من صنع أزمة اليمن؟ (تقرير)
كتب ـ علاء المطيري:
من صنع أزمة اليمن؟ سؤال يطرحه المتابعون لأزمة بدأت قبل عقد من الزمان، لكن أحد لم يتدارك خطورتها حتى أصبح الجميع أمام مفاضلة بين ما هو سيءٌ وما هو أسوأ لإنقاذ دولة تصارع القبلية ودسائس الدخلاء والأعداء.
أمة تحارب نفسها وشعب أصبح في حيرة من أمره بعد أن فقد البوصلة، وبات يسأل: " من العدو ومن الصديق؟" فالدولة التي كانت تطارد الحوثيين بالأمس القريب يبحث قائدها عن ملجأ في دول الجوار بعد أن أصبحت عاصمتها المؤقتة في مرمى النيران.
وبينما يرى البعض أن المسؤولين عن أزمة اليمن هم إيران والسعودية متناسين الدور الذي يلعبه الأمريكيون من وراء الستار، يقول آخرون إنها معركة طائفية، وهو ما تناوله موقع "ستراتفور" البحثي الأمريكي الذي أوضح أن السعودية لن تسمح بسقوط الحكومة اليمنية في ذات الوقت الذي تقوم فيه إيران بدعم المتمردين الشيعة الذين يواصلون زحفهم نحو المناطق الجنوبية.
وتابع الموقع أن السعودية تسعى للسيطرة على الموقف وخلق توازن يسمح باستمرار اليمن كامتداد جنوبي لها، وفي ذات الوقت تحاول إيران ملء الفراغ الذي يمكن أن يحدث إذا سقطت الحكومة اليمنية عن طريق دعمها للحوثيين.
ـ المعركة الطائفية:
ولفت الموقع إلى أن اليمن يمكن أن يتحول إلى معركة طائفية بين فريقين كلاهما يحاول السيطرة على مقاليد الأمور، مشيرا إلى أن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي جعل الحكومة اليمنية تحارب نفسها.
ـ النفوذ الإيراني في المنطقة:
وتمثل سيطرة الحوثيين على اليمن مصدر قلق للمنطقة بأكملها وخاصة شبه الجزيرة العربية لأنها ستجعل إيران اللاعب الرئيسي في المنطقة.
ـ ظهور الحوثيين:
أوضح الموقع أن محاولة السعودية للسيطرة على الحكومة اليمنية وقت اندلاع ثورات الربيع العربي من أهم العوامل التي سهلت ظهور الحوثيين لأن الأمور لم تسر وفقا للخطة التي وضعتها فى ذلك الوقت.
ـ عزل صالح وتولي هادي:
ونتج عن عزل على عبد الله صالح وتولي نائبه منصور هادى إلى دخول الدولة في نزاعات قبلية رسمت خطوطا سياسية وعسكرية جديدة استغلها الحوثيون في حشد العديد من القبائل خلفهم وبدأوا في الانطلاق من مركز قوتهم في مدينة " صعدا" في شمال اليمن باتجاه العاصمة صنعاء.
ولم تكن السعودية تتوقع إمكانية استخدام الحوثيين الذين يصنفون سيكولوجيا أنهم أقرب إلى المسلمين السنة من قبل إيران للحصول على مكاسب على الأرض.
ـ عودة صالح إلي صنعاء:
فالسعودية لم تفعل الكثير لمنع عودة على عبد الله صالح إلى صنعاء بعد الإطاحة به، وهو ما فتح الباب أمام إمكانية تدبيره مؤامرة ضد المسؤولين عن إطاحته، وأدى ذلك إلى إضعاف حكومة منصور هادي وقدرتها على مواجهة الحوثيين.
وآخر الاسباب هو أن الحوثيين قد تعلموا الدرس من صدامهم مع السعودية عبر حدودها الجنوبية في 2009 وبدأوا في إضعاف الجماعات الموالية لها لتجنب الصدام المباشر.
وبدأ تركيز الحوثيين ينصرف نحو إضعاف المجموعات المسلحة التي يمكن أن تقاوم تحركهم نحو السيطرة على المناطق الجنوبية.
ـ التهديدات تحاصر المملكة:
يبدوا أن خطة الحوثيين قد آتت ثمارها فتجنب المواجهة المباشرة مع السعودية جعلها تنشغل عن تلك القوة المتنامية على حدودها الجنوبية في ظل انشغالها بما يجري في العراق وسوريا شمالا.
وأصبحت استجابة السعوديين للحدث متأخرة ويبدوا أن قدرتها على التدخل عسكريا علي غرار سيناريو البحرين بصورة سلسة لم يعد ملك يديها.
ـ السعودية بين مطرقة الحوثيين وسندان القاعدة:
وعلى الرغم من ذلك فإن سيطرة الحوثيين لا يمثلون خطر كبيرا على السعودية لأن سيطرتهم على شمال اليمن ووسطه ستعزل السعودية عن تهديدات القاعدة في شبه الجزيرة العربية التي تمثل تهديدا حاضرا.
ويمثل سيطرة الحوثيين على مساحات كبيرة من اليمن الخيار الأقل سوءا للسعوديين في ظل تنامي دور القاعدة والجماعات المسلحة هناك خاصة أنهم لم يتجهوا نحو الشمال.
ـ الحدود:
وحتى إذا فكر الحوثيين التوجه نحو الشمال فإن السعودية ستكون قادرة على ردعهم عبر الحدود عبر تحصينها واستخدام بعض اجهزة الانذار المبكر في المناطق الجبلية في الغرب بينما تمثل الأجزاء الشرقية من الحدود مع اليمن صحراء مفتوحة من السهل استهداف أي مركبات تعبرها بواسطة الطائرات الحربية من بعد خاصة أن المدن السعودية تبعد عن الحدود مئات الأميال.
وعلى الرغم من أن المناطق الغربية الجبلية يمكن أن تمثل ممرات لعبور الحوثيين إلى داخل السعودية إلا أن الحوثيين لن يكونوا قادرين على مواجهة المدفعية وسلاح الجو السعودي.
ـ دور الدعم المالي في توجيه بوصلة الحوثيين في المستقبل:
لن يستطيع الحوثيون أو أي طرف من حكم اليمن وإقرار النظام فيه بدون دعم مالي خارجي طويل الأمد، وهو ما يعنى أن الحكومة اليمنية ستحتاج إلى التعاون مع السعودية خاصة في توفير إمدادات الماء التي يمكن أن تتحول إلى أزمة في دولة فقيرة تواجه أزمة إقتصادية وهو ما تفسره المحادثات غير المباشرة بين الحوثيين ولسعوديين.
وبينما يبدوا حصول الحوثيين على مساعدات من إيران أمرا منطقيا إلا أن الوقاع يشير إلى أنهم يدركون أن إيران لن تكون قادرة على موازنة الدعم المالي الذي يمكن أن تقدمه السعودية.
فإذا رفع الغرب العقوبات عن إيران ستقدم للحوثيين دعما عسكريا واستخباراتيا ولوجستيا إضافة إلى الدعم السياسي، لكنها لن تكون قادرة على تقديم الكثير من المال.
ـ الموقع الجغرافي:
ويضع الحوثيون في حساباتهم أن إيران على أيه حال تبعد عنهم 1950 كم في ذات الوقت الذي توجد لهم حدود مشترك مع السعودية في الشمال.
ويضاف إلى ذلك أن السعودية يمكن أن تساعد الحوثيين في الحصول على اعتراف دولي بهم كحكومة شرعية في اليمن.
ـ حزب الله اليمني:
يجد الحوثيين أنفسهم في موقف يتشابه كثيرا مع حزب الله في لبنان فكلاهما يمتلك القوى الأكبر في دولته لكن العوامل السياسية والتركيبة السكانية تحول دون إمكانية تفرده بالحكم.
ويسعى الحوثيون للحصول على فصائل أخرى تشاركهم في تكوين حكومة مذهبية على النموج اللبناني.
ويمر الحوثيون في الوقت الحالي بمرحلة حزب الله اللبناني حقبة ثمانينيات القرن الماضي، ما يعنى أنهم في حاجة إلى ترجمة قوتهم العسكرية في شكل عمل سياسي.
ومع ذلك فالسعودية لن تسمح باستنساخ حزب الله في اليمن لأنها ليست خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، كما أنه لا يوجد إلى جوارها سوريا التي يمكن أن تستخدمها إيران لدعم قوتها.
ـ مستقبل اليمن:
تعرف السعودية أن التهديد الحوثي ليس ملحا وحالت دون حدوث مفاوضات مباشرة ورسمية مع اليمن وتعرف الرياض أيضا أن إيران تريد أن تحصل على مقعد في طاولة المفاوضات حول الأزمة اليمنية لتصبح صاحبة مصلحة في اليمن وهو ما يجعل السعودية أكثر حرصا.
وفي نهاية الأمر فإن القيود الجغرافية والسياسية تحول دون قدرة طهران على تقويض السعودية في اليمن.
ـ السعودية ستتفاوض:
وعلى أيه حال فإن السعودية التي تعارض سيطرة الحوثيين على صنعاء ومساحات شاسعة من اليمن وتسعى للسيطرة على الموقف ستسمح للحوثيين بالجلوس معها على طاولة المفاوضات في وقت ما حرصا على منع الجهاديين والقاعدة من استثمرا أي تطورات على الأرض.
ـ الجهاديون:
يرغب العديد من الجهاديين والقبائل والجماعات السنية وعناصر من قوات الأمن التابعة للحكومة التي تم إزاحته في التعاون مع الجهاديين لقتال الحوثيين.
ويرى الجهاديين في اليمن أن تحرك الأمور في اتجاه حرب طائفية سيؤدى إلى تعزير وضعهم هناك.
لكن السعودية لا تستطيع السماح للقاعدة أن تكون لاعبا رئيسيا وتظهر كقوة مؤثرة في قتال الحوثيين.
ـ الموقف الأمريكي:
والحقيقة أن الولايات المتحدة أشارت إلى أنها بالفعل ستعمل مع الحوثيين لقتال القاعدة في اليمن، وهو ما يتوافق مع تغير السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط حيث أن واشنطن باتت ترى إيران وحزب الله والحكومة السورية باستثناء بشار الأسد شركاء في محاربة "داعش" التي تمثل تهديدا للملكة العربية السعودية من جهة الشمال.
ـ التهديد الأكبر:
والواقع أنه إذا استطاع الحوثيون فرض وجودهم بالقوة في اليمن فإن محافظات جيزان ونجران في جنوب السعودية ستصبح قبلتهم القادمة بسبب تواجد الشيعة الإسماعيلية في تلك المحافظات بكثافة، وهو ما يمثل التهديد الأكبر الذي يٌقلق السعوديين.
وسوف ترحب إيران بتلك النتائج التي ترتبت على دعمها لليزيديين. فكيف ستتعامل السعودية مع تلك المجموعات؟، وكيف ستبقى على مسافات مناسبة منها في ظل الدور المفتاحي الذي تلعبه إيران في هذا المشهد؟.
ـ إذا انهارت اليمن:
سيؤدى انهيار الوضع الأمني في اليمن إلى خلق صراع "جيوسياسي" في الشرق الأوسط والذي يعني أن سياسية الدول في المستقبل القريب ستتحدد بناء على مواقعها الجغرافية وهو ما يضعه الحوثيون في اعتبارهم فيما يخص علاقتهم بالسعودية المجاورة في ظل دعم إيران التي تبعد عنهم 2000 كم.
فيديو قد يعجبك: