لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

توماس فريدمان يكتب: الرقص داخل إعصار

09:18 م الجمعة 09 ديسمبر 2016

مقالًا للكاتب توماس فريدمان

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

ترجمة - محمد جمال:

نشر الكاتب الكبير توماس فريدمان مقالًا بجريدة نيويورك تايمز، قال فيه أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي تلاه انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، يشكلان سويًا حدثًا سياسيًا ضخمًا. حدث سيجعل من عام 2016 نقطة فارقة في التاريخ مؤسسة لعهد جديد، نقطة ستخضع للدراسة لوقت طويل. وبما أن الأحداث السياسية الضخمة تحدث نتيجة أسباب أيضا ضخمة، فأنا أعمل منذ ثلاثة سنوات على الإعداد لكتاب يحاول استكشاف الأسباب الخفية تحت السطح – داخل مواسير وأسلاك العالم الداخلية- التي أدت إلى تعكير صفو عالم السياسة إلى هذا الحد. والحقيقة أن إجابتي على كل التساؤلات تبدأ بسؤال أساسي: ماذا بحق الجحيم حدث في وحول عام 2007؟.. (تتساءل) 2007؟ (تجيب) إنه عام برئ آخر. حسنا، راجع نفسك مرة أخرى.

وتابع فريدمان بقوله "(راقب التالي) أطلق ستيف جوبس وشركة آبل هاتف الآيفون لأول مرة عام 2007، مطلقين ثورة الهواتف الذكية التي وضعت كمبيوتر متصل بالانترنت في كف كل شخص حول العالم. وفي نهاية عام 2006، قام فيسبوك –الذي كان حتى هذا الوقت يعمل بشكل محدود في بعض الجامعات والمدارس الثانوية فقط- بالانطلاق بشكل عام مقدما خدماته لأي شخص لديه فقط بريد إلكتروني، وبدأ يغزو العالم".

وتم إنشاء تويتر في 2006، لكن تم إطلاقه في 2007. "هادوب"، أهم تكنولوجيا لم تسمع عنها على الطلاق، بدأت في توسيع إمكانية الشركات في تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات "غير المنظمة"، مما ساعد على دعم تقنيات "البيانات الكبيرة" و "الحوسبة السحابية". وفي الحقيقة، فقط انطلقت "السحابة الحاسوبية" أيضا في 2007.

وفي 2007 أطلق جهاز القارئ الإلكتروني "كيندل" –من شركة أمازون- ثورة الكتاب الإلكتروني، وفي 2007 أطلقت جوجل نظام تشغيل "الأندرويد". في 2007 بدأت شركة آي بي إم مشروع "واطسون" – أول كمبيوتر "مدرك" في العالم والذي يمكنه اليوم من فهم كل كل ورقة بحثية كتبت عن السرطان ويستطيع أن يقدم للأطباء تشخيص عالي الدقة للحالات المصابة بالمرض ويستطيع أن يقدم بدائل دقيقة للعلاج (ومؤخرا ساهم واطسون في كتابة وإنتاج أغنية احتلت قائمة أعلى الأغنيات تحميلا على أيتيونز).

هل قمت بالنظر من قبل لرسم بياني يوضح تكلفة فك تسلسل الشفرة الوراثية للشخص الواحد؟ هذه التكلفة كانت تقدر بـ 100 مليون دولار مع بداية الألفية الجديدة، ثم بدأت تنخفض بشكل درامي في الفترة المتاخمة لعام... 2007. (لتصل لحدود الـ 100 دولار)، وفقًا لما ورد بالمقال.

وأشار توماس فريدمان إلى أن تكلفة تصنيع الألواح الشمسية بدأت في الانخفاض الحاد في عام 2007. وولد موقع آير بي إن بي (أكبر منصة لتأجير الأماكن السكنية في العالم) في عام 2007. موقع تشينج دوت أورج (حيث يمكن لأي شخص تنظيم حملة اعتراض) بدأ في عام 2007. أكبر مكتبة لمشاركة البرمجيات مفتوحة المصدر في العالم، "جيت هاب"، تم افتتاحها في عام 2007. وأيضا في 2007 قامت شركة "انتل" المصنعة لرقائق المعالجات الإلكترونية للحواسب باستخدام مواد غير سليكونية لأول مرة داخل الرقائق، مما أعطى قانون مور فرصة أطول ليعمل بشكل صحيح –قانون مور ينص على أن القوة الحاسوبية لمعالجات الكمبيوتر تتضاعف كل عامين-، وكنتيجة لذلك استمر التضاعف الخارق للقوة الحاسوبية حتى يومنا هذا. أخيرا، في 2006 تخطى عدد مستخدمي الانترنت المليار مستخدم حول العالم، وفي الوقت المناسب، سيتم النظر إلى عام 2007 كإحدى النقاط المفصلية العظمى في مجال التكنولوجيا عبر التاريخ، التي لم ننتبه إليها.

وأضاف الكاتب "في الوقت الذي قفزت فيه إنجازاتنا التكنولوجية قفزة هائلة للأمام، فشلت الكثير –مما أطلق عليه الاقتصادي بجامعة أكسفورد "إريك بينهوكر" عنوان "التقنيات الاجتماعية"-، فشلت كل القواعد، القوانين، المؤسسات، والأدوات الاجتماعية التي يحتاجها الناس لاستثمار هذه التسارع التكنولوجي في إنجاز الكثير إنسانيا واجتماعيا، فشلت في استثمار ذلك والبناء عليه، وبعضها تجمد تماما، وبعضها بدا وكأنه يعمل في عصر متأخر.. وهذا ليس غريبًا، في بعض أفضل الأوقات التي مرت بالبشرية حدث أن واجهت التقنيات الاجتماعية فجوة في التواكب مع التكنولوجيا، لكن هذه المرة ومع الأزمة الاقتصادية في 2008 ومع الشلل السياسي المتولد عنها، تحولت هذه الفجوة إلى هوة شاسعة. وبدا العديد من الناس شديد التشوش خلال هذه المرحلة".

وأوضح فريدمان أن ما حدث حول عام 2007 هو أن التواصل والحوسبة أصبحوا غاية في السرعة، وأقل كثيرا في التكلفة، وأكثر تدخلا في كل شيء، كما غيروا ثلاثة أنواع من القوة –بطرق مختلفة- في نفس الوقت: قوة الفرد، وقوة الآلات، وقوة الأفكار. فما يمكن لشخص واحد (أو جماعة صغيرة واحدة) أن تفعله الآن – قوة الفرد- لبناء أشياء أو تدمير أخرى أصبح فوق الخيال. فمثلا، عندما يريد الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يتحدث للناس، فكل ما عليه هو أن يبقى جالسا ومرتاحا في شقته الفاخرة بنيويورك وأن يغرد برسالته من خلال تويتر ليصل إلى 15 مليون متابع في أي وقت من أي يوم يعجبه. نفس الشئ تقوم به داعش من مكان نائي بسوريا. أما الآلات، فيمكنها الآن ليس فقط هزيمة البشر في لعبة الأسئلة العامة "جاباردي!" أو لعبة الشطرنج، وإنما أصبح لديها القدرة على الإبداع، أصبحت تقدم تصميمات معمارية، وتكتب قصص جديدة تماما، بل وقصائد شعرية أيضا لا يمكن تميزها عن أعمال البشر.

وفي نفس الوقت، تتدفق الأفكار رقميا من خلال الشبكات الاجتماعية في كل أنحاء العالم أسرع من أي وقت مضى ولحدود أبعد من أي وقت مضى. وكنتيجة لذلك فإن أفكارا جديدة (وذلك أيضا يتضمن الأخبار الكاذبة) قد تتجذر فجأة في عقول الناس، وأيضا أفكارا قديمة متجذرة يمكن أن تتحلل بنفس السهولة (فكر فيما حدث لمعارضة حق المثليين في الزواج كمثال).

ويخاطب الكاتب القراء "إذا نظرت للمشهد من أعلى فستجد أن التكنولوجيا والعولمة، وأيضا سأضيف، الطبيعة (وبشكل خاص التغير المناخي، وخسارة التنوع الحيوي، وتأثير الزيادة السكانية البشرية) جميعهم يتسارعون في نفس الوقت، وكل منهم تغذى تسارع الآخرتين: المزيد من تسارع قانون مور يدفع المزيد من العولمة، والمزيد من العولمة تدفع للمزيد من التغير المناخي. وسويا يقوم التغير المناخي والتواصل الرقمي لدفع المزيد من الهجرة البشرية".

وقال "قابلت مؤخرا لاجئين في غرب أفريقيا (انتقلوا لأسباب اقتصادية ومناخية) والذين شرحوا لي بشكل واضح أنهم لا يريدون مساعدة من حفلة روك تقام لجمع التبرعات بأوروبا، بل يريدون أن يذهبوا لأوروبا نفسها، أوروبا التي يرونها على شاشات هواتفهم الذكية، بل ويستخدمون تطبيق واتساب للتواصل بغرض تنظيم شبكات للهجرة غير الشرعية إلى هناك".

وتابع توماس فريدمان "لا عجب إذن شعور الضياع الذي ينتاب العديد من مواطني الغرب، لأن أكثر شيئين يشعران المرء بالاستقرار (وظيفته ومجتمعه) أصبحا غير مستقرين. يجدون شخصا يتحدث لغة غريبة أو يرتدى غطاء للرأس عندما يذهبون للبقالة، يذهبون إلى حمام الرجال فيجدون شخصا يبدو أنه من جنس مخالف، يذهبون إلى العمل فيجدون روبوت يجلس بجانبهم يراقب ويدرس طريقة أداء أعمالهم. شخصيا يسعدني هذا التنوع من الأشخاص والأفكار، لكن للعديد من الأشخاص الآخرين يبدو أن كل ذلك أتى فجأة وبسرعة أكبر من قدرتهم على الاستيعاب والتكيف".

ولذلك فإن أغنيتي المفضلة حاليا هي أغنية "براندي كارلايل" المعنونة "العين" والتي تقول: "لقد أحكمت لف حبك حول جسدي كسلسلة/ ولم أكن يوما خائفا أن يموت هذا الحب/ يمكنك الرقص داخل اعصار/ لكن فقط إذا كنت تقف داخل عينه (مركزه)"، وفقًا للكاتب.

ويختتم الكاتب مقاله بالقول "كل هذا التسارع في التكنولوجيا والعولمة والطبيعة يبدو مثل الإعصار، ويجب علينا أن نرقص. وما فعله ترامب وأولئك الذين بشروا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن شعروا بتوتر البعض من كل هذا التغيير الذي يحدث حولهم، فوعدوا ببناء جدران بين الناس وبين رياح التغيير هذه. أنا غير متفق في الرأي، كل ما علينا هو أن نقبل التحدي وأن نبحث عن عين الإعصار ونجدها.. وبالنسبة لي، فإن ترجمة ذلك هو بناء مجتمعات صحية تتمتع بمرونة كافية تمكنها من مواكبة كل هذه التسارعات، وأن تستمد الطاقة منها، ليس هذا فقط، ولكن أيضا توفير منصة من الاستقرار للمواطنين داخل هذه المجتمعات".

فيديو قد يعجبك: