لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"مدينة تحت الأرض".. سكان الغوطة يروون مأساتهم مع قصف "الأسد"

08:18 م الخميس 22 فبراير 2018

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب- هشام عبدالخالق:

قد تجد العنوان غريبًا، ولكن هذا ما يحدث بالفعل في الغوطة الشرقية، التي يعيش سكانها تحت الأرض- حرفيًا- مختبئين في الأقبية والملاجئ، هربًا من القصف الذي تتعرض له المدينة على أيدي قوات النظام السوري برئاسة بشار الأسد، حيث سقط جراءه أكثر من مائتي قتيل، وأصيب آلاف آخرون حتى الآن، وبدأ أحد عُمال الإغاثة في المدينة حواره مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية بجملة "تعيش مدينة الغوطة الشرقية بأكملها تحت الأرض"، لتكون تلك هي بداية التقرير الذي أعدته الصحيفة ليرصد الأوضاع على الأرض.

وقال التقرير الذي أعده كل من ميجان سبيشا وهويدا سعد: "يعيش آلاف الأشخاص من أهالي الغوطة الشرقية الآن تحت الأرض، حيث فرّوا إلى الأقبية، والملاجئ المؤقتة في الضاحية التي تسيطر عليها قوات المعارضة حتى هذه اللحظة".

وتقبع مدينة الغوطة الشرقية الآن تحت الهجوم الجوي للنظام السوري، الذي أوقع أكثر من مائتي قتيل من بينهم عدد كبير من الأطفال.

واحتشدت عائلات الغوطة الشرقية تحت الأرض، في الوقت الذي وصلت فيه الحرب مستوى وحشيًا جديدًا، وتنتظر العائلات المتجمعة في الخنادق القنابل التي يتم قذفها بين الحين والآخر، في الوقت الذي لا تظهر فيه قوات الأسد أنها بصدد التوقف عن هذا.

وهذا الهجوم هو أحدث ما يقوم به بشار الأسد ضد المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، في الصراع الذي استمر سبع سنوات ومزّق الدولة تمامًا.

ويتابع التقرير، في المدن التي سيطرت عليها قوات المعارضة في وقت سابق مثل حلب ودرعا، استخدمت قوات الأسد تكتيكات مشابهة عن طريق قصف البنية التحتية والمناطق السكنية، لإجبار مقاتلي المعارضة على الاستسلام، وإعادة توزيع المدنيين على المناطق السكنية الأخرى، وتقول الحكومة السورية إن عددًا قليلًا من المدنيين ما زال في الغوطة الشرقية، ومن بقي تستخدمه قوات المعارضة كدروع بشرية، وهو تأكيد تعارضه مجموعات حقوق الإنسان ونشطائها على الأرض.

ويضيف التقرير، هناك بعض مجموعات الثوار في المنطقة، ولكن منظمتي "أنقذوا الأطفال" و"وكالة الأمم المتحدة للاجئين" تقدران عدد المدنيين المتواجدين في منطقة القصف بـ 350 ألف مدني.

وتظهر الصور التي حصلت عليها الصحيفة من النشطاء المحليين، النساء والأطفال مُختبئين في الأقبية يلعبون ويطبخون لتمضية الوقت، فيما يشارك بعض منهم مقاطع صوتية للطائرات الهليكوبتر التي تمر فوق رؤوسهم، على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة "واتس آب"، في طلب بائس للمساعدة.

وفي بعض الأجزاء من الضاحية التي دمرتها الحرب، تم ربط بعض المناطق تحت الأرضية عن طريق الأنفاق، وصوّر أحد النشطاء المحليين ويُدعى فراس عبد الله، بعض المشاهد من داخل تلك الأنفاق بينما يشق طريقه خارجها يوم الأربعاء.

ويقول فراس: "يختبئ الناس في الأنفاق من التفجيرات القاسية"، في مقطع الفيديو الذي يظهره ينحني ليستطيع المرور من المكان الضيق، وأضاف عبد الله الذي كان ينشر تحديثات عن الوضع في المنطقة خلال السنوات الماضية، أن بعض النساء والأطفال كانوا يحتمون في تلك الأقبية لأكثر من 72 ساعة وكانوا في حاجة ماسّة إلى الماء والغذاء، واصفًا الأمر بأنه أشبه بـ "المقابر".

مجموعات الإغاثة المحلية، أوصلت معلومة هامة إلى شركائها الدوليين، وهي أن أكثر الأماكن أمنًا تحت الأرض.

وقالت مديرة منظمة "أنقذوا الأطفال" فرع سوريا سونيا خوش، والتي مقرها الأساسي في عمان بالأردن، ولكنها تعمل حاليًا مع المجموعات المحلية في شرق الغوطة: "إن آلاف العائلات قضت أغلب هذا الأسبوع في الأقبية لتجنب القصف الذي تتعرض له المنطقة".

وتابعت خوش، الأمر الواقع حاليًا هو أن الناس يعيشون في هذه الأقبية والملاجئ، لكنها لا تعطيهم الراحة العقلية بأنهم سيكونون آمنين من هذه التفجيرات والقصف، فالجميع خائف الآن.

وعلى الرغم من أن الغوطة الشرقية تتعرض للقصف منذ 2012، إلا أن موجة الهجمات الأخيرة كانت هي الأسوأ منذ سنوات، وأظهرت صورًا بثتها منظمة "الدفاع المدني السوري" والمتخصصة في الإغاثة، الناس يجرون ليحتموا من تلك الهجمات.

ويرى العديدون - حسب قول الصحيفة - أن تلك الأقبية هي الملاذ الوحيد الآمن في بيئة معادية مثل هذه، حيث كانت فرصتهم ضئيلة في المغادرة، بعد أن كانت المدينة تحت الحصار لعدة أشهر.

شادي جاد، أحد الآباء صغار السن، ظل في المخبأ تحت الأرض منذ بداية الأسبوع، ويقول: "صراحة، أعتقد أن هذا المأوى هو بمثابة قبر لي، ولكنه طريقة الحماية الوحيدة المتوفرة لي حاليًا، ولكن اختبائي أنا وزوجتي مع العائلات الأخرى في هذا المكان جعل المجتمع في الغوطة أكثر تماسكًا، فنحن نتشارك القصص، ونحاول إبعاد الخوف بإلقاء النكات بين الحين والآخر، وجعل هذا المخبأ العلاقات بين الجميع أعمق وأكثر تأثيرًا".

وتحذر مجموعات الإغاثة المحلية، من أن الأوضاع في تلك المخابئ قد تتدهور سريعًا، فهم يفتقدون للهواء النقي، الكهرباء، المياه الجارية، ومؤسسات الصرف الصحي، وقالت منظمة "المكتب الطبي الموحد في الغوطة الشرقية" - وهي إحدى منظمات الإغاثة المحلية في المنطقة - إن هذه الأوضاع قد تؤدي إلى مشاكل صحية، مثل أمراض الجهاز التنفسي، القمل والجرب.

وحتى قبل القصف الحالي في سوريا، أظهر تقرير للأمم المتحدة أنه في بعض المناطق المجاورة، أصحبت تلك الملاجئ تُشكل أزمة صحية، ولكن الخيارات المتوفرة للجانب السوري قليلة للغاية.

وقالت المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان يوم الأربعاء، إنه منذ بداية الهجوم الحكومي السوري على الغوطة في 4 فبراير الجاري، قُتل 346 مدنيًا، وأُصيب 878 آخرين، أغلبهم في الهجمات الجوية على المناطق السكنية، ووقعت نسبة 92% من الموتى خلال 13 ساعة من الهجوم المتواصل خلال هذا الأسبوع.

وطالب الأمير زيد بن رعد الحسين، المندوب السامي في المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بإيقاف العنف في تصريح له يوم الأربعاء.

وقال الحسين: "يوجد مئات الآلاف من المدنيين الذين اُحتجزوا لأكثر من 5 سنوات في المدينة، ويعانون من الحرمان في احتياجاتهم الأساسية، ويواجهون الآن قصفًا عنيفًا بلا هوادة، كم من العنف أكثر يجب أن يحدث قبل أن يقف المجتمع الدولي قائلًا في صوتٍ واحد "أوقفوا قتل الأطفال"، و"أوقفوا تحطيم الأسر"، و"أوقفوا العنف"، وطالب الأمير باتخاذ رد فعل حاسم لإيقاف حملة الإبادة التي تجري حاليًا.

وتقول هدى خايطي، البالغة من العمر 29 عامًا، إنها عاشت كل حياتها في الغوطة الشرقية، وإن عائلتها - كمثل العائلات السورية الأخرى - تعيش حاليًا في الأقبية بعد أن قضت أغلب الأسبوع فيها، وإن اثنتا عشر عائلة تعيش الآن في مساحة ضيقة، وإنهم يستطيعون سماع الطائرات تمر فوق رؤوسهم.

وتتابع خايطي، في حوار للصحيفة عبر مكالمة فيديو على تطبيق "فيسبوك"، تكون أصعب اللحظات وأكثرها خوفًا عندما يتم إلقاء صاروخ ما على الأرض، حيث يتبعه صمت تام، ونشعر بأن أرواحنا تغادر أجسادنا عندما تقترب الطائرات، لتعود إلينا مرة أخرى عندما تبتعد.

وتخشى خايطي من الطائرات الموجودة في الخارج، ولكنها تقول إن المجتمع الداخلي للمتواجدين في سوريا أصبح أكثر تماسكًا، حيث يشاركون بعضهم بعضًا في الطعام والبطاطين والقصص التي يحكونها حتى تمر الطائرات من فوقهم.

وتختتم الصحيفة تقريرها بحديث خايطي التي تقول: "لا أذهب كثيرًا للأقبية، فأنا لا أريد أن أموت هناك، وأخشى أن يتم احتجازنا إذا تم تفجير صاروخ بالقرب منّا، ولقد رأيتُ مؤخرًا عائلة كاملة تقضي نحبها داخل أحد الأقبية، ولا أريد أن أكون مثلهم".

فيديو قد يعجبك: