ما لا يعرفه الرجال عما تعانيه النساء يوميًا
كتبت - رنا أسامة:
في مقال للكاتبة "جريتشن كيلي"، سلّط موقع Upworthy الأمريكي الضوء على الصعوبات التي تواجهها النساء يوميًا في العالم.
استهلّت كيلي مقالها قائلة: في كل مرة أتحدّث أو أكتب عن قضايا المرأة- بدءً من قواعد اللباس، مرورًا بثقافة الاغتصاب، وانتهاءً بالتمييز على أساس الجنس- يسألني الناس: هل الوضع حقًا بهذا السوء أم أنكِ حسّاسة بشكل مُفرط يدفعك إلى تصوّره بهذا الشكل؟! لينتابني الإحباط حينها، وأتساءل في دهشة: لماذا لا يفهمون الأمر؟!
أعتقد أن جهل بعضهم هو السبب وراء ذلك، فهم لا يعرفون شيئًا عمّا نفعله من أجل لتخفيف حِدَّة المواقف، والحدّ من تصاعد التوتر، والتقليل منها وقبولها في هدوء، والأسوأ من هذا هو جهل بعض النساء، فبالرغم من أنهُنّ يعيشن ذات المعاناة، إلا أنهُنّ يفتقرن إلى الوعي بها.
لقد تعلّمنا جميعًا - إما بالفِطرة أو عن طريق التجربة - كيف نقلّل من حِدة المواقف المُزعجة غير المُريحة التي نتعرّض لها وتسبّب لنا ضيقًا أو تترك في أنفسنا أثرًا سلبيًا، فها نحن نرفع أصوات ضحكاتنا عاليًا لنتجاهل المُعاكسات السخيفة غير المُلائمة، والتعليقات المُهينة غير اللائقة، ونمتص غضبنا حينما يقلّل أحدهم مِنّا أو يتعالى علينا، تجنّبًا لتعريض أنفسنا للخطر.
لا يبدو حتمًا أمرًا جيدًا، ولكننا نفعله لأن عدم فعله قد يُعرِّضنا للخطر أو ربما يتسبّب في فصلنا من العمل، وهو ليس بالأمر الذي يمكن أن نتحدّث بشأنه في حياتنا اليومية، فلا نخبر أصدقاءنا أو المُقرّبين حولنا عنه كلما حدث، فهو دائم الحدوث والانتشار، إلى الحد الذي جعلنا نتعامل معه ببساطة وسلاسة وكأنه شيئًا عاديًا، وطقسًا من طقوس حياتنا اليومية.
وتسليمًا بفرضيّة "أنهم لا يعرفون"، فمن المُرجح أنهم لا يعرفون أننا نتحمّل نظرات الرجال إلى صدورنا حينما نبلغ سن الـ 13، ونرسم على وجوهنا ابتسامات زائفة ونَجِزّ على أسناننا على مضض، تظاهرًا بأننا لم نلاحظ تلك النظرات الوحشية، المُسيئة، المُنتهِكة لبراءتنا، وعلى الأغلب لا يعرفون كمّ الصراع النفسي الذي نعانيه حينما نُسطّح من هذه الأمور لمجرّد أن عدم تجاوزها يمكن أن يضعنا في موقف مُحرج بما يفوق قُدرتنا على مواجهته.
لقد تعلّمنا كيف نفعل ذلك الأمر في سن صغيرة، دون أن نضع له مُسمّى أو علامة مُميّزة له، ودون التفكير في أن هناك فتيات أُخريات يفعلن الأمر ذاته، ولكن توالي مرورنا بالمواقف المُحرجة والمُضايقات المُسيئة مكّنا من إتقان فن "التخفيف من حِدة الأمور".
الأمر الذي دفع بنا إلى تشكيل قائمة سريعة في عقولنا، نتفقّدها ونتحقّق منها كلما تعرّضنا لأي موقف، كي نستطيع تقييم حجم خطورته بسرعة، هل يبدو الرجل الذي يسير خلفنا مُضطربًا أو غاضبًا؟ هل هناك أشخاص آخرون حولنا؟ هل يحاول أن يبدو مرحًا ولكنه يجهل الطريقة المناسبة؟!
ليس هذا وحسب، بل أننا نضطر للتفكير في كل كلمة نتفوّه بها خشية أن يكون لها تأثيرًا سلبيًا يقود إلى فصلنا من العمل، أو تشويه سُمعتنا، ويحدث هذا الأمر طوال الوقت، ولا يتضِح أبدًا ما إذا كان الموقف خطيرًا أم لا.
أن تكوني امرأة في عالمنا، فهذا يعني أن تضحكي تجاوزًا للتمييز على أساس الجنس، لأنكِ تشعري أنه ليس لديكِ خيارًا آخر، وأن تشعري بالاشمئزاز الشديد لأنكِ مُضطرة للتكيّف والتماشي مع ما يحدث، وأن تُثبّتي أصابعك على زر الاتصال في الهاتف عندما تسير وحدك ليلًا، وتضعي المفاتيح بين أصابِعك عند الخطر حال احتياجك لسلاح، أن تكذبي وتتظاهري بأنك على علاقة عاطفية لتتخلصي من إلحاح شاب لا يقبل بفكرة الرفض، أن تقبلي فكرة التحرّش الجنسي واللفظي الذي تواجهيه يوميًا في الشارع، دون أن تقوم بالبحث عن الأحمق الذي أمسك بمؤخرتنا للتو في الزحام، لأنكِ تعرفين أنكِ إذا وجدتيه لن تقولي شيئًا على الأغلب.
فضلًا عن الذكرى التي تُطاردك لتُعيد إلى أذهانك المرة التي تعرّضتي فيها للانتهاك أو الاعتداء أو الاغتصاب، والقصص التي تحكيها لكِ إحداهُن بدموعها الموجِعة عن تلك المرة التي تعرضت فيها للانتهاك أو الاعتداء أو الاغتصاب، وأن تُدركِ أن هناك الكثير من النساء اللائي تعرضن للانتهاك أو الاعتداء أو الاغتصاب.
أن تكوني امرأة فهذا يعني أن يُنظر إليكِ من منظور جنسي، يُحدّق بكِ الرجال البالغون ويصدرون تعليقات بذيئة ربما تفوق استيعابك، وتتعلِمي في سِن صغيرة أن مواجهة مثل تلك المواقف غير مسموح لأنه يُمكن أن يُعرّضك للخطر، فتصمتي وتُسطّحي من الأمر وتتجاوزيه كأنه لم يكُن.
ربما يكون الشباب غير واعين بهذا، وحتى إذا سمعوا عن ذلك أو رأوه بأعينهم وتدخّلوا لوقفه أحيانًا، فلا تزال الصورة غير واضحة بعد، وتأثيرها علينا لدرجة أنها تصبغ الكثير من أقوالنا وأفعالنا، ما يستوجب شرح الأمور بصورة أفضل، لأنهم لم يعِشوا واقعنا ولم يمرّوا بالتجارب السيئة التي دومًا ما نتعرّض لها.
لذا لا تقوم بهزّ رأسك حينما تتحدّث إليك امرأة عن تعرّضها للمعاكسة، بل استمِع إليها جيدًا، استمِع إلى زوجتك إذا اشتكت إليك من أن أحدهم في العمل دعاها "حبيبتي"، استمِع إلى حبيبتك في المرة التالية التي تحكي لك فيها عن تحرّش أحدهم لها في وسائل المواصلات.
استمِع جيدًا لأن الواقع الذي تعيشه مُغاير لخاصّتك، ولأنها ربما تحاول أن تضمن من خلال شكواها وحكيها ذلك، أن ما تعيشه اليوم لن تضطر ابنتها إلى أن تعيشه غدًا، استمع ولن تخسر شيئًا، فقط استمع.
فيديو قد يعجبك: