لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الفاينانشال تايمز تتحدّث عن "الخيال" الذي يحدث في السعودية

02:01 م الثلاثاء 14 نوفمبر 2017

محمد بن سلمان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتبت- رنا أسامة:

سلّطت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، في تقرير نُشر على موقعها الإلكتروني، الضوء على الأحداث التي جرت هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية.

"رئيس وزراء يختفي. صاروخ باليستي ينفجر. أمير عربي يعتقل بعض أقاربه على خلفية تهم فساد ويحتجزهم في فندق فاخر، حيث ينامون على فرش رخيص تحت أسقف مزخرفة"، هكذا استهلّت الصحيفة تقريرها لاستعراض ما أطلقت عليه "المكيدة" السعودية.

وقالت الصحيفة "لو كانت هذه الأحداث نصًا في سيناريو أحد أفلام هوليوود، لرفض المنتجون هذه المكيدة، باعتبارها شيئًا خياليًا، لكن أحداث الجشع والمؤامرات التي جرت هذا الأسبوع في السعودية، تحت إشراف ولي عهدها البالغ من العمر 32 عامًا، الأمير محمد بن سلمان، لم تكُن ملموسة حتى أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، في خطاب مُتلفز من الرياض، لتُصاحبها توابع لم تكُن في الحُسبان".

وألقى الحريري خطاب استقالته، السبت، متهمًا إيران بزعزعة استقرار وطنه مع شركائها المحليين، لاسيما جماعة حزب الله الشيعية، في رسالة تتناغم مع تأكيد الرياض على أن طهران مصدر الشر الأساسي في المنطقة. وفي هذا المساء، أطلق المتمردون الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن صاروخًا باليستيا باتجاه الرياض فقط لتفجيره بالقرب من مطار الملك خالد الدولي.

بين عشيةٍ وضُحاها، تواردت الأنباء حول اعتقال عشرات الأمراء والمسؤولين والوزراء الحاليين والسابقين في المملكة، وتطوّر الأمر حتى تجاوز عدد المُعتقلين الـ 200 شخص على خلفية تُهم بـ "الفساد المنهجي"، واختلاس ما لا يقل عن 100 مليار دولار -أي ما يعادل تقريبا الدين الوطني. وكان من بينهم الملياردير السعودي، الأمير الوليد بن طلال، المستثمر العالمي الذي يطلق عليه اسم "وارن بافيت السعودية".

وأُغلِق المطار الخاص في الرياض الذي استضاف الشهر الماضي طائرات النخبة المالية العالمية لعقد مؤتمر استثماري على غرار دافوس، لمنع المُشتبه بهم الأثرياء من الفرار. وبحلول الأحد، دبّ الخوف في نفوس دبلوماسيين في الشرق الأوسط، خشية اندلاع حرب باردة بين السعودية السُنيّة وإيران الشيعية، قد تفتح جبهة جديدة في لبنان متعدد الطوائف.

وأشارت الصحيفة إلى أن مستشارين في الرياض وخارجها، تلقوا مكالمات أخبرتهم بأن رؤساءهم اعتُقلوا من قِبل أفراد أمن يرتدون ملابس سوداء. يقول مصرفي سعودي بارز "إننا نعيش في عالم متشعّب"، مُضيفًا "ان الجماهير سعداء بإخضاع النخب للمساءلة، فيما يبحث العالم الخارجي عن الوضوح والشفافية".

وفي أسلوب اعتقال فريد من نوعه في المملكة، تحول فندق ريتز كارلتون بالعاصمة الرياض، الذي استضاف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت سابق من هذا العام ومؤخرًا مؤتمر دافوس الاستثماري رفيع المستوى، إلى مركز احتجاز من فئة الخمس نجوم، محاطًا بسيارات الدفع الرباعي السوداء.

ومع استمرار الاعتقالات، أمرت السلطات السعودية البنوك بتجميد حسابات المُشتبه فيهم. مثّلت حملة التطهير، التي أشاد بها العديد من المواطنين السعوديين العاديين، "جرس إنذار" للنُخب المحلية، وتركت المستثمرين الدوليين في حالة فزع، مع ارتفاع أسعار النفط مقابل تراجع الأسهم. وبدأ أثرياء المملكة في تصفية أصولهم، وفقًا لمصرفيين، خوفًا من حملة تطهير أوسع نطاقًا.

وفي البيت الأبيض، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تأييده لحملة التطهير، مُغرّدا على تويتر، بالقول إن الملك وابنه "يعرفان بالضبط ما يفعلانه"، مُشيرًا إلى أن بعض المُعتقلين كانوا "يحلبون بلادهم لسنوات". وأبدى دبلوماسيون دهشتهم مما بدا وكأنه "تحرّكات متهورة"، أضفت قدرًا من التشويش على رؤية الحداثة التي يحاول ولي العهد تقديمها.

وانتشرت الشائعات بأن الحملة جاءت ردًا على محاولة انقلاب ضد الأمير محمد بن سلمان، الذي يمكن أن يُصبح ملكًا، في أي وقت، حال تنازل والده المريض الملك سلمان عن العرش. واستمرت نظريات المؤامرة تلك بعد وفاة الأمير منصور بن المقرن، ابن ولي العهد السابق، في تحطم طائرة هليكوبتر بالقرب من الحدود اليمنية. وقال شقيقه في وقت لاحق "إنه كان حادثًا".

تُشكّل هذه الإجراءات الفصل الأكثر دراماتيكية في فصول صعود "أمير الألفية السعودي"، وفق تعبير الصحيفة، الذي وضع نُصب عينيه هدفًا مُعلنًا تمثّل في إجراء تحوّل جذري للمملكة النِفطية، نحو مُجتمع أكثر انفتاحًا واقتصاد قادر على مزيد من المنافسة.

ويزعم المسؤولون بأن حملة مكافحة الفساد السعودية تبعث برسالة حادة إلى العائلة الملكية، مُفادها أن "عصر الثروة والامتيازات ولّى". يرى جان فرانسوا سيزنيك، زميل بارز في مركز الطاقة العالمي بمؤسسة المجلس الأطلسي، أن ما يحدث "ثورة ثقافية".

يقول سيزنيك إن "الأمير يستخدم قضية الفساد لتغيير الطريقة التي تُدار بها الأعمال التجارية، إنها نهاية للوساطة (النفوذ)"، مُشيرًا إلى أنه يهدف من خلالها لوضع حدّ لسيطرة الأسرة المالكة على الأعمال التجارية مع كُبرى المسؤولين، بما يسمح للشباب أصحاب المشاريع الصغيرة بالظهور.

وتُشير الصحيفة إلى أن السلطة تنتقل، تقليديًا، في السعودية عبر طبقات من الأمراء، يتم ضمان ولائهم من خلال "المحسوبية" والوساطة؛ فيُمنحون سلطات واسعة في قطاعيّ الدفاع العام والبنية التحتية. وفي هذا الصدد، تلفت "الفاينانشال تايمز" إلى أن حملة التطهير التي قادها الأمير محمد بن سلمان طالت الأمراء ورجال الأعمال المرتبطين بالملك الراحل عبدالله، في مسعى لتعزيز سيطرته على الاقتصاد والدولة.

وفي إطار هذا الإطار، أُعفي ابن أخ الملك والمُنافس القوي لولي العهد، الأمير متعب بن عبدالله، من مهامه على رأس الحرس الوطني، القوى الداخلية النُخبوية التي يُمكن أن تُشكّل تهديدًا على حكمه. وانطلاقًا من أنه كان يُنظر إليه باعتباره خليفه المُحتمل، يخضع ابن الملك عبدالله للتحقيق في تُهم اختلاس، وفق مسؤول سعودي.

يقول دبلوماسي سابق: "الأسرة الحاكمة بأكملها تفعل الشيء نفسه، على مدى أجيال". وقد رحّب العديد من السعوديين بحملة مكافحة الفساد تحت الهاشتاج الأكثر تداولًا في المملكة على تويتر، "ثورة 4 نوفمبر"، في استحضار لروح ثورات الربيع العربي في عام 2011. وبارك آخرون ولي العهد بالقول "محمد الحاسم الذي يقتلع جذور الفساد".

ووفقًا للصحيفة، فسّر أحد كبار المسؤولين بالمملكة أسباب ترحيب السعوديين بمكافحة الفساد، قائلًا "المواطنون مُتعبون من أنهم يزدادون فقرًا، فيما يزداد الأمراء والوزراء ورجال الأعمال ثراءًا فاحشًا". ويُعرب أحد المراقبين عن إعجابه بولي العهد الطموح على نحو أكثر مباشرة: "أحب هذا الرجل، إنه شجاع".

على الجانب الآخر، هناك ثمّة شكوك تُحيط بحملة التطهير؛ إذ يتوقع قليلون التحقيق في التعاملات التجارية لأبناء الملك، بمن فيهم الأمير محمد بن سلمان، الذي يقال إنه اشترى يختًا بقيمة 420 مليون يورو في عام 2015، واستخدم نفوذه لمزيد من التعاملات التجارية.

وبحسب الصحيفة، يعتقد مُحللون أن نطاق طموح ولي العهد والسرعة التي اتخذ بها قراراته على مدى الأشهر الستة الماضية، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية؛ فالثورة الاقتصادية والاجتماعية الجارية تقلب رأسًا على عَقب عقودًا من الزمن، حاول خلالها الحكام السعوديون موازنة المُثل العُليا المحافظة والليبرالية مع الشبكة المعقدة من القبائل والرجال التي تدعم الولاء لـ"آل سعود".

يقول جيمس بوثكاري، المحلل لمحلل في شركة آلان وشركائه للخدمات الاستشارية لإدارة المخاطر الأمنية، إن "هذا التطهير هو خير دليل على أن ولي العهد يتخلى عن النموذج التقليدي للحكم التوافقي على مستوى النخبة من أجل نظام أكثر مركزية".

وتذكر الفاينانشال تايمز أن الإصلاحات المالية التي قام بها الأمير محمد بن سلمات قادت إلى خفض الإنفاق ودعم الطاقة مع رفع الضرائب. فقد تركت الظروف الاقتصادية الصعبة الشركات "تُفلس" بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة. ويمكن لأي تدابير تقشّفية أخرى أن تُنفّر الرأي العام إذا فشل اقتصاد المملكة، الذي يُكافح تحت الركود، للنمو سريعًا بالقدر الكافي الذي يُعوّضه عن الإلغاء التدريجي لدولة الرفاهية الثقافية.

وقال جيمس دورسي، زميل بارز في جامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة: "إن تعزيز الرقابة التي يقوم بها الأمير محمد بن سلمان يقوم على القساوة والظلم بدلًا من التوافق والإجماع، ويرتكز دعمه الشعبي الواسع إلى حد كبير على التوقعات التي إما لم تأخذ طابعًا مؤسسيًا أو لم تتحقّق بعد".

وتظهر ثقة الأمير محمد بن سلمان المتزايدة في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما من خلال إعادة تنشيط المواجهة العربية السُنيّة لمواجهة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط. كما يُراهن ولي العهد السعودي، إلى جانب نظيره في أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، على تحالفهما الجديد مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أملًا في أن تتمكن واشنطن من المساعدة في بناء قضية أوسع لاحتواء إيران.

من ناحيةٍ أخرى، ألمحت الصحيفة البريطانية إلى أن لُغز استقالة الحريري، وفشله في العودة إلى لبنان زاد من التكهنات التي تذهب إلى أنه "يتصرف بناءً على أوامر سعودية، وأنه ربما يمكُث في الرياض رغمًا عنه". ومع سعي المملكة لكبح جِماح النفوذ الإيراني عبر حزب الله، تزداد المخاوف من اندلاع "حرب بالوكالة" بين الرياض وطهران في لبنان، البلد الوحيد في الشرق الأوسط حيث تتعايش كلا البلدين في هدوء نسبي.

التنافس طويل الأمد بين السعودية وإيران خرج عن السيطرة بالفعل، مع العواقب المُميتة في اليمن، حيث قالت الرياض في عام 2015 حربًا ضد ميليشيا الحوثيين، أودت بحياة 10 آلاف شخص. ولا يزال الحوثيون قادرون على إطلاق الصواريخ على جارتها.

وفي الوقت نفسه، أقرّت السعودية بهزيمتها في سوريا، حيث يتفوّق الرئيس بشار الأسد -المدعوم من إيران وسوريا- على المتمردين الذين تمولهم الرياض بعد 6 سنوات من الحرب الأهلية. ومع دول الإمارات ومصر والبحرين، نبذت المملكة قطر، حليفتها ضد الأسد، في "شجار" أحبط الداعمين الغربيين لدول الخليج.

ويدعم مؤيّدو الأمير محمد المحليين، خططه لإعادة تشكيل تشكيل البلاد، بينما يقود تحالفًا سُنيّا ضد إيران. فيما لا يزال الغرباء من الخارج يتشككون إزاء هذه الخطط. يقول أحد المراقبين الإقليميين: "التجديد المحلي سيكون صعبًا للغاية، وهو تحوّل لا مثيل له... السعودية مُحاصرة من قِبل عدو مُتصوّر، ينبغي أن ترسم خطًا في الرمال. لكن مغامراتها الخارجية لم تسِر على ما يرام ".

فيديو قد يعجبك: