في التحقق من الأخبار الكاذبة.. إيطاليا تقود العالم
كتب - هشام عبدالخالق:
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرًا لمراسلها في الشؤون الخارجية ريك نوك، عن التدخل في الانتخابات، وقال: "إن عريضة الاتهام التي أرسلها فريق المحقق الخاص روبرت مولر، يوم الجمعة الماضي، أوضحت بعض التفاصيل عن مجهودات روسيا في التدخل في الانتخابات، وأظهرت كيف أصبحت الولايات المتحدة مُعرضة للاختراق من قِبل بعض محاولات التأثير على الرأي العام".
وتابع التقرير "نقلت الصفحة رقم 24 من عريضة الاتهام، عن أحد المتهمين في العريضة، وهي إيرينا فيكتورفانا كافيرزينا، قولها في سبتمبر 2017: (كنت أنا من صنعت كل هذه الصور والمنشورات على فيسبوك، وأعتقد الأمريكيون أنهم من كتبوها)".
ويضيف التقرير "في الوقت الذي تبدو فيه حكومة الولايات المتحدة غير قادرة على مواجهة المشكلة، تقود دول أخرى الطريق لتطوير الحلول، ومع اقتراب موعد انتخاباتها برزت إيطاليا على رأس قائمة الدول الأوروبية التي تحاول إيقاف التدخل".
واستنتج المجلس الأطلسي - مؤسسة بحثية غير ربحية في مجال الشؤون الدولية - في تقرير الخريف الماضي، أن التأثير الروسي قد يكون أقوى حالياً في إيطاليا، حيث استطاعت "حركة النجوم الخمسة" الشعبوية جذب المؤيدين اليمينيين واليساريين على حد سواء، وكتب التقرير: "موقف الحركة المؤيد للكرملين، وقدرتها على تعبئة القواعد الشعبية، يجعلان منها حليفًا هامًا لروسيا، وقوة خطيرة في مواجهة الاتحاد الأوروبي والناتو واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ".
وعلى الرغم من ذلك، لم يتم إيجاد أي صلة مباشرة بين الكرملين و"حركة النجوم الخمسة"، كما أن الزيادة الأخيرة في النشاط الإلكتروني للحركة على الإنترنت لم يتم تعقبه إلى روسيا.
ولكن أحد الدروس التي تعلمتها إيطاليا من الانتخابات الأمريكية في 2016، هو أن المُصوتين في كلا البلدين غير مُهيئين لمخاطر العصر الرقمي، وقررت إيطاليا أن تقوم بما يلزم ضد هذا.
- دروس محو الأمية لمستخدمي الإنترنت:
قررت إيطاليا - عبر مخطط شمل 8000 مدرسة - في خريف العام الماضي بعد الانتخابات الأمريكية بعام واحد، أن تُعلم التلاميذ كيفية التمييز بين الأخبار المُزيفة والحقيقية في تجربة مدعومة من قبل الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك.
وقالت لورا بولدريني، الرئيس المستقل لمجلس النواب في إيطاليا: "الأخبار المزيفة تُعد بمثابة قطرات من السُم تُدس داخل الإنترنت، وينتهي بنا الأمر مصابين بهذا السُم دون أن ندري، ومن الواجب علينا أن نُعلم الأطفال طرق حماية أنفسهم من الأكاذيب".
وقد تكون بعض الدروس التي يتعلمها الإيطاليون في المدارس الآن بسيطة ولكنها فعّالة، ويشمل الواجب الخاص بهم - على سبيل المثال - أن يميزوا بين الروابط الخاصة بمواقع الأخبار الحقيقية، وبين الروابط المُزيفة التي تم تعديلها لتُشبه الخاصة بالمواقع الحقيقية.
- اتهامات جنائية:
وفي الوقت الذي جعلت فيه الحكومة الإيطالية محاربة التدخل في الانتخابات أولوية، زادت الحكومات الأخرى أيضًا من مجهوداتهم لمحاربة تلك الظاهرة، ويستطيع الإيطاليون الآن الإبلاغ عن الأخبار المزيفة من خلال خدمة عن طريق الإنترنت، مُرتبطة بالشرطة مباشرة.
ويستطيع المحللون بعد ذلك تقييم مدى خطورة تلك البلاغات والمواقع المنشور عليها الأخبار المُزيفة، وكذلك اتّهام ناشريها بتهم جنائية، وتعرضت تلك الفكرة للنقد كثيرًا حيث يخشى البعض من أن تؤثر على حرية التعبير.
وواجهت الحكومة الألمانية ادّعاءات مشابهة بعد أن قدّمت قانونًا جديدًا في وقت سابق من هذا العام، يجبر شبكات التواصل الاجتماعي على حذف المنشورات الهجومية أو مواجهة غرامات، وعلى الرغم من وجود بعض المخاطر، إلا أن فرنسا بدأت أيضًا في إعداد مسودة قانون لتحديد انتشار الأخبار المزيفة خلال الحملات الانتخابية.
التشيك أيضًا أنشأت مؤخرًا قسمًا مخصصًا في الإدارة لمواجهة الأخبار المزيفة، ولكن قرروا رفض الرقابة على مواقع الإنترنت التي تنشر أخبارًا مزيفة، وبدلًا من ذلك قررت الاعتماد على وسائل الإعلام لتدعم الأخبار التي تقدمها وأيضًا للتشكيك في التقارير الإعلامية المُزيفة.
وتكمن المشكلة التي واجهت التشيك بعد تلك الفكرة، أن من يقرأون مواقع الأخبار المزيفة والتي تبلغ نسبتهم 25% من أهالي التشيك، توقفوا عن استخدام وسائل الإعلام الرئيسية والتي يظهر عليها الأخبار الصحيحة.
وخوفًا من تكرار الأمر في إيطاليا، أملت روما في تسهل شبكات التواصل الاجتماعي على مستخدميها الوصول إلى التقارير الحقيقية، وقالت آنا موميجليانو في تقرير لصحيفة "واشنطن بوست"، في وقت سابق من هذا الشهر، إن "فيسبوك" قرر استخدام فريقًا من المحققين الخاصين في إيطاليا للتحقق من الأخبار وفضح المزيف منها على شبكات التواصل الاجتماعي قبل انتخابات 4 مارس.
وتقول الصحيفة، إن برنامج التحقق من الأخبار سوف يستمر حتى نهاية العام الجاري على الأقل، وهو خامس تجربة لكشف الأكاذيب يطلقها موقع "فيسبوك" في عدة دول في السنوات الماضية، ولكن ستكون هذه هي المرة الأولى التي يكون للمحققين الخاصين دورًا استباقيًا في إيجاد الأخبار المُزيفة.
وتضيف، تم استخدام أدوات مشابهة في عدة دول أوروبية، فألمانيا على سبيل المثال أطلقتها في يناير 2017، وفرنسا في الشهر التالي، وهولندا في مارس الماضي، وعقدت الدول الثلاث انتخابات العام الماضي، ولكن إيطاليا تفوقت عليهم جميعًا هذا العام حيث أن كاشف الأكاذيب الخاص بها لا يعتمد فقط على تنبيهات المستخدمين بأن هذا خبر مزيف، ولكنه يبحث عن الأخبار المُزيفة بنفسه.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول: "شهدت أوروبا طويلًا سلسلة من الفضائح التي هددت الحياة السياسية في إيطاليا، وتم اعتبار الدولة الواقعة على البحر المتوسط كمثال على كيف يمكن للأشياء أن تُخطئ، ولكن في الانتخابات البرلمانية في مارس المقبل، قد يكون أمام الإيطاليين الفرصة لتعليم أوروبا درسًا مهمًا".
فيديو قد يعجبك: