلياً في دعوة حملة "وقف تجارة الأسلحة"، بالتظاهر خارج شارع "دواننج ستريت" مقر إقامة تيريزا ماي - يوم الأربعاء. كما دعت كيت آلين، مديرة فرع منظمة أمنيستي الدولية في بريطانيا رئيسة الوزراء، لاتخاذ موقف مما يجرى من إهمال لحقوق الإنسان في اليمن والسعودية.
وقالت آلين: "لمرة أخرى، يغض الوزراء البريطانيون النظر عن سجل السعودية الفظيع حول حقوق الإنسان، ولم يذكروا تضييق الدولة للخناق على رموز المعارضة السلمية، أو الانتشار المفزع للتعذيب، المحاكمات غير العادلة، والإعدامات المُروعة"، وذلك في إشارة من آلين إلى الحبس المستمر للمدون رائف بدوي، والتمييز المتصاعد ضد النساء، اللائي يحتجن إلى إذن من رجل للزواج، للسفر أو للعمل، مما يعطي فكرة خاطئة عن الثناء الذي يتلقاه محمد بن سلمان مقابل إصلاحاته.
ويقول نيل كويليام، باحث في برنامج معهد شاتام حول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "منح رخص القيادة للنساء، وفتح دور السينما، لا يمثل التغييرات الحقيقية التي تحدث في السعودية تحت قيادة محمد بن سلمان، وعلى الرغم من كون هذه الابتكارات أو أغلبها "وثنية" فهي تعود بالنفع على القيادات العُليا فقط، في حين أن أولويات معظم الناس تتمثل في إيجاد وظيفة ومسكن.
ويتابع كويليام، أن التغيير الكبير الذي تشهده السعودية، يتمثل في ترسيخ السُلطة في أيدي بن سلمان والنُخبة الأصغر سنًا على حساب الحكومة الأكبر سنًا، وذلك عن طريق حملات مكافحة الفساد، والتعيينات السياسية، وإعادة تنظيم الجيش التي تمت مؤخرًا.
ويتقبل الشباب السعودي - حتى الآن - هذه التغييرات، لأنهم يرون أن محمد بن سلمان يتحدث نيابة عنهم، بدلًا من هؤلاء العواجيز الذين شكّلت إقطاعاتهم السعودية حتى الوقت الحالي، وفقًا لمقال صحيفة "آي" البريطانية.
وعلى العكس من الصين، تعرض الحكومة السعودية مقايضة، تتمثل في قبول الشباب بالحاكم السياسي مقابل التقدم الاقتصادي وبعض التحرر الاجتماعي. وتقول الكاتبة، مثلما في حالة الصين، من المتوقع ألا تضغط حكومة بريطانيا على ولي العهد السعودي عند زيارته، ويضيف كويليام، سوف تكون كلًا من حقوق الإنسان واليمن على أجندة المباحثات، ولكن هدف المملكة المتحدة الأساسي هو التجارة، إضافة إلى وضع "الإرهاب" على أجندة المباحثات أيضًا، خاصة لمساعدة الملك سلمان في افتتاح المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في الرياض.
وفي أكتوبر؛ وعد بن سلمان بالقضاء على التطرف، وجعل السعودية "دولة للإسلام المعتدل المنفتح على الجميع"، ولكن حقيقة أن بن سلمان كان يتحدث بالعربية في الرياض، تعني أن بيانه كان موجهًا في الحقيقة للجمهور المحلي.
وتتابع الكاتبة "جادل الخبراء السياسيون حول العالم لوقت طويل، في أن تمويل السعودية الضخم للحركة الوهابية المحافظة المتطرفة، ألهم الإرهابيين حول العالم، وقالت خلية التفكير "مجتمع هنري جاكسون" - التي نشرت تقريرًا العام الماضي يوضح الصلة بين تمويل السعودية للحركة الوهابية والتطرف في بريطانيا - إنه كان هناك تحولاً في السياسة العامة خلال العام الماضي، وتضمن التغيير تضييق الخناق على بعض المتطرفين الدينيين، ورحّبت الخلية بزيارة محمد بن سلمان، على الرغم من أن الطريق أمام السعودية لا يزال طويلًا، قائلة: إن تلك الزيارة سوف تدعم المشروعات الحديثة مثل رؤية المملكة 2030، والتي تروج للإسلام الوسطي الليبرالي.
واختتمت الكاتبة مقالها قائلة: "ماذا سيحدث في ذلك الوقت سيكون مثيرًا للاهتمام".
فيديو قد يعجبك: